كهرُبيّة الشِّعر

أنمار محمد محاسنة

أنمار محمد محاسنة *

[email protected]

 إن مَثَلَ القصيدة الشعرية في تماسك مفرداتها ومعانيها كمَثَلِ الدارة الكهرُبيّة التي صُمِّمَتْ فأُبدِع تصميمها، بل أن القصيدة دارةٌ كهربيّة متكاملة في حدّ ذاتها، وكل جزءٍ في القصيدة له ما يقابله في الدارة الكهرُبيّة، والعكس صحيح.

 إذا قرأت القصيدة وجدتها تتكون من كلماتٍ لكلٍّ منها وظيفتها المخصصة وقوتها التي تميزها عن غيرها من حيث الشدّة واللين، وهذا يشبه مكونات الدارة من مقاومات ومواسعات وملفات وغيرها، وكما أن لكل مكوّنٍ قيمته الكهرُبيّة المصممة له، بحيث أن أي زيادةٍ أو نقصان سوف يغيّر وظيفة الدارة أو يلغي عملها كليّاً، وكذلك الكلمات في القصيدة يجب أن تكون مصمّمة حتى تأتي المعنى المطلوب دون إقلالٍ أو مبالغة، وتقنع المتلقي أن لا كلمةً قادرةٌ أن تحلَّ محلّها، وبهذا الشكل يكون تصميم المبدع.

 القصيدة ليست مفرداتٌ فقط، وإنما هي مشاعرُ وعواطفُ تتركها الكلمات في نفس المتلقي وهذا هو التيـّار الشعري الذي يشحن بواسطة الكلمات، وكما أن التيـّار الكهرُبي يشحن بواسطة الإلكترونات، فالإلكترونات في القصيدة هي الأحرف التي تكون الكلمة، وهي الوحدة الأساسية في القصيدة، وكما أن حركة الإلكترونات تولّد تيـّاراً قويـّاً أو ضعيفاً حسب سرعة انتقالها، أيضاً الأحرف تولد تيارات شعرية في نفس المتلقي عن طريق لعبة البديع في الجناس والطباق والتورية وغيرها من الأشكال.

 كلـّما كانت القصيدة متماسكةً في أبياتها، والأبيات متماسكة في كلماتها، والكلمات متماسكة في أحرفها، حتى تجد أن الحرف الأول موصولٌ بالحرف الأخير من القصيدة، وأن أي خللٍ في حرفٍ من حروف القصيدة يسبب عُطلاً – شعرياً – في وظيفتها، وفي هذه الحالة نسمي القصيدة قصيدة شعريّة متكاملة صمّمها مهندسٌ - شعريٌّ - مبدع مثلما صمّم الدارة الكهربيّة المتكاملة مهندس – كهرُبيٌّ – مبدع.

 وكما نجد في الهندسة الكهرُبيّة أن الجانب العملي ليس كالجانب النظري من حيث دقة التصميم الحساب، فهناك أخطاءٌ من مصادر كثيرة، أيضاً نجد ذلك جليـّـاً في تصميم القصيدة الشعريـّـة كبنيةٍ واحدة، فهنالك أخطاءٌ على مختلف المستويات، منها سهل التجاوز، ومن ما يمس المعنى الدقيق للقصيدة الذي يصعب تحديده وتصحيحه.

 في النهاية فإنة القصيدة الشعرية تحتاج إلى مهندسٍ بارعٍ مبدعٍ في تصميم المفردة وفقاً للمعنى، ويوازي ما بين فروق الجهد في طيـّـات القصيدة حتى يولّد -لدى المتلقي – أكبر تيارٍ ممكنٍ من المشاعر يجعله يتفاعل مع القصيدة، فيزيد الجهد متى كان ذلك مناسباً، ويكون قادراً على إيقافه نهائياً في ختام القصيدة.

               

    *هندسة اتصالات