النظام الاجتماعي الفلسطيني
النظام الاجتماعي الفلسطيني
بين الولاء القبَلي والولاء الوطني
د. عصام مرتجى- غزة
إن أي ثورة قامت عبر التاريخ، إنما حدثت من خلال تحرك الشعب بقيادة نخبة وطلائع لتغيير واقع وتحقيق طموحات الشعب وتطلعاته . والثورة دوما تحدث تغييرا في المجتمع وحاله ويمتد هذا التغيير لينظم الحياة السياسية بالشكل المرجو والمطلوب، وهذا يلقي بظلاله على النظام الاجتماعي بشكل عام.
فمن المعروف أن أساس الاستقرار السياسي هو استقرار النظام الاجتماعي. ولذا عنيت الثورات المختلفة بوضع فلسفات وتصورات وأسس جديدة للنظام الاجتماعي في المجتمعات التي حدث فيها ثورات أو انقلابات. وظل بناء الأسرة والمجتمع هو أساس التغيير والتقدم أو الانحطاط لهذه المجتمعات.
وفي النظم الاجتماعية في العصر الحديث، وبعد الثورات التي حدثت في الغرب أو في الشرق، تم تفكيك النظام الاجتماعي القبلي، وصار الولاء المطلق للدولة. ولم يأتي هذا الولاء فطريا، ولكنه كان من ضمن قوانين شرعتها وطبقتها الدولة من خلال أنظمتها ومؤسساتها الرسمية، التشريعية والتنفيذية .
ومن هنا جاء تماسك هذه الدول وصعوبة تفكك المجتمع، لأن المجتمع بعنصره الأصغر، وهو الفرد، كان ولاؤه المطلق والإجباري هو للدولة. صحيح أن المجتمعات الغربية وكثير من المجتمعات الشرقية شهدت انهيارا وانحلالا أخلاقيا بتفكيك الأسرة وعدم وجود سلطة أبوية على الفرد، لكن الفرد ظل ملتزما بالنظام العام الذي ترتضيه الدولة.
ومن هنا جاء الفارق بين تماسك المجتمعات "المتحضرة" وتقدمها، وتفكك المجتمعات العربية وانقلاباتها وانقساماتها وتفسخها وتأخرها. فمعظم المجتمعات العربية ومنذ عهد عدنان وقحطان ، حتى يومنا هذا ظلت محكومة بالقبلية !!
وقد كانت، ولا زالت ، القبلية هي بوابة الأعداء الواسعة لهدم المجتمع وتفسخه ، وهذا ما نراه يحدث في اليمن والسودان وأفغانستان وكثير من دول الشرق المحكومة للقبلية المتأصلة في نظامها الاجتماعي.
والكارثة أن أغلب الدول العربية تعتمد على النظام القبلي وتشتري من القبائل الولاء السياسي، وهذا يظل كالقنبلة الموقوتة التي قد تقع في أيدي الأعداء فيفجروا المجتمع بشراء زمم زعماء القبائل في لحظة ضعف ووهن أو غفلة النظام السياسي!!!
قد يرى البعض أن القبلية شيء محمود وأن القبيلة في النهاية تصب في النظام العام، وهذا ما لا يتعارض مع الديانات أو مع الإسلام، كما يزعمون !!!؟؟
وهذا ليس صحيحا، فالإسلام جاء ليلغي القبلية، ويحرم الولاء للعشيرة أو القبيلة أو لأي كيان أو مجتمع أصغر من الكيان أو المجتمع العام.
فهذه النظرة القبلية و والولاء للعشيرة أو القبيلة عبَّر عنها أبو سفيان عند فتح مكة، حين وقف ينظر إلى جيوش الإسلام يوم الفتح الأكبر، ويقول للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : ((والله يا أبا الفضل؛ لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً)) ، فأوجز له العباس رضي الله عنه قصة الثورة التي أحدثها الإسلام و التغير في النظام الاجتماعي ، وتحويل ولاء الناس من الولاء للبداوة أو العشيرة أو القبلية أو الملك إلى الولاء للمجتمع المسلم عامة فقال : إنها النبوة يا أبا سفيان.!!!.
والأنبياء لا يورثون ، ولكن تورث شريعتهم التي هي منهاج المجتمع وقانونه لمن يخلفهم، وليست حكما وملكا لمن يرثهم !!
اليوم لو نظرنا إلى مجتمعنا الفلسطيني، لوجدنا القبلية تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة، وهي أساس الفساد السياسي والاجتماعي.
فالولاء القبلي هو الذي يقوي سلطة القانون في وقت من الأوقات وهو الذي يسبب انهيار المجتمع وانقسامه و اجتياز وخرق القانون في كثير من الأوقات.
وقوة شخصية معينة من قبيلة معينة قد تدعم فصيل وقد تسبب في تأزم هذا الفصيل إن هذه الشخصية غير ولاءها !!!
هذا الولاء القبلي الذي يعيدنا للعصور الحجرية ويدمر مجتمعنا ، وهو الذي سبب الانقسامات وزاد الانشقاقات، ما كان ليحدث لو اِتُخِذَت خطوات عملية من قبل الجهات المشرعة والقانونية ، لإنهاء وجود القبيلة في مجتمعنا الفلسطيني .
ولكن على العكس وجدنا أن هناك هيئات ومؤسسات رسمية تنظم عمل القبائل والعشائر وتتعامل مع رموزها "المخاتير" بشكل وصفة قانونية.!! وتمنح "المخاتير" صكوكا وأختاما رسمية، ومنح شهرية. ولهم مشروعية تواقيعهم وأختامهم ،بدءا من "مزبطة" الزواج و"حصر الإرث" حتى قضايا الدم والأرواح !!!؟؟
قد يبدو أن هذا جهدا طيبا ومباركا للسلطة بتنظيم عمل القبائل، وقد يكون "الوجهاء" و"المخاتير" مشكورين على هذا العمل النبيل.......... لكن ليس هذا هو الوضع الذي يليق بمجتمع فلسطيني موحد ومتماسك ومتحضر، يتم بناؤه بعد ثورة استمرت عقود ولا زالت !!!
الأولى أن تُتَخذ خطوات رسمية، تشريعية و قانونية وتنفيذية، لإلغاء مظاهر القبلية من المجتمع الفلسطيني، وإجبار الفرد والأسرة الفلسطينية أن يكون ولاؤهما للمجتمع الفلسطيني العام الذي تمثله سلطة القانون العام.
يجب أن يكون الرقم الوطني للمواطن وفلسطينيته في بطاقته الشخصية هو أهم وأرقى من اسم حمولته وعشيرته !!! ومن هنا يأتي تفكيك التكتلات العائلية السكنية و الفصائلية والحزبية .......الخ
ولذا يجب شطب القبلية من قوانين السلطة و الدولة ومن الأحزاب والكتل والجامعات والمدارس...... ومن الواقع وحتى من البطاقة الشخصية.
في الختام أقول، بأنه لولا القبيلة ما كانت دماء بين داحس والغبراء، وما كانت دماء وعداء بين أوس وخزرج ، ولولاها ما كان انقسام مجتمعاتنا ........... وكما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ".