واضربي في القاع يا أصول

د. صلاح عودة الله- القدس المحتلة

[email protected]

"إنّا هنا باقون..فلتشربوا البحرا..نحرسُ ظلّ التين والزيتون ونزرع الأفكار،كالخمير في العجين..برودةُ الجليد في أعصابنا وفي قلوبهم جهنّم حمرا..إذاعطشنا نعصر الصخرا ونأكل التراب إن جعنا..ولا نرحل وبالدم الزكيّ لانبخلُ..لا نبخلُ..لا نبخلْ..هنا.. لنا ماضٍ..وحاضرٌ..ومستقبلْ..كأنّناعشرون مستحيل في اللّد، والرملة، والجليل..يا جذرنا الحيّ تشبّث واضربي في القاع يا أصول"..المناضل والشاعر الفلسطيني الراحل توفيق زياد.

تمر علينا الذكرى العاشرة لانتفاضة الأقصى وشعبنا تعصف به حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ انتصاب الكيان الصهيوني..عشرون عاما والمفاوضات مستمرة رغم فشلها, وها هو المفاوض الفلسطينس يهرول من جديد وراء عدو لا يعرف الرحمة..عدو يدمر الأرض والحجر والشجر قبل أن يقوم بتدمير الانسان..عدو قاتل للأطفال الأبرياء والشيوخ والنساء, ورغم ذلك يجدد المفاوض الفلسطيني ما يسمى بالمفاوضات المباشرة معه مع علمه المسبق بأنه عدو لا يحترم الاتفاقيات ويضرب بعرض الحائط كافة الشرائع الدولية..تمر علينا هذه الذكرى ولا يزال الانقسام الفلسطيني ينخر عظامنا..سلطة العصا وسلطة الاعتقالات.

في الثامن والعشرين من شهر أيلول قبل عشرة أعوام كانت البداية..فقد قام الصهيوني اليميني المتطرف أريئيل شارون بتدنيس المسجد الأقصى المبارك بدخوله الى باحاته متحديا مشاعر المسلمين والعرب..انتفضت القدس شيبا وشبانا دفاعا عن أقصاها, كيف لا وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, فسقط سبعة شهداء وجرح المئات..ومن القدس الى غزة والضفة الغربية المحتلة, وفي اليوم الأول من شهر تشرين الأول انضم اخواننا في الجزء المحتل عام 1948 متظاهرين ضد سياسة القتل والترهيب الصهيونية, فشهدت كل من كفركنا والناصرة، وأم الفحم، وطرعان، والمشهد، ودير الاسد، وعرابة، والفريديس، ويافا، وغيرها من البلدات العربية الفلسطينية مظاهرات حامية الوطيس، مغلقين الشوارع الرئيسية والمفارق، ليس قبل ان يحكموا اغلاق "منطقة المروج"، لينصفوا الكيان الصهيوني لقسمين، ويفصلوا شماله عن جنوبه ومركزه.

ثلاثة عشر شهيدا من اخواننا في الجزء المحتل عام 48 قضوا ليسقوا بدمائهم الزكية أرض فلسطين الطاهرة, لينضموا الى قوافل شهداء الثورة الفلسطينية, لكي تبقى فلسطين خالدة رغم محاولات الطمس المستمرة، والسياسة الصهيونية التي تبيح القتل والتعذيب والتهجير والتدمير، محاولين محو ذاكرة الفلسطينيين، غير آبهين ان تلك المحاولات ما هي الا جرعات قوة منحوها لهذا الشعب الأبي.

عشرة أعوام مرت، ومع هذا بقيت هذه الذكرى راسخة في قلوب أبناء شعبنا الفلسطيني البطل..دمهم العربي الأحمر يجري في عروقهم..ستبقى هذه الذكرى خالدة في عقولهم، مرسومة أمام أعينهم، مطبوعة في مخيلتهم..قد تتغير التسميات..انتفاضة القدس والاقصى..هبة اكتوبر..أحداث عام 2000، الا ان تلك الأيام لا تتغير وتبقى محفورة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، أكثر من نقش الحجر.

وهنا أستذكر ما قاله شاعرنا الفلسطيني الراحل راشد حسين:"سنفهم الصخر إن لم يفهم البشر..إن الشعوب إذا هبت ستنتصر, ومهما صنعتم من النيران نـخمدها ..ألم تروا أننا من لفحها سمر, ولو قضيتم على الثوار كـــــلهم..تمرد الشيخ والعكاز والحجر"..نعم يا راشد,سيتمرد الطفل الفلسطيني ومعه العكاز والشيخ والحجر حتى تحرير كل ذرة من تراب فلسطين..المجد والخلود لشهداء فلسطين..الخزي والعار للخونة العملاء المتعاونين..في الذكرى العاشرة لهبة الأقصى أقول, لن ننثني يا سنوات الجمر, واننا حتما لمنتصرون.