حوارات... مع وقف التنفيذ

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

منذ بدايات القرن التاسع عشر، اكتسحت العالم الحديث موجةٌ عارمة من الصراعات... بدءً من صراع الثقافات، مروراً بصراع الحضارات وانتهاءً بصراع الأديان...

لكن العجيب في الأمر كيف أن هذه النزاعات تحوّلت – بقدرةِ قادرٍ- إلى مادةٍ قابلةٍ للتفاهم والتشاور تحت مظلّة ما يسمى ﺒ (الحوار)!!

ولنبدأ من حيث وصل حوار الصراعات... أعني الحوار حول الأديان...

 من المعلوم أن للحوار قواعد لا يقوم إلا بها ولا ينجحُ إلاّ إذا انطلق منها، وهي:

1-  وجود الأسس المشتركة المتفق عليها.

2-  التسليم ببدهيات المعرفة وبدهيات السلوك.

3-  الرغبة في الوصول إلى الحق وتحرّي الصواب،

هذا إذا ما اعتبرنا أن للحوار – كونه وسيلة للتفاهم بين البشر- مُهمّةُ تنوير العقول وإزالة الغموض وتقرير الحقائق عن طريق الأدلة والبراهين... وأنّ له ضوابط لا يجوز أن نتخطّاها وإلاّ كان كحوار "الطرشان": كالموضوعية والإنصاف واتباع المنطق السليم وصحة الدليل والحرية إلاّ من الثوابت والمسلّمات... مع الأخذ بعين الاعتبار أن الخوف والمجاملة واللف والدوران والتعصُّب الأعمى كلّها مِنَ العوائق التي تمنعُ الحوار من الإنتاج والإثمار...

انطلاقاً مما ذكر: كيف ننظر إلى الكثير من الحوارات المستجدّة في أروقة العالم، بينما تعتريها حالات من التناقض والتباين في المنطلقات، ويشوبها عدم الندّية في أغلب الملفات المطروحة، ويطعن في جدواها التفاوت الواضح في موازين القوى بين المتحاورين؟!

وفي ظل هذه الوقائع نسأل:

هل يصحّ أن يتحاور السجان والمسجون، والقاتل والمقتول والغاضب والمغتصب؟ وما هي مادة حوارهما؟!

ما هي أهداف الحوار بين من يؤمن بالله رباً وإلهاً وحاكماً وبين من يجعل له ولداً – سبحانه- وبين من يعبد حجراً أو كوكباً أو دابّة؟!

وهل يعني الحوار أن يتنازل أهل الحق عن حقِّهم – وللحق وجه واحد- ويتهاونوا في ثوابتهم ويتخلّوا عن رسالتهم؟!

وفي حال أجمعت أطراف الحوار على أنّ التسامح بين الأديان هو بيضة الميزان في جميع القضايا، فيما هم مختلفون في تحديد هذا المفهوم وتعيين آلية تطبيقه، فما هي إذاً جدوى ذلك الحوار؟!

إنّ حواراً يعتمد أسلوبَ التسخيف والتضليل والافتراء والتبرير لن يكونَ أبداً وسيلة لتحقيق العدالةِ وإرجاع الحقوق إلى أهلها، ولن يكون حتماً ضماناً للضعيف من القوي وللمقاوم من الإرهابي وللمظلوم من الظالم وللمصلح من المفسد!!

ويبقى السؤال: مَنْ للحوار الهادئ والهادف المبني على قاعدة: ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾؟!

                

  * من سلسلة "وغداً نلتقي" – مجلة غدي الشبابية- لبنان.