الاستشراق والسياسة والحوار
الاستشراق والسياسة والحوار
محمد هيثم عياش
تعتبر المانيا رائدة علوم الاستشراق وخاصة مادتي العربية والاسلام في اوروبا ، وهذا العلم لم يقتصر على المادتين المذكورتين بل يشمل الاستشراق علوم حضارات الشرق الآسيوي اي لغات الصين واليابان والهند والديانات السائدة في تلك المناطق مثل البوذية والهندكية / الهندوس / الا أن علوم الاسلام والعربية والفارسية والاوردية تعتبر السائدة في هذا العلم ولولا جهود المستشرقين منذ الحروب الصليبية لتعريف الغرب بالاسلام والعرب لبقيت اوروبا تعيش في ظلام العصور الوسطى التي انتهت باكتشاف القارة الامريكية ولولا علم الاستشراق لما كان هناك الدعوة لتطوير اوروبا اقتصاديا وتقنيا اضافة الى ان الاستشراق كان وراء الدعوة الى الحوار بين الثقافات والاديان وضبط النفس وعدم التهور بوقوع حرب بين الشعوب .
هذا ما أشارت اليه سكرتيرة الدولة في وزارة التعليم العالي والبحوث العلمية والعملية هيلجا براون اثناء افتتاحها اليوم مؤتمر المستشرقين الالمان والاوروبيين الواحد والثلاثين الذي عقد في الفترة ما بين 30 أيلول/ سبتمبر وحتى يوم الاثنين من 4 تشرين اول / اكتوبر الحالي بجامعة مدينة ماربورج التي تعتبر من بين اقدم الجامعات الالمانية يعود تاريخ تاسيسها الى عام 1527 كأول جامعة في ولاية هيسين ويعتبر معهد علوم الاسلام والعربية والعبرية فيها ثالث اقدم معهد بعد جامعتي هايديلبيرج ولايبتسيغ .
وأعلنت براون ان الغرب مديون للمسلمين لما قدموه من علوم شملت جميع نواحي الحياة من الطب والرياضيات الى علوم الفلك والاحياء كما ان الغرب والمسلمين مديونين للمستشرقين الذين بذلوا جهودهم لتعريف الغرب بالاسلام بشكل اكثر من ذي قبل وقيامهم بتحقيق وطباعة ونشر المخطوطات العربية والفارسية والعبرية التي كانت موجودة في الجامعات الالمانية بعد ان تم سرقتها او الاستيلاء عليها اثناء الحروب الصليبية والاستعمارين الفرنسي والانجليزي في بلاد العالم الاسلامي وما احضره الجيش الالماني من كنوز امهات الكتب عندما كان الجيش الالماني اثناء الحرب العالمية الاولى في بلاد الشام ومصر والمخطوطات التي كانت عبارة عن هدية للقياصرة الالمان من قبل بعض حكام العالم الاسلامي مؤكدة ان وزارتها تضع دعم معاهد علوم الاسلام واللغات الجامعة نصب عينيها لما لهذه المعاهد اهمية في الحوار وعلوم المعرفة .
رئيس شئون الحوار الثقافي والديني في مجلس الشورى الاوروبي اندريه فاينجارتين رأى بكلمة القاها امام حوالي الف عالم من علوم الاستشراق والسياسة ضرورة مشاركة الاستشراق في الحوار بين الاديان السماوية الاسلام والمسيحية وليهودية لمعرفتهم بكيفية ادارة الحوار، صحيح ان بعض المستشرقين لهم افتراءات على الاسلام وكانوا وراء تحريض الغرب على استعمار بعض شعوب العالم الاسلامي وغيرهم من الشعوب وبالتالي تشجيع حركة التبشير بالمسيحية بين المسلمين وغير المسلمين الا أن ذلك لا يعني رفض مشاركتهم في الحوار اذ ان اي حوار يجري بين المتخاصمين مشيرا ان مجلس الشورى الاوربي الذ يضم جميع الدول الاوربية وله شراكة استراتيجية ثقافية مع الدول الاسلامية وخاصة منطقة الخليج العربي يرجع في علاقته مع هذه الدول الى علوم المستشرقين التي وضعوها حول الاسلام بشكل أساسي ويقوم بين الحين والآخر بتحقيق بعض مفتريات المستشرقين حول الدين الاسلامي ويقوم بتصحيحها من اجل التعايش السلمي بين الشعوب وبالتالي وضع حد للدعوات التي تجعو الى حروب صليبية جديدة فحوادث 11 ايلول/ سبتمبر من عام 2001 وبروز المعادين للاسلام في اوروبا يجب وضع حد لها عبر الحوار .
ومن المواضيع التي ستناقش في هذا المؤتمر الذي يستمر حتى يوم الجمعة من 24 سبتمبر الجاري وبالتحديد هذا اليوم ويوم غد الثلاثاء الشرق الاوسط والنزاع فيه وافغانستان وايران وآراء المستشرقين في عصرنا اضافة الى خبراء المنطقة كيفية انهاء هذه المشاكل والنزاعات ، اذ يعتقد استاذ علوم الاسلام والعربية في جامعة مدينة فرايبورج وعضو جمعية المستشرقين الالمان ينس بيتر لاوت ان الشرق الاوسط على حافة حرب حقيقية تقع بين الدول العربية والكيان الصهيوني نتيجة قيام الصهاينة بتهويد فلسطين اضافة الى محاصرة قطاع غزة والوضع المتأزم في جنوب لبنان الى جانب خلاف الغرب مع ايران وان اي طلقة رصاص تطلق من قبل امريكا او جيش الكيان لصهيوني ضد ايران فانها ستنطلق ضد جميع شعوب المنطقة بالرغم من خلافات بعض حكومات تلك المنطقة مع طهران ولا يمكن الحيلولة دون وقوع مثل هذه الحرب التي ستعود اضرارها على الغرب الا ان بالحوار والرزية مشيرا ان المسلمين يعتقدون من خلال حديث شريف / ستصالحون اهل الكتاب – وفي رواية الروم - وتقاتلون عدوا من وراءكم فيقول اهل الكتاب غلبنا بالصليب والمسيح بينما يقوم المسلمون بأن الغلبة كانت للاسلام فعند ذلك تقع الحرب من جديد بينهما / لا بد أن يقع وعلى الغرب وضع حد لصلابته تجاه ايران .
هذا واعتبر خبراء الشرق الاوسط والاسلام في المؤتمر أزمة المنطقة المذكورة لب الصراعات في العالم وانه لا يمكن ايجاد حل لمشاكلها دون العودة الى الأسس الرئيسية اسبابها المباشرة وغير المباشرة لهذه الازمة التي تعود الى عصر قيام الحركة الصهيونية في بازل / سويسرا / عام 1899 جراء وعد وزير خارجية بريطانيا بلفور اليهود باعطاءهم فلسطين وطنيا قوميا لهم ومساعي اليهود لدى دولة الخلافة العثمانية شراء فلسطين مقابل انقاذ الدولة العثمانية التي كانت تعاني من ديون مالية كبيرة ورفض السلطان عبد الحميد الثاني هذه العروض الذي دفع ثمن رفضه عزله من الخلافة . وأوضح خبير شئون الشرق الاوسط رئيس معهد الشرق العربي الالماني سابقا في هامبورج ادود شتاينباخ ان الاستشراق العلمي يستطيع مساعدة السياسة لانهاء النزاع في الشرق الاوسط لخبرة المستشرقين في المنطقة وبالتالي خبرتهم بتاريخ العلاقات الاوروبية الاسلامية اكثر من غيرهم من خبراء المنطقة المذكورة اضافة الى تاريخ اليهود في اوروبا الذي كان وراء تعرضهم للاضطهاد وكان وراء وعود بلفور وما بعده من وعود مكماهون لشريف مكة حسين بن علي وقيام دولة الاردن وغيرها الذي أدى الى تقسيم بلاد الشام . واعلن شتايبناخ ان انهاء النزاع في المنطقة المذكورة يكمن باعطاء الحقوق العادلة لشعوبها وخاصة الشعب الفلسطيني الذي يعتبر شعب فلسطين الحقيقي وبالتالي فان اليهود الذي يتحدث تاريخهم عن دولة سابقة لهم كانت موجودة في ارض تلك المنطقة يجب العودة الى اصل ذلك بشكل علمي وواقعي ، فالقدس كانت دائما وراء أطماع جميع الشعوب منذ فجر تاريخ الانسانية الى وقتنا وعلى أوروبا ان تعيد سياستها في المنطقة وتبذل جهودها لانهاء النزاع بالتعاون مع واقع العلم اكثر من ركونها الى آراء سياسيي تلك المنطقة اضافة الى ركونها لسياسة واشنطن وجهودها لاحلال السلام في المنطقة .
سفير المانيا السابق في الباكستان والكويت وسوريا جونتر مولاخ / مستشرق مغمور / رأى بأن الحوار لانهاء النزاع واحلال السلام في الشرق الاوسط وافغانستان وانهاء نزاع الغرب مع ايران يكمن بمشاركة ذوي الخبرة بالدين الاسلامي وخبراء تقاليد شعوب تلك الدول اضافة الى ضرورة تعيين سفراء لاوروبا في الدول العربية والاسلامية يجيدون لغة شعوب تلك الدول وتعيين الدول العربية الاسلامية سفراء لها في الغرب يجيدون لغات اوروبا وعلى خبرة لا بأس بها في تقليد الشعوب الاوروبية اذ ستساهم هذه السياسة بوضع آراء لاحلال السلام في الشرق الاوسط والدول الاخرى مثل افغانستان وغيرها .
عضو شئون السياسة الخارجية بالبرلمان الالماني وزير الدولة السابق بوزارة الخارجية جونتر جلوسر رأى ضرورة بأن ضرورة مشاركة الاستشراق بكل مؤتمر سياسي دولي استراتيجي يعقد من اجل السلام في الشرق الاوسط منتقد ساسة الغرب والعرب والمسلمين على حد سواء باستبعادهم خبراء الاسلام والعربية وغيرها من اللغات الفارسية والاردية المشاركة مع الساسة بطرح أفكار وبدائل لانهاء الصراع في العالم الاسلامي ، فالشرق الاوسط منبع الحضارات والاديان ولا أحد يستطيع أن ينكر فضل المسلمين على الغرب بنهضتهم كما أنه لا أحد يستطيع أن ينكر مسئولية الغرب بعدم وجود استقرار سياسي وامني في المنطقة جراء النزاع القائم فيها على حد أقوالهم .