تاريخية القوة بين الواقع الإنساني والعلاقات الدولية
تاريخية القوة
بين الواقع الإنساني والعلاقات الدولية
شنكاو هشام
إن القوة ظاهرة طبيعية لازمت البشرية منذ وجودها على هذه الأرض ولقد استخدمها الإنسان في كافة مراحل تطوره لغاية أساسية ألا وهي الحفاظ على البقاء لتحسين أحواله المعاشية.
وهكذا وبتطور الإنسان اجتماعيا استطاع أن ينظم نفسه وكل علاقته مع جل الجماعات التي تعيش معه بشكل يؤمن له تحقيق حاجياته وذلك بالاعتماد على القوة المتوفرة لديه، وذلك من أجل الدفاع عنها وبالتزامن مع ذلك لازالت المسيرة التاريخية للبشرية التي تعاني من ممارسات مشؤومة تتحلى فيها استخدامات للقوة في العلاقات الدولية بحيث تضررت في عواقبها المأساوية. ولقد ارتبط أيضا مفهوم استخدام القوة بمفهوم المصالح القومية والحفاظ عليها منذ القدم كما أن الدولة مازالت تبنى مواقفها استنادا إلى ما تملكه من مصادر القوة سواء كانت ثابتة أو غير ثابتة كالموقع الجغرافي والموارد الكامنة أو كانت متغيرة كالقدرات الذاتية لشعوبها وقوتها المسلحة.
ولقد تطور شكل استخدام هذه القوة بشكل مباشر وصريح وخصوصا القوة العسكرية، إلى استخدام غير مباشر للقوة بشكل التهديد مثلا أو الضغوط بكافة أشكالها والتي تسمى عادة بوسائل الإكراه مثلا والتي لا تصل إلى حد الحرب، ولقد بدل المجتمع الدولي جهودا عظيمة في سبيل تنظيم وتحديد منع استخدام القوة وكانت هذه الجهود تتناسب فرديا مع التقدم الحضاري الذي تحققه البشرية وكلما زاد هذا التقدم زادت الجهود في ذلك السبيل ولعل هذا السبب في ذلك هو توصل العالم المتحضر إلى أسلحة أشد فتكا وتدميرا بشكل متزايد ومتطور بتطور الحضارة من ناحية ومن ناحية أخرى لأن ظاهرة اللجوء إلى القوة تمتاز بها عادة المجتمعات الأقل تحضرا بينما تلجئ المجتمعات المتحضرة إلى العقل والحكمة في جل معضلاتها.
وعلى الرغم من كافة الجهود التي بدلت سواء كانت نظرية جاءت بها الأديان والثقافات والإيدلوجيات المختلفة أو عملية تمثلت في المعاهدات والاتفاقات والمواثيق المنظمات الدولية فلم يتوصل المجتمع الدولي حتى الآن إلى القضاء على ظاهرة الحروب واستخدام القوة بل أخذت الدول تتفنن في إيجاد المبررات القانونية والمنطقية والأخلاقية لتجبير لجوءها لاستخدام القوة.
وحيث أن الطبيعة البشرية والحاجات العملية للحياة السياسية المعاصرة لا تسمح بنبد تام لاستخدام القوة وذلك لعدم وجود ضمان دولي لحد الآن يردع المعتدي ويعاقبه ويستخلص للمظلوم حقه فيبدو أن مقولة الحق للقوة مازالت صالحة في كثير من الأحوال ليس بمفهوم الاعتداء والعدوان وإنما بمفهوم المحافظة على الحقوق والدفاع عن النفس من قبل الدول فالدول الضعيفة لا يمكن أن تدافع عن نفسها وتحافظ على حقوقها وسيادتها واستقلالها في هذا العالم المتناقض الذي يحافظ على السلام باللجوء إلى الردع المتبادل لمنع وقوع الحرب.