الهجرة... إلى بلاد العجائب

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

 إنّ من أهمِّ ما ينغّصُ طيب عيشنا ويكدّرُ صَفْوَ حياتنا، أن يُفرضَ علينا واقع لا نحبُّه ولا نريده، وأن يَجِدَ له أعواناً يوسّعون رقعته ويلبسونه رداء المنطقية التي لا حَلّ سواها، والحتمية التي لا مفرّ منها...

وأقتطع من ذلك الواقع حالةً باتت مطلب الشباب وأمنيّة العُزّاب وقرّة عين كلّ طموحٍ وثّاب؛ ألا وهي "الهجرة".

لكنّي – ونحن في أجواء الهجرة النبوية المباركة – لا أقصد الهجرة المنطلقةَ من التصوّر الإسلامي    للحركة الإيجابية الدائمة وللتربية الدافعة المتوازنة؛ كلا، بل أعني هجرة شبابنا إلى بلاد الغرب بحثاً عن السعادة والاستقرار... وتحقيق العجائب!!

سمّوها كما تريدون: "هجرة الأدمغة"، "هجرة الطاقات"، "هجرة التخصّصات"، "هجرة العقول"... فبمنأى عن كلّ التسميات، تبقى تلك الحركة حالةً مقلقةً نعاني من شؤم دلالاتها وسوء انعاكاساتها على حاضرنا ومستقبلنا...

وإذا أردنا أن نفصِّل أكثر، دعونا نبحث عن الأهداف، الدوافع، والنتائج لتلك الحركة، ولنبدأ بطرح مجموعةِ أسئلةٍ حول الموضوع: ماذا يريدُ شبابنا من الهجرة؟ إلامَ يطمحون؟ وفيم يطمعون؟ ولِمَ يخططون؟...

  سأجيبَ مقتبسةً كلماتي من أفواه كثير من شبابنا الذين بيّنوا – وبوضوح وصراحة – أسباب وقوفهم على أبواب الهجرة...

يريدون أولاً – وليسوا سواءً، فمنهم المجدّ الواعي المستقيم – الهروب من كسلهم وضعفهم وعجزهم إلى نشاط "الأجانب" وقوّتهم وجَلَدهم... ويطمحون بالمراكزالراقية وبالأجور العالية...

ويحلمون بالتمكين بواسطة "الغرين كارد"  والعصا السحرية المسماة ﺒ "الجنسية"... ويطمحون بالربح الوفير والجنى الغزير والعيش الهانئ القرير... وتغريهم شعارات الاحترام والتقدير... ويتشوّقون لتذوّق طعم الحرية المنفلِت من المسؤولية... أو ليصاحبوا الأجنبي والأجنبية ويفعلوا ما يشاؤون من دون رقيب أو حسيب..

نعم، إنهم يخططون للنجاح... هناك... في بلاد العجائب!! وحتى نكونَ منصفين، دعونا نتحدّث قليلاً عن الدوافع؛ تلك التي أرغمت شبابنا على التفكير بهذه الطريقة – وهم ليسوا معذورين تماماً -، حيث إن واقعهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يطبق على صدورهم ويضغط على مشاعرهم ويُحْكِمُ الخناق حول أعناقهم: فقرٌ، جهلٌ، حاجةٌ، بؤس، خوف، فسادٌ، تزوير... إلى آخر تلك السلسلة المشؤومة التي لا ينكرها صاحب لبّ وعينين، ومع ذلك فإن هناك ما يبرِّر تمسكنا بشبابنا وعدم تصديرهم للخارج – إلاّ في حالات معدودة مدروسة ترجع إلينا بتخصّصات مطلوبة واختراعات مرغوبة...

فبالنظر إلى نتائج هجرة شبابنا نجدُ أنّ بلادنا تقع تحت عجز بشري خطير بسبب غياب عددٍ من أبنائها الأذكياء الأقوياء المتخصصين البارعين... وهذا يلاحظ في مجالات مهمّة هي بمثابة أعمدة التمكين اليوم – بعد الإيمان بالله والتوكل عليه – منها: الإدارة – الإعلام – التخطيط والتفكير الاستراتيجي – الاقتصاد... وغيرها...

خلاصةُ القول شبابنا الأعزاء، إن ما يبقى لنا في زماننا هذا، زمن (ولكن جهادٌ ونيّة)*، أن نصحّح النوايا في العزيمة على هجرةٍ لا ترضى بالواقع، ولا تقتصر على مجرّد تسجيل الدوافع أو القيود، بل هجرة يجاهد فيها شبابنا لتطوير الحياة بتوسيع آفاقها، وإنشاء أهداف روحية ومادية تستنهض هممهم وترتقي بأشواقهم ومشاعرهم، وليستعمروا الأرض بإنجازاتهم، ويرضوا ربهم ويسعدوا في دنياهم وآخرتهم...

وتذكرّوا شبابنا أننا في هجرة دائمة إلى الله ورسوله... بِفِعْلِ أمره وترك نهيه... وأنعِمْ بها من هجرةٍ مباركة... وكل هجرةٍ وأنتم بخير ونعمة.

                

*من زاوية "وغدا نلتقي" – مجلة غدي الشبابية – لبنان.

* إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا هجرةَ بعد الفتحِ، ولكن جهادٌ ونية).