سبعون عاما في حضن اللغة العربية 34

سبعون عاما في حضن اللغة العربية

الحلقة الرابعة والثلاثون

وأيضا في جامعة الملك فهد بالسعودية

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

تعرفت على أساتذة اللغة العربية والثقافة الإسلامية بكلية العلوم وكان رئيس القسم هو الدكتور محمد الملا . وبدأنا أنا وأم الأبناء نقوم بجولات في المناطق والبلاد المحيطة بالجامعة ، ومنها : الثقبة ، والخبر ، والدمام ، وكانت الدمام هي أكبر مدن هذه المدن .

مناهج التدريس في الكلية تعتمد على الأرقام ، فمثلا كنت أدرس منهج (400 ) المقرر في كتاب (  الأسلوب : دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية ، للأستاذ أحمد الشايب ) . وذلك في خمسة فصول دراسية ، وهناك منهج آخر عن حاضرالعالم الإسلامي  أدرسه في فصل واحد ، وهي المادة (466 ) .

والحمد لله غزر إنتاجي في هذه الفترة فمن كتبي :

1-  المدخل إلى القيم الإسلامية .

2-  المعارضة في الإسلام بين النظرية والتطبيق .

3-  أدب الرسائل في صدر الإسلام .

4-  صوت الإسلام في شعر حافظ إبراهيم .

5-  التراث الإنساني في شعر أمل دنقل .

6-  أدب الخلفاء الراشدين .

7-  الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود .

كما غزر إنتاجي الشعري فراسلت كثيرا من المجلات العربية .

كما أفدت إفادة غامرة من مقروءاتي مثل كتاب " التطوير بين الحقيقة والتضليل لجمال عبد الهادي وعلى أحمد لبن " . ومثل ديوان بدوي الجبل .

ومن أظرف الشخصيات التى التقيت بها في القسم الأخ الدكتور عبد الله المشوخي . وفيه كتبت " الملحمة المشوخية " وفيها أقول على لسانه :

أأضرب بالعصي وبالبواني

 

ويتركني ويجري الشيخ ناصرْ

تعاهدنا بأن نمشي سويًّا

 

جميعًا في المكاسب والمخاسرْ

 

وأن نمضي إلى الكبش المفَدَّى

 

ونحمل للجميع شذا البشائر

 

ونطعم منه إخوتنا جميعًا

 

ونسلم من لسانِ أخيَّ جابر

 

فلما ناصرٌ شم البواني

 

 

على وجهي ومالي من جرائر

 

تولى هاربًا في عنفوان

 

 

وما ألوى ولم يمنعه ساتر

 

وخلاني الصديق بشر حال

 

 

وحوْلي ألفُ عملاق يحاصر

 

ولعلعت العصيُّ على دماغي

 

 

وسال الدمَّ من رأسي غدائر

 

فطورًا تشهد اللكماتِ عيني

 

 

وطورًا يعتليها النورُ باهر

 

فأنفى صار في أذني. وعيني

 

 

من اللكمات في حجم الجآزر

 

فمن وجعي صرختُ : أيا صديقي

 

 

أغثني فاسمك الرسمي ناصر

 

فصاح : اصبر فإن الصبر ينجي

 

 

وطوبى في الحياة لكل صابر

 

ويا بشرى لمن يصبر ويصبر

 

 

ولو عصرته بالضرب المعاصر

 

وجاء لهم من الأمداد جيش

 

 

من البدو المُعلَّى والحواضر

 

فذي بكر وذي فهر وهذي

 

 

هوازن إثر عبس إثر عامر

 

أمن أجل المشوخي  ويح   نفسي

 

 

تجمعت القبائل والعشائر؟

 

جميل أن أوحدهم كيانًا

 

 

فهذي الوحدة الكبرى لناظر

 

أذوقار ستبعث من جديد

 

 

فمرحى كابرًا في إثر كابر

 

وهل صار المشوخي " تل بيبِ"

 

 

أم ارتكب المشوخيُّ الكبائر؟

 

ولو نفخوا علي لمزقوني

 

 

وأصبح مسكني عمق المقابر

 

فصاح كبيرهم رحمِي بن عقلي

 

 

"كفاكم ما ضربتم يا عساكر

 

فلي شرف الختام مع المشوخي

 

 

فإني في الختام لَخَيرُ قادر"

 

وأنهضني فقلت: فذا رحيمٌ

 

 

سيدفع ما تبقى من مخاطر

 

فهَفَّ دماغيَ الدامي روسيهْ

 

 

فأحسست الوجود يلف دائر

 

ولم أدر الغداة سوى بأني

 

 

نزيل ها هنا والجبس داثر

 

إلى ربي القدير أظل أشكو

 

 

مكائدَ جابرٍ وفرار ناصر

 

**********

   وكانت الجامعة تحتفل نهاية كل عام بالناجحين من الطلاب ، بإقامة وليمة ضخمة سيدها الخراف المشوية . كما تقيم حفلا للتخرج يحضرها الطلاب وأولياء الأمور وعلية القوم ، وخصتني الجامعة بإلقاء قصيدة الاحتفال . ومن هذه القصائد :

فجاء في مطلع قصيدة " إلى الأمام "

هوالكلم الفتان ، بل إنه السحر

أناديك يا شعري "هو العيد ها هنا "

وأقبل نثري عاتبا لم جفوتني

فليس لهذا الحفل إلا مشاعر

 

تجوب بواديه القريحة والفكر

فيقبل يسعى في بهارجه الشعر

فقلت له ما اليوم يومك يا نثر

بشعر جليل لايطاوله التبر

 

 وجاء في مطلع القصيدة الثانية : " لحن الوفاء "

وأرى الليل مشرق البسماتِ

فيه روحُ الشروق والمجدِ والآ

إنه العيدُ .. عيد جامعةِ الفه

درة الجامعات في العلم والتخ

إنه الحفل ضم رهطا كريما

 

دافق النور عاطرَ النسماتِ

مالِ والحب والرضا والحياة

دِ .. ربيع العلوم والمكرُمات

طيطِ والسبق في خُطى التقنيات

من رجال أتوا ومن أمهات  

 

وجاء في مطلع القصيدة الثالثة " أيها السائرون في موكب العلم "

أيها السائرون في موكب العل

بوجوه قد كساها ابتهاج

ووشاح التخرج الأسود الأصف

وكأني بالشمس تسطع ليلا

ها هم الأهل والصحاب سياج

 

م عليكم مهابة ووقار

وقلوب نبضها استبشار

ر من عنبر علاه نضار

من سناها قد فاضت الأنوار

 حولكم الآباء والأصهار

 

وجاء في مطلع القصيدة الرابعة " رسالة من الأجداد إلى الأبناء والأحفاد "

أقبل العيد ساحرا ذا  فتونِ

أتراه الربيع قد جاء طلقا 

أنجبت بالفخار جامعة الفه

فهْي كانت ولم تزل ببنيها

إنه يومُهم وللعلم يوم

 

يملأ الأرض بالشذا واللحونِ

باسم الوردِ مشرق الياسمين

دِ شبابا للعلم والتقنين

  للعلا والعلوم خير مُعين

خالد الذكر في ضمير السنين

 

**********

      أما قصيدتي ( إلى سحر بنت الكويت المشردة ) فيرجع الفضل فيها إلى فتاة كويتية رأيتها في مساء أحد أيام أكتوبر 1990 فى التلفاز السعودي... واحدة ضمن آلاف المهاجرين من الكويت عن طريق الخفجي . وكانت  الفتاة  شعثاء غبراء يظهر على وجهها إمارات الأسى  والحزن فأثارت كوامن اشجاني فكانت قصيدة من أكثر من ستين بيتا ... أقول فى مطلعها :

خذى دموعك من عيني ياسحر

فقد تقرح منك  الخد والبصر

وما ذرفت غرير قد تلاه دم

من بعد ماقد غشاك الحزن والسهر

تبغين شربة ماء أو ثمالتها

فلا يجيبك إلا الحر .. والضجر

وتنشدين فتاتا من غنائمهم

حتى تعيشي فضنت منهم الكسر

كأنهم بمصير الخلق قد وكلوا

فكل من ليس  منهم عمرة هدر

        ثم كانت قصيدة " إلى الشعراء المربديين " وهي نقد مر لهؤلاء الذين وثنوا " صدام في قصائدهم  بالمربد العراقي .

        واعتز  بصفة خاصة بعمل شعري درامي طويل يستغرق قرابة مائة صفحة من القطع الكبير بعنوان ( أغسطس الدماء والأعراض : يوميات جندي  عراقي في الكويت المنهوب ) ...

   ولم أغفل الأعمال الأدبية ... الشعرية والمسرحية ، فبحمد الله اكتشفت عشرة من شعراء الطلاب الموهوبين ، وتابعتهم ، ووقفت بجانبهم أرشدهم إلى كيفية إنماء شاعريتهم . وكان بعضهم يتقن شعر التفعيلة بقدرة تشد النظر ، ومنهم من يتقن الشعر الخليلي .

ومن خيرة هؤلاء  إن لم يكن أشعرهم جميعا  الطالب الشاعر صالح على العمري . وله ديوان مطبوع بعنوان " ألحان وأشجان " ، وقد قدمت تقييما له انتهى بالكلمات الأتية :

          "  ... واستطاع الشاعر صالح العمري أن يعالج موضوعه بفنية ناضجة ، فاستخدام طريقة المونولوج أي الحوار الداخلي، فاستهل قصيدته بالحديث الموجه إلى نفسه:

      يانفس قد آن  الأوان ففكري             وتألقي في عزة .. وتوقر

      إن الحياة مدارس وتجارب              مد وجزر فاصبري وتصبري

       جبلت على كدر الفؤاد وإنما            تصفو الحياة لمؤمن متدبر

وترتفع نبرته إلى حد التقريع مستخدمًا أسلوب المفارقة الفنية.

          يا نفس  مالك  في الدخان رهينة        فكي قيودك وانهضي وتحرري

          هب الرجال إلى الفضائل والتقي        فالعار كل العار أن .. تتأخري

           وتنفسوا  عطر الأزاهر والندى         وأنا أكابد حسرتي وتذمري

           إن  السجارة  جرعة  مسمومة          ولربّ ثعبان برئ المظهر

ويتحدث الشاعر عن آثار التدخين على الصدر والقلب والمال في خيال تشخيصي بديع:

قلبي كئيب الوجه  في  أضلاعه         يشكو بوادر حظه المتعثر

ما زلت أحلم  بالنظافة  كي أرى        بشرى تبسم ثغرك المتنضر

أنفاسي   الحرى  رسائل  حسرة       لأسى الكئيب وآهه المتضرر

أسفي على مالي النفيس وصحتي       أسف الشيوخ على الشباب المدبر

هذا  هو  الحق  المبين  فشمري       لا تلبثي حينًا ولا تتقهقري

ولو أنهى الشاعر قصيدته بالبيت السابق الذي يذكرنا بلحظة التنوير في القصة، أو القرار الحاسم في المسرحية لكانت القصيدة نموذجًا بديعًا متكاملاً للشعر النفسي، ولكن الشاعر ذيلها بعد ذلك بأبيات خمسة جاءت بأسلوب وعظي تقريري مباشر.

فهو يدعو إخوانه أن يقولوا لا للسيجارة، وأن يتسلحوا بالحزم لإبطال التدخين، فجاءت هذه الأبيات الخمسة الأخيرة، بقعة غير مستساغة في نسيج قصيدته الرائعة الفريدة.

 ومن توجيهاتي لمن يحرص على اتقان الشعر الخليلي أن يقرأ الشعر بكثرة في بحره ، فإذا قرأ ديوان ابن الرومي مثلا لا يقرؤه بترتيب قصائده ، ولكن بترتيب الوزن : بمعنى أن يقرأ القصائد التى جاءت على وزن الكامل كلها ، والقصائد التى جاءت على وزن المديد كلها ، وهكذا بقية البحور ؛ فإن هذه العملية ستسهل أمامه النظم على البحر الذي يريد ، وعليه ألا يختار البحر ابتداء ، ولكنه سيجد البحر طيعا أمامه ، وينظم عليه بعملية لا إرادية .

وأنا أنطلق في هذه التوجيهات من تجربتي الخاصة .  

**********

وكونت في الجامعة فريقا مسرحيا ، وكل مسرحية كانت من تأليفي وإخراجي . ومن هذه المسرحيات التى لقيت نجاحا باهرا : مسرحية " الرأس الصعيدي " ، جعلت من ابني سامح بطلا لها  . وهذه البطولة أعطته ثقة في نفسه ، وأطلقت عقدا من لسانه .

وقد نشرت صحيفة عكاظ يوم الثلاثاء  22 / 6 / 1993 م تحت عنوان :    ( الرأس الحديدي في جامعة البترول )

" اختتم النادي الأدبي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران نشاطه الأدبي والثقافي لعام 1413 ه بحفله الختامي الذي أقيم الأسبوع الماضي ... وقد اشتمل الحفل على مجموعة من الفقرات الأدبية والشعرية لطلاب الجامعة ، وبعض شعراء المنطقة ضيوف الحفل ، وكانت الفقرة الرئيسية عبارة عن مسرحية فكاهية باللغة العربية الفصحى أداها طلاب الجامعة : سامي بوحليمة ، وصالح الشمري ، والطالب سامح جابر قميحة .

ويدور موضوع المسرحية التى اختير لها اسم " الرأس الحديدي " حول أهمية الكلمة ، واشتمل الحفل أيضا على مجموعة من المسابقات التى قدمت بين فقرات الحفل ".

أما أشهر المسرحيات فهي مسرحية " السيف والأدب " . لقد أداها الطلاب على مسرح الجامعة ، وبعد إنهاء تعاقدي مع المملكة العربية السعودية قدمها الطلاب ففازت بالجائزة الأولى للمسرح السعودي في المهرجان الذي أقين في أبها مساء 11 من جمادى الأخرة 1422 ه .   

وقد عاصرت في الجامعة من رؤسائها اثنين : الدكتور بكر ، والدكتور عبد العزيز الدخيل ( أبو يزيد ) . وقد أهديته ديواني الزحف المدنس بتاريخ  14 /11 / 1412 ه    16 / 5 / 1992 م . وكتبت في الإهداء .

أبـا  اليزيد ... iiتقبلْ
فـإنـها  ... iiكلمات
وصوتها من ضميري
مـا  بين بوْح iiجريح
ونـزفِ  قلبٍ iiشجِيٍّ
جاءت ولا زيف iiفيها
" يـزيد " إن iiتقبلوها
وتـكتسي في iiاختيال







هـذى  الـهدية iiمنيِّ
بـنـبض قلبي iiتُغني
صـدق  يـفجر iiفني
وخـاطر ... iiمطمئن
وبـسـمـة  iiوتمني
كـأنـهـا من iiلجيْن
بـهـاؤُها  ألف iiلون
عـقـود  دُرٍّ iiوحُسْن

  وأذكر بهذه المناسبة أن وزارة الإعلام الكويتية  بعد عدوان صدام على الكويت  انتقلت إلى فندق المطار بالظهران ، واتخذت منه مقرا من انتاج الفني والسياسي ، وقد ساهمت في هذا العمل بأربع قصائد سجلت فيدويا ،  وعرضت على مستوى العالم .

وكان الدكتور حسن سند هو المسئول عن هذه العملية .  

ومن اعتزاز الجامعة بي إنني بعد أن فارقت الجامعة إنتدبتني لمناقشة أطروحة قدمت لنيل درجة الدكتوراة . وكان عنوانها :

ROOTEDNESS IN BOTH SEAMUS HEANEY

        AND MAHMOUD DARWISH :

       A COMPARATIVE STADY

                     Presented by :

          Hessa Muhammed AL- Kahlan           

     ( 1999 / 1420 )                

والحمد لله كنت موضع تقدير بالجامعة والحاضرين والطلبة بعد غيبة مدة ليست بالقصيرة عن السعودية . ولا أنسى دوري في الاشتراك مؤتمر ( ظاهرة ضعف اللغة العربية ) وقد اشتركت ببحث عنوانه ( أثر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في اللغة العربية ) وقد قام النادي الأدبي بالمدينة المنورة بطبع الكتاب ونشره على نطاق واسع .

وهذا يقتضيني أن أقدم حلقة  وربما حلقات  مستقلة عن الأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية والجهود الثقافية والأدبية التي كنت أشارك بها في هذه الأندية .