بين "الإسلاميين" و.. "الديمقراطيين"

بين "الإسلاميين" و.. "الديمقراطيين"

عقاب يحيى

كلما دقّ" الكوز بالجرّة".. وكلما تأزمت أحوال الديمقراطيين، أو فكّ بعضهم تحالفاته مع الإسلاميين .. لهذا السبب أو غيره.. وكلما تردّى وضع الإئتلاف، والمجلس الوطني قبله، أو كثرت مثقلات الثورة، وتعمّقت الفجوة بين الهيئات القائمة والواقع والناس,, إلا وخرجت النغمة إيّاها عن سيطرة هؤلاء الإسلاميين " متعددي الوجوه والأشكال والمَظهرة" ومحاولاتهم التكويش والاستئثار.. وعبر وسائل خفية من الأساليب، ومن خلال تكتيكات علنية وسرّية، وتوزيع أدوار، وباطنية مغلفة بكل شعارات الواقعية ..إلخ .. فحرب كلام.. وتموقعات.. وإعلان الاستنفار اللفظي.. ثم.. ودون مفاجآت.. عقد صفقات وتحالفات والتباهي بها.. والارتكاز عليها في عمليات انتخابية، وفي فرض قوائم معيّنة.. بانتظار الفكفكة، أو التغيير.. أو محاولات الالتفاف من جديد، بينما حال "الديمقراطيين" إلى تفكك، ومزيد من الشرذمات والبعد عن الناس، والميادين..وإلى مزيد الصخب والتحسّر.. والأماني.. بينما تكثر التخندقات في خندقهم الافتراضي، وتتعدد أنواع الفجوات فيهم وبينهم ..

*******

في سنوات الفوات والهزائم التي طالت الجميع، وعبر محاولات، متعددة الخلفيات والمستويات والعمق لما يعرف بالمراجعة والتقويم، اتفق الكثير على أن من اسباب التراجع، والضعف والفشل تلك الحروب غير المبررة التي وقعت بين الاتجاهات الإسلامية والقومية واليسارية المعارضة، وأن جميع النتائج، والوقائع، وواجبات ومقومات مقاومة الاستبداد، وتوفير استنادات التغيير تقتضي اللقاء، وتحتّم استبعاد العقل الأحادي، والاستئصالي في سبيل تكوين توافقات عامة حول المشتركات الكثيرة ومحورتها فيما يعتبر المركزي من الأهداف : الحريات العامة والتعددية، واعتماد الحوار لغة ووسيلة، ثم الاعتماد على صناديق الاقتراع في دولة ديمقراطية تحقق المساواة لجميع مواطنيها على اساس المواطنة وليس أي شيء آخر ..

ـ وعلى امتداد عقود.. تقدّمت العلاقات البينية بين عديد القوى التي كانت متصارعة، والتقى كثيرها في تحالفات وجبهات وأطر حققت عديد التفاهمات، والتعرّف على الآخر الذي ظلّ مجولاً لعقود، وخفّ كثير من ذلك الخوف والتوجس...وصولاً للثورة السورية التي لم تك ابنة شرعية لأحد التشكيلات السياسية التقليدية.. فالتحق بها الجميع.. وحاول البعض أن يشدّ لحافها صوبه وكأنها صناعته، أو كأنه الوصي عليها.. في حين انضوى البعض في المجلس الوطني كأول إطار جمعي عانى من مجموعة إشكالات بنيوية.. بينما طفى على السطح ما يحكى عن سيطرة الإسلاميين، وعبر " تحالفاتهم الواجهية" مع بعض الأطراف.. ودرور الإسلاميين على ذلك في مقولة العدد الموجود، وحساب خلفيات من تسنم المسؤولية، ومن تصدّر المشهد، ومن رفعه الإعلام ليصبح واحداً من نجوم المعارضة التي طفا فيها من يحسبون أنفسهم على الاتجاهات الديمقراطية والعلمانية..

ـ هذه الوضعية لم تستمر طويلاً.. فمع الجنوح نحو العَسكرة ودوافعها، وموجباتها، وما عرفه العمل المسلح من تحولات طبيعية وردّ فعلية، ومن تأثير ودور الجهات الممولة سورياً وخليجياً وعلى مستوى الهيئات والأفراد، أو الدول، وارتباط ذلك بممارسات طائفية ممنهجة للنظام وحلفائه.. حدث الانزياح المتدرج نحو الأسلمة، فطغيان الموجة الإيمانية، والإسلامية، وحتى المتطرفة على معظم كتائب العمل المسلح، وصولاً إلى ولادة "جبهة النصرة" وموقعها، فداعش وتغولها ... وبما خلق واقعاً جديداً بدت فيه جميع الأطياف الديمقراطية والعلمانية والقومية وأشباهها وكأنها تغرد في سماء خالية، فازداد الصراخ، ومعه أمواج الخوف من اختلال سيُنتج وقائع على الأرض.. وانعكس ذلك بشكل مباشر، أو من حيث النتيجة على تركيبة، وبنية، وتحالفات الإئتلاف.. وعلى مساره، وإشكالاته.

ـ وفي حين تقتضي الضرورات كلها تقوية الاتجاهات الوسطية الإسلامية .

وفي حين تعلمنا ألف باءات الديمقراطية رفض الاستئصال من اية جهة كانت، وإدانة العقل الأحادي، وذهن الاحتكار والاستئثار..

ـ وفي حين تؤكد الوقائع أن القوى الإسلامية هي جزء من مكونات شعبنا لا يمكن لأحد أن يشطبهم، أو يلغيهم، وان ضرورات الوحدة الوطنية، وموجبات النجاح في إصقاط النظام وإقامة البديل التعددي.. تقتضي التحالف والتوافق الاستراتيجي وليس الانتخابي والتكتيكي والتآمري.. وأن هناك العديد من المشتركات التي يجب مركزتها، والتحلّق حولها بديلاً لنهج الاحتراب، وزرع الشكوك والتوجسات.

ـ لقد عقدت أطراف محسوبة على الاتجاه الديمقراطي صفقات تحالفية، انتخابية مع الإخوان المسلمين أبعدت الآخرين، وأوصلتهم إلى مواقع رئاسة الإئتلاف وغيره، ثم تبدّلت التحالفات لأسباب يقال الكثير عن دوافعها ومحركاتها.. فعادت الحرب من جديد بعد انقسام عرفته الكتلة الديمقراطية في الإئتلاف.. لتعود النغمة السابقة من معزوفة السيطرة إلى واجهة التعبئات.. في حملات محمومة تزيد انقسامات الإئتلاف تفسخاً، وشرذمات ..

ـ إن ما يعرف بالاتجاهات ـ وليس الاتجاه ـ الديمقراطية ما زالت تعاني إشكالياتها الداخلية. في تركيبها ونخبويتها. في انقساماتها الحادة. في تفريخها لمزيد من الشرذمات. في احتراف الحروب الدونكيشوتية بينما عجزت وتعجز عن النزول إلى الميادين، وعن إيجاد توافقات بينها تكتلها في إطار، أو تيار عريض من شأنه أن يجمع شتاتها، وأن يبني تحالفات على أسس واضحة..

***

لقد عايشت الإئتلاف منذ تأسيسه وأعرف الكثير من عوامل أزمته البنيوية وما ركب عليها من مفاعيل قسرية، ومن مثقلات فرضت عليه، وكتبنا، وتكلمنا مراراً وبوضوح كافي عن مظاهر الفساد والإفساد. عن التحالفات والعضوية. عن المناقشات والجلسات والمسار والمآل.. وناقشت الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية التي أمثلها فيه على مدى اجتماعات كثيرة واقع الإئتلاف، موجهة عديد الانتقادات الموضوعية له، وقرارها ـ الحصيلة ـ في البقاء فيه، خصوصاً وأن الثورة السورية، ولأسباب متداخلة، عجزت حتى الآن، عن إقامة بديل شامل.. قد يكون المؤتمر الوطني الجامع مدخله..

ـ اليوم يشهد الإئتلاف انقساماً حاداً تبدو فيه القضايا الذاتية الخاصة بالمحاصصات والأصوات أقوى من كل الدعوات الجدّية للإصلاح، والهيكلة، ومحاربة الفساد، والمأسسة ، وبما يطرح اسئلة واقعية عن مصيره، وعن قدراته على تجاوز بلاويه التي يصنعها أعضاؤه.. والتي تضاف إلى عديد العوامل المفروضة والخارجة عن إرادته، والمتعلقة بواقع الثورة السورية، والدول الإقليمية، والمجتمع الدولي، وواقع ومصير بلادنا ... فهل تتغلب المصلحة العامة على الذاتيات، والذهن الكيدي ؟؟....

عقاب يحيىدّى إلى مزيد من تخوأ