"خزعة مجتمعية" تحت المجهر

"خزعة مجتمعية" تحت المجهر*

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

تُرى، هل تكونُ قد تحرَّينا الدّقة في التعبير والتصوير إذا ما وصفنا مجتمعاتنا بأنها "مريضة"؟!

ذلك أنّ المرضَ هو من الأحوال التي تعتري الإنسان إذا ما هاجمت "الجراثيم والميكروبات" جسده، فأوهنت قواه، وأحدثت اضطراباً في وظائفه البيولوجية، وسبّبت خللاً في توازناته العضوية والنفسية...

وإذا كان من السهل تحديد أعراض المرض التي تظهر على شخصٍ بعينه (كارتفاع درجة حرارة جسمه، أو آلام يصرّح بها، أو طفحٍ جلدي...)؛ فهل من السهل أيضاً ملاحظة أعراض مرض المجتمعات؟

وما هي يا ترى تلك الأعراض؟!

لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية –ومن قبل أحداث التاريخ القديمة والحديثة- أنّ المجتمعات الإنسانية معرّضة للمرض، كما أنها قد تعتلي مدارج الصحة والنشاط فتزدهر وتزهو وتتطوّر...

إلا أنّ ما يعنينا في الأمر أن نعرفَ نوعية "الجراثيم" التي تتعرض لها المجتمعات؛ فتهدم مدينتها، وتفتك بموقومات نهضتها، وتأتي على أعمدة حضارتها وسيادتها...

ولنفترض أننا أخذنا "خزعة" من جسد مجتمعنا، فأدخلناها إلى المختبر، وحلّلنا عناصرها، لاستكشاف مكوّنات القوة والضعف فيها، فماذا تتوقعون أن تكون نتيحة التحليل؟!

ها هي النتيجة، فلنقرأها بتمعُّن وتركيز (وقد ذكر هذه العبارة أحدُ الباحثين "التاريخيين- التربويين" في معرض دراسته حول ظاهرة استعادةِ القدس على يد جيل شديد الصَولة والجولة، ظهر بعد زمان من الركود والغفلة):

(إنّ صحة المجتمعات ومرضها أساسهما صحة الفكر أو مرضه، وكل مجتمع يتكون من ثلاثة عناصر: الأفكار والأشخاص والأشياء، وترتبط هذه المكونات بعلاقةٍ ما، وحسب نوع هذه العلاقة تتكون شبكة العلاقات الاجتماعية، ويتشكّل محور الولاءات ويتحدّد منهج الفهم والتفكير، ويترتب سلّم القيم...

أجل هي معادلة سهلة التركيب، صعبة الترتيب:

مجتمع= أفكار+ أشخاص+ أشياء.

وبالقياس عليها، يتّضح لنا أن ما نعاني منه اليوم سببه أننا جعلنا عالم أشيائنا محور حياتنا، فأخذَت منّا كلّ رعايتنا، حتى صارت ولاءات الكثيرين تدور في فلكِ "أي شيء" يؤمن الراحة والرفاهية والنّعيم!!

وفي أحسنِ الأحوال تتشكّل سلّة القيم بإيعاز من أشخاص شعارهم في الحياة: "الحقّ يُعرف بالرجال"؛ للدلالة على أحقّيتهم في تحديد وجهة الحق، لا العكس...

وفي تلك الحالات، يبقى الواجبُ علينا –حرصاً على سلامة مجتمعاتنا- أن نحبك شبكة مفاهيم متينة، تربط بين تلك المكونات على الأسس الآتية:

1-  أن تكونَ "أفكارنا" مستوحاة" من كتاب خالقنا وهَدْي نبينا، وأن تحوز على المركزية في تكوين شبكتنا، والمرجعية في تقييم أشخاصنا، والأولوية في سُلّم اهتماماتنا...

2-  كلُّ مَنْ يجسِّدُ البند الأول، فهو حتماً داخلٌ ضمن دائرة "أشخاصنا" الذين يصنعون نجاحنا، ويقوّمون مناعتنا، ويستحقون ولاءنا..

3-  "أشياؤنا": أدواتٌ في أيدينا لا محلّ لها في قلوبنا. نستخدمها لتخدم مسيرتنا، ونستثمرها لنسّرع خطواتنا، ونأخذ بالجديد منها لندعم مشروعنا...

4-  فهلا أعدتم النظر –شبابنا- في "معادلة المجتمع" وحافظتم على توازنها وصحتها؟!

                

*من زاوية "وغدا نلتقي" – مجلة غدي الشبابية – لبنان.