مع المفكر اللبناني النقدي فواز طرابلسي
شاكر فريد حسن
فواز طرابلسي مفكر وسياسي لبناني يحتل مكاناً مرموقاً في الوعي السياسي العربي الجديد،وعي اليسار الراديكالي كمثقف ماركسي نقدي، وفي التجربة السياسية لهذا اليسار كمناضل تحمل مسؤولية عضوية المكتب السياسي لمنظمة العمل الشيوعي في لبنان،وفي تجربة الصحافة الثورية المقاتلة والملتزمة كقلم رصين نشيط في "الحرية"و"بيروت المساء"وكمدير لمجلة "زوايا".
وهو استاذ جامعي يحمل دكتوراة في التاريخ من جامعة باريس،ومن ابرز وجوه الحركة الوطنية اللبنانية ،وأيضاً مثقف عربي بارز ساهم في المشهد السياسي والفكري والاعلامي العربي الراهن،ويحمل في جعبته الكثير من المعاني التي لا يخفى غناها على المهتمين بالشأن العربي العام، مطلقاً النقد الذاتي من عقاله لكي يعيد الاعتبار الى التاريخ في مواجهة النرجسية التي ادمنت ذات المفكر العربي وانغمس فيها . انه من أجرأ المثقفين العرب على النقد والتمرد على المؤسسات السلطوية ،بما فيها المؤسسات السياسية التي احتضنته وتربى فيها وربى فيها اجيالاً عديدة من المثقفين والمناضلين، داعياً ما تبقى من قوى النهضة والثورة والتقدم والحرية الى اعادة بناء كل شيء من مدخل جديد،هو المجتمع.
والماركسية بالنسبة لفواز طرابلسي هي نظرية في التطور التاريخي وفلسفة في النظرة للعالم والكون، وهي ما تزال تملك اعمق مساهمة في هذا العصر لفهم حركة التاريخ وفهم آلية الراسمالية. وفي اعتقاده ان الماركسية تبقى وتظل أعظم نظرية للتحرر الانساني الشامل، في المجتمع وبواسطته، تحرره من كل الاستلابات وفي ذروتها استلاب الانسان امام السلطة.انها مليئة بالامكانيات التي تساعد على بلورة مشروع مجتمعي جديد ونهضة جديدة في بلادنا العربية ، شرط عدم تحويلها الى مرجع،أي الى نص والى فقهاء،وشرط اخذ ما هو حي فيها، أي بالدرجة الأولى المنهج، أي النظر الى التاريخ بصفته حقبات وانحكامه في التحليل الأخير بالاقتصاد والمادية الجدلية ، أي على التناقض والتفاوت لا على المادية المبتذلة.
وفواز طرابلسي مفكر حر ومستنير يتمتع بقوة استثنائية،نذر حياته وقلمه للسجال الفكري والنظري والثقافي النقدي لتطوير وتأصيل المشروع القومي النهضوي التنويري التقدمي الديمقراطي العربي، ومواجهة المشروع الرأسمالي المعولم وتابعه الصهيوني،في حقبة تمتاز بتنوع في الردة وتتفاخر بالاستقواء الأجنبي واستدعاء الاستعمار. وهو يتميز بالتزامه العقائدي وبموقفه النقدي والتصاقه بقضايا الامة والوطن، وخاصة قضايا التنمية والوحدة والثقافة والحرية والديمقراطية والعدالة، وهي قضايا تشترط التعمق والنقد الفكري.
فواز طرابلسي باحث في قضايا واشكالات الفكر السياسي المعاصر وتياراته المختلفة، ويحاول توسيع نظرية علمية شاملة للثورة العربية ، ويتصف برؤيته النقدية الحادة والكاشفة عن الأوجه السلبية للفكر العربي الحديث والمعاصر. وتتخذ كتاباته ومداخلاته طابع الحوار والنقد، وهي تدور حول مسائل فكرية ونظرية وتاريخية وسياسية وثقافية عامة . وقد أثارت أفكاره الحية والخصبة النابضة نقاشات وسجالات مثيرة.
ولفواز طرابلسي مجموعة من الكتب والمؤلفات ،منها:"صورة الفتى بالأحمر، السلم والحرب" ، وهو سيرة ذاتية سياسية ، و"عن أمل لا شفاء منه ـ يوميات حصار بيروت"،و"الطوائف والطبقات في الصراعات اللبنانية"،و"وعود عن رحلات يمينية"و"عكس السير،كتابات مختلفة"،و"فيروز والرحابنة مسرح الغريب والكنز والاعجوبة"،وغير ذلك.
وفي مداخلة له بعنوان "نحو تجديد المشروع الاشتراكي"يقدم فواز مقاربة لاشكاليات بناء الدولة ودورها في العالم الثالث ، وقراءة نقدية في كتاب "في الدولة الطائفية "لمهدي عامل ، متابعاً حواراً كان بدأه شهيد الحرية والفكر مهدي عامل حول هذه القضايا.
فواز طرابلسي سياسي ومفكر ايديولوجي يساري لعب دوراً اساسياً في قيادة اليسار التقدمي العربي واللبناني، وهو يرى بأن الأهم في هذه المرحلة العصيبة ، التي تمر بها حركة التحرر الوطني العربية، عدم الاستمرار في التمسك بالتسميات والأفكار والأشكال القديمة، وانما المطلوب هو التفكير بالمستقبل، مستقبل العرب في عالم احادي القطب، مشيراً الى ان هناك فراغاً كبيراً يتركه غياب فكر شامل، يجمع الوطني والقومي والاقتصادي والسياسي والتنموي مع توزيع الثروة، وهذا المشروع ـ بنظره ـ يتطلب جهداً للقيام به وهو جهد جماعي يستغرق سنوات.
وفي الاجمال، فواز طرابلسي كاتب ومفكر وسياسي وصحافي وأستاذ جامعي ومثقف مميز وناشط ثقافي، خاض معركة حضوره الثقافي والسياسي وأبلى بلاءً حسناً في نقد الفكر السياسي العربي، وهو يكتب برزانة ورصانة، مستخدماً المنطق والعقل في عرض حجته وبرهانه.