واجب الأمة نحو القرآن الكريم

رضوان سلمان حمدان

واجب الأمة نحو القرآن الكريم

رضوان سلمان حمدان

[email protected]

إن القرآن الكريم هو الدستور الجامع لأحكام الإسلام، وهو المنبع الذي يفيض بالخير والحكمة على القلوب المؤمنة، وهو أفضل ما يتقرب به المتعبدون إلى الله تبارك وتعالى.

عن ابن مسعود- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا القرآن مأدبة الله، فأقبلوا على مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمةٌ لمَن اعتصم به، ونجاة لمن اتبعه.." (رواه الحاكم).

لقد جمع القرآن الكريم أصول العقائد، وأوامر العبادات، وأسس المصالح الاجتماعية, وكليات الشرائع الدنيوية, فيه أوامر وفيه نواهٍ, وكلها لمصلحة البشرية دون تفرقةٍ بدين أو لون أو جنس أو طبقة أو لسان.

واجب المسلمين نحو القرآن الكريم

يوضح الإمام البنا- رحمه الله- واجب المسلمين نحو القرآن الكريم فيقول: "وأعتقد أن أهم ما يجب على الأمة الإسلامية حيال القرآن الكريم ثلاثة مقاصد:

أولها: الإكثار من تلاوته، والتعبُّد بقراءته، والتقرُّب إلى الله تبارك وتعالى به.

وثانيها: جعله مصدرًا لأحكام الدين وشرائعه، منه تُؤخذ وتُستنبط وتُستقى وتُتعلم.

وثالثها: جعله أساسًا لأحكام الدنيا منه تُستمد وعلى مواده الحكيمة تُطبَّق.

لقد كان القرآن الكريم فيما مضى زينة الصلوات فأصبح اليوم زينة الحفلات، وكان قسطاس العدالة في المحاكم فصار سلوة العابثين في المواسم، وكان واسطة العقد في الخطب والعظات فصار واسطة العقد في الحلي والتميمات.." . 

القرآن الكريم محفوظ في الصدور والسطور والعمل

قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9).. أنزل الله القرآن الكريم ليكون آخر الكتب المنزلة من السماء؛ لهداية البشرية إلى قيام الساعة، ومن ثَمَّ تعهَّد بحفظه، وتولَّى سبحانه صيانته، فلم يزل محفوظًا مصونًا من التحريف ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)﴾ (فصلت).. وهذه واقعة تكشف هذا الحفظ، فعن يحيى بن أكثم قال: كان للمأمون مجلس نظر، فدخل في جملة الناس رجل يهودي، فتكلَّم فأحسن الكلام، قال: فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون فقال له: إسرائيلي؟ قال نعم. قال له: أسلم حتى أفعل بك وأصنع، ووعده. فقال: ديني ودين آبائي! وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مسلمًا، قال: فتكلَّم على الفقه فأحسن الكلام؛ فلما تقوَّض المجلس دعاه المأمون وقال: ألستَ صاحبنا بالأمس؟ قال له: بلى. قال: فما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفتُ من حضرتك فأحببتُ أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخط، فعمدتُ إلى التوراة فكتبتُ ثلاث نسخ فزدتُ فيها ونقصت، وأدخلتها الكنيسة فاشتُريت مني، وعمدتُ إلى الإنجيل فكتبتُ ثلاث نسخ فزدتُ فيها ونقصت، وأدخلتها البيعة فاشتُريت مني، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدتُ فيها ونقصت، وأدخلتها الوراقين فتصفحوها، فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها؛ فعلمتُ أن هذا كتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.

وحفظ القرآن الكريم يكون في ثلاث صور:

1- الحفظ في الصدور وهذا هو الأصل، ويتم بالتلقي مشافهةً، فقد قرأه أمين الوحي جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابة رضوان الله عليهم، وتلقاه التابعون عن الصحابة، وهكذا سلسلة متصلة إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة. 

2- الحفظ في السطور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حين تنزل الآية أو الآيات يأمر كُتَّاب الوحي بأن يكتبوها في مكانها من السورة، وظلت صحائف موزعة إلى أن جمعها أبو بكر- رضي الله عنه- في مكانٍ واحد، ثم جاء عثمان رضي الله عنه من بعد ذلك فنسخ منها نسخًا ووزعها على الأقاليم.

3- الحفظ بالعمل: وذلك بأن يظل القرآن الكريم منهج حياة المسلم كفرد في نفسه وأسرته يطبق أحكامه يحل حلاله ويحرم حرامه، ويتأدب بآدابه وأخلاقه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم فقد سُئلت السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن خلق رسول صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَىَ. قَالَتْ: "فَإِنّ خُلُقَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ" (صحيح مسلم).

ومن حفظ العمل على مستوى الدولة التي دينها الإسلام أن يكون أساس دستورها ومصدر تشريعها الأول، وميزان عدالتها في المحاكم، وأن يكون من ثوابت المناهج الدراسية في كل مراحل التعليم.

كما يجب عليها أن تعلم أن كل مادة في الدستور لا يسيغها الإسلام، ولا تُجيزها أحكامه يجب أن تُحذف منه، حتى لا يظهر التناقض في القانون الأساس للدولة.