حين تدعو النساء

سحر المصري

طرابلس - لبنان

[email protected]

لم يخطر في بالي يوماً أن أكتب في موضوع كهذا.. لأني لم أتخيّل أنه يمكن أن يتوقّف الكثير من الرجال عند هذا الأمر.. ويكون عائقاً أمام حضورهم لفعاليات مهمة ومحاضرات مفيدة بسبب أمر لا يخطر على بال..

ما أتكلم عنه يا سادة يا كرام هو إحجام الكثير من الرجال عن حضور أي فعالية تدعو إليها النساء.. وهذا ما واكبته في المحاضرتين العامّتين اللتين دعونا إليهما في الفترة الماضية.. وكتبنا بالخط العريض "الدعوة عامّة للإخوة والأخوات".. فلم يتعدّ عدد الرجال الخمسين رجلاً في حين حضر من النساء ما يقارب الثلاثمائة.. ولعل أول ما نستطيع قراءته هو أن الرجل لا يستسيغ تلبية دعوة أطلقتها "نساء"! لِم؟ فتشت عن ردٍ مناسب وواقعي فلم أجد سوى النزعة الذكورية في مجتمعاتنا الشرقية!

قد تكون المواضيع المطروحة في المحاضرات مهمة جداً وتهمّ الرجل قبل المرأة لأن الرجل عادة ما يكون باستطاعته التأثير على المرأة وتوجيهها أكثر مما تفعل المرأة بالرجل.. خاصة إن تناولت هذه المواضيع الحياة الأُسريّة لِما في ذلك من أثر على استقرار الحياة الزوجية.. ولكن من جديد نجد إحجاماً غير مبرر عن الحضور من قِبَل الرجال..

قد يقول قائل: ربما بمجرد قراءة اسم الجهة الداعية للفعالية يعتقد الرجل القارئ أن هذه الفعالية خاصة بالنساء حيث أن الجهات الداعية هن من النساء.. قد يكون هذا سبباَ ولكنه سبب ثانوي.. خاصة إن تمّت دعوة الرجال بشكل واضح وصريح..

وماذا نقول حين نخبر عن المحاضرة ومَن ينظّمها فيبادرنا البعض بالقول: "هل يُعقَل أن أحضر محاضرة دعت إليها نساء؟!؟".. ويكأنّ القيمة قد سقطت من الفعالية لمجرد أن من نظّمها نساء! أليس هذا ظلماً للعمل ولمنظّمه؟

وتكتمل فصول المسرحية حين تكون المحاضِرة "امرأة".. وتتم دعوة الرجال والنساء للمحاضرة.. فتجد البعض من جديد يتململ.. فكيف سيحضر ويسمع لامرأة.. وأول سؤال يواجهك به: ألم يكن هناك من رجل يستطيع أن يقول ما تقوله هي؟ نعم.. قد يوجد.. ولكن ما الذي يمنع أن تحاضر المرأة بالرجال إن كانت متمكّنة من المادة التي ستعطيها ومتميّزة فيها وبكامل حشمتها والتزامها؟ ألا يوجد في الجامعة من الأساتذة مَن تفوق في علمها أقرانها من الرجال؟ لِم ما زالت الأفكار معلّبة في قوالب مصبوبة! حتى لو قرأنا في تاريخ الأمّة وجدنا نساءً لمع نجمهنّ في العلم والأدب والفقه وغيرها من العلوم.. وبعضهنّ تتلمذ على أيديهنّ علماء وفقهاء من بينهم الشافعي!

كما قد يعيب البعض على أختٍ تنتدبها الجمعية النسائية المنظِّمة إن قامت بالترحيب بالحضور رجالاً ونساءً في محاضرةٍ مختلطة.. ويعلّقون على صعودها المسرح بحجابها الكامل لتعرِّف عن المحاضرة والمحاضِر.. فينتشر اللغط ويعلِّق البعض أن كيف تعتلي الخشبة امرأة في حضور رجال؟! وأتساءل ما دليلهم الشرعيّ على هذا الرفض إن كان علماؤنا قد أجازوا؟!

حقيقة من المؤلم أن نجد في هذا العصر من يتوقف عند صعود امرأة محجبة المسرح أو إلقائها محاضرة أو مجرد دعوتها للرجال في حين أن الملحدات السافرات يرتقين مكاناً علياً ويجدن كل تكريم واحتفاء!

أتمنى أن يأتي اليوم الذي أجد فيه مجتمعاتنا تمحو من واقعها الكثير من المفاهيم المغلوطة والعادات البالية!