عصام تليمة
إنكار الردة في زمن الردة
محمود طرشوبي
هناك ظاهرة، تتكرر كل حين، في شكل موجات عاتية من الهجوم على ثوابت هذه الأمة وعقائدها ومناهجها، وهي موجات وهجمات تتحد في غاياتها، وإن كانت تختلف في أساليبها وفي أدواتها ورموزها... أخطر وأسوأ مظاهر هذا الهجوم على الدين، وهو ما يجري على ألسنة أدعياء الثقافة والعلم والأدب بخصوص حكم الردة في الإسلام , وفي الآونة الأخيرة تطاول شرذمة من السفهاء على هذه الشريعة، فوصفوا الأحكام الشرعية المترتبة على المرتد بأنها استبداد وقسوة ومناقضة للحرية الفكرية... فقام من يرد ذلك الإفك بضعف وتأوّل متكلف وانهزامية ظاهرة (فلا الإسلامَ نصروا ولا (السفهاء) كسروا .
إن الفوضى الفكرية التي يعيشها العالم المعاصر، والاضطراب الهائل في المفاهيم، والتناقض المكشوف في المعتقدات والمبادئ كان سبباً في الإخلال بالثوابت والتمرد على الدين والأخلاق.
لقد وجد الانسلاخ من الدين في العالم الغربي، والخروج عما استقر في الفطرة السليمة والعقول الصحيحة، وأجلب أعداء الله تعالى بخيلهم ورجلهم، وسعوا إلى بث هذا الانحراف في بلاد المسلمين، وجاء أقوام من هذه الأمة يتتبعون مسلك أولئك المنتكسين حذو القذة بالقذة.
فلا عجب أن تظهر الحداثة مثلاً في بلاد المسلمين، بعد أن ظهرت في العالم الغربي، والتي تنادي برفض ما هو قديم وثابت، بما في ذلك المعتقدات والأخلاق وتغيير المسلّمات والحقائق الثابتة، وضرورة التحول والتطور من الأفكار القديمة إلى مواقف مستنيرة.
ثم (تؤصل) هذه الردة، وتقصّد، وتنشر في الآفاق عبر ملاحق أدبية، ومجلات متخصصة، ومن خلال محاضرات وندوات .
في حواره مع موقع الشروق الشيخ عصام تليمة، الباحث الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، يوم الإربعاء 22/9/2010 , و في معرض مناقشته حول الفتنة الدائرة الآن في مصر بين المسلمين والمسحيين قال " لأن الإنسان يجب أن يحدد بكامل إرادته أي دين يريده، والوصاية الدينية والسياسية مرفوضة أيا كانت أسبابها. كما أن حكم المرتد الموجود في الفقه الإسلامي مرتبط بحروب الردة، والتي حدثت نتيجة خروج هؤلاء الناس على نظام الدولة ومنعهم الزكاة، أو مرتبط بتغيير الولاء، وهو ما نسميه في أيامنا هذه قضايا أمن الدولة أو الخيانة العظمي، وليس تغيير الدين، أما إذا غيّر الإنسان دينه فهذا حقه بإطلاق" كلام إذا سمعته من واحد من المستشرقين الغربيين أو العلمانيين العرب لم تتعجب , و لكن أن تسمعه من واحد أطلق عليه لقب شيخ و عضو في منظمة إسلامية فهذا من علامات الساعة التي بدأت تباشيرها في الظهور , إن الطعن في الثوابت أصبحت شيمة المتطلعين لخدمة أعداء الإسلام و لا يهمهم إلا الظهور علي شاشة التلفزيون و صفحات الصحف .
إن الدين ليس لعبة يلهو بها اليوم مسلم و غداً مسيحي ثم اعود ثانياً , إن الإسلام عزيز أعز من أن يلعب بها , و إن كان حدث ارتداد لبعض الناس في بداية الدعوة و تركهم النبي صلي الله عليه فإن ذلك لظروف الدعوة في البداية , و لكن التاريخ الإسلامي كله يشهد بتطبيق حد الردة علي كثير من الناس و التي ثبت في حقها حكم الردة . إن الإستشهاد بأية الإكراه كدليل علي بطلان الحكم فهذا فهم لم يقل به علماء المسلمين المعتبرين , فالأية حددت إختيار الدين إبتدإ و لكن بعد الدخول في الدين عن قناعة فلا يجب بعد ذلك ترك الدين و إعتنق غيره هذا هو حكم الله في المسألة و لن نستطيع نحن الآن و نتيجة للهزيمة الفكرية و النفسية أن ننكر حد طبقه المسلمبن طيله عهود الدولة الإسلامية , و ما يقوله الشيخ عن ارتباط حكم الردة بحروب الردة فهو كلام لا يرتقي الي درجة أن أرد عليه لأنه كلام كان يجب أن يمر علي العقل قبل أن يخرج من علي اللسان و لكنه خرج أثناء البحث عن مبرر لإلغاء الحد و لم يجد فجاء بإختراع جديد , فالله يحافظ دينه و هو خيرحافظاً من هؤلاء و من ولاهم .
يقول الشيخ (أما إذا غيّر الإنسان دينه فهذا حقه بإطلاق ) غير دينه أي ارتد و ليس أختار دين كما يريد أن يقول , و ساذكر لفضيلته حكم الردة كما ورد عند العلماء لا ليتذكر و لكن لكي يستتاب من كلامه و لكي يبدأ في تعلم الدين من جديد , و لآ اظن أحد من المسلمين يمانع في عودة الشيخ المفتون بالدنيا إلي بوتقة الإسلام لكي يدافع عن الدين و قضاياه بدلاً من أن يكون بوقاً لأهل الباطل .
إذا رجعنا إلى كتب الفقه، فإننا نجد أن الفقهاء في كل مذهب من المذاهب الأربعة يعقدون باباً مستقلاً للمرتد وأحكامه، ونورد فيما يلي أمثلة لتعريفاتهم للردة، أعاذنا الله منها.
ففي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي (ت587ه): (أما ركن الردة فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان؛ إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان) [7/134
ويقول (الصاوي) المالكي (ت 1241ه) في الشرح الصغير: الردة كفر مسلم بصريح من القول، أو قول يقتضي الكفر، أو فعل يتضمن الكفر [6/144].
وجاء في مغني المحتاج للشربيني الشافعي (ت: 977ه): (الردة هي قطع الإسلام بينة، أو فعل سواءً قاله استهزاء، أو عناداً، أو اعتقاداً [4/133].
ويقول البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: (المرتد شرعاً الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً أو اعتقاداً، أو شكاً، أو فعلاً)6/136
وبنظرة في هذه التعريفات نجد أن الردة رجوع عن الإيمان، فهي رجوع باعتبار المعنى اللغوي؛ فالمرتد هو الراجع، ومن قوله تعالى : ((وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)) المائدة: 21.
والردة رجوع عن الإيمان باعتبار المعنى الشرعي؛ فالشرع يخصص اللغة ويقيّدها، كما أن الردة هي قطع الإسلام؛ لأن الإسلام عقد وميثاق، وحبل الله المتين، فإذا ارتد الشخص فقد نقض العقد وقطع هذا الحبل.
والردة، كما ذكر البهوتي قد تكون نطقاً، أو اعتقاداً، أو شكاً، أو فعلاً، لكن يسوغ أن ندرج الشك ضمن الاعتقاد باعتبار أن الشك يكون في عمل القلب المتعلق بالاعتقاد.
ويمكن أن نخلص إلى أن الردة هي الرجوع عن الإسلام إما باعتقاد أو قول أو فعل، ولا يخفى أن هذا التعريف يقابل تعريف الإيمان بأنه: اعتقاد بالجنان وقول باللسان وعمل بالجوارح، وإذا قلنا: إن الإيمان قول وعمل كما في عبارات متقدمي أئمة السلف أي قول القلب وعمله، وقول اللسان، وعمل الجوارح، فإن الردة أيضاً قول وعمل، فقد تكون الردة قولاً قلبياً كتكذيب الله تعالى في خبره، أو اعتقاد أن خالقاً مع االله عز وجل ، وقد تكون عملاً قلبياً كبغض الله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو الاتباع والاستكبار عن اتباع الرسول، وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو الاستهزاء بدين الله تعالى ، وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف.
فإذا تقرر مفهوم الردة، فإن من تلبّس بشيء من تلك (النواقض) يكون مرتداً عن دين الإسلام، فيقتل بسيف الشرع؛ فالمبيح لدمه هو الكفر بعد الإيمان، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المقام: (فإنه لو لم يقتل ذلك [المرتد] لكان الداخل في الدين يخرج منه؛ فقتله حفظ لأهل الدين وللدين؛ فإن ذلك يمنع من النقص ويمنعهم من الخروج عنه) [الفتاوى 20/102) .
كما يقتل المرتد، فإنه لا يغسّل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يرث ولا يورث، بل يكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين كما هو مبسوط في موضعه
ومما يدل على مشروعية قتل المرتد ما أخرجه البخاري رحمه الله أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أُتى بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا لم أحرِّقهم لنهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تعذِّبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من بدّل دينه فاقتلوه.
والمراد من قول: (بدّل، دينه) أي بدل الإسلام بدين غيره؛ لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام، قال الله تعالى : ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)) آل عمران: 852
وقد التزم الصحابة رضي الله عنهم بهذا الحكم، فعندما زار معاذ بن جبل أخاه أبا موسى الأشعري رضي الله عنهما ، وكانا أميرين في اليمن، فإذا رجل موثق، فقال معاذ: ما هذا؟ قال أبو موسى: كان يهودياً، فأسلم ثم تهوّد، ثم قال: اجلس، فقال معاذ: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله (ثلاث مرات)، فأمر به فقتل.
وقد قام خلفاء وملوك الإسلام وفي عصور مختلفة بإقامة حكم الله تعالى في المرتدين تأسياً برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا يخفى موقف الصديق رضي الله عنه تجاه المرتدين وقتاله لهم، وسار على ذلك بقية الخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان.
واشتهر المهدي الخليفة العباسي بمتابعة الزنادقة المرتدين، حيث عيّن رجلاً يتولى أمور الزنادقة.
يقول ابن كثير في حوادث سنة 167ه: (وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه .
ويعدّ الحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم بسيف الشرع دون استتابة، يقول القاضي عياض: (وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله: أنا الحق مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته .
لم أقصد بهذا المقال الشيخ عصام تليمة تحديدًا و لكنه كان فرصة للرد علي جميع من تكلم في هذا الأمر , و أفتي به رضاء للغرب أو للشرق , أو للعلمانيين أو غيرهم من أصحاب النظريات و الأفكار ألتي لاتريد للإسلام خيراً .