أقلام الرصاص المُتَكَسِّرة

أقلام الرصاص المُتَكَسِّرة

بين ماضيها الساطع وحاضرها الدامع

م. هشام نجار

najjarh1.maktoobblog.com

اعزائي القراء

عندما كنا طلاباً في المرحله الإعداديه والثانويه وفور إبتداء العام الدراسي في شهر ايلول / سبتمبر من كل عام نُجهّز طلبات الأساتذه في قائمه ونذهب بها الى منطقه تستعد لإستقبال مئات الطلاب كل يوم بين صلاة العصر إلى ما بعد صلاة العشاء تدعى باب النصر احد البوابات التاريخيه لمدينتي حلب والذي مازال قائماً بهيبته شاهداً على دحره لغارات الروم والتتار معززاً صمود اهلها مع بوابات المدينة الأخرى في دحرالغزاة ليس من أجل ( حلب اولاً) كما تتحفنا شعارات حكام دعاة الإنعزال والإحتلال في العالم العربي اليوم حيث تحولوا إلى شعار "الوطن اولا" ثم قادوا الشعوب إلى شعار "النظام اولاً" واليوم يتحفنا الحكام "بشعار

الوريث اولاً" بينما كانت رموز الأمه تسير بالامه الى شعار الأمة اولاً وآخراً

اعزائي القراء 

كان يعرف هذا الباب قديماً بباب اليهود لأن محال اليهود من داخله ومقابرهم من خارجه فاستقبح الملك الظاهرغازي إبن السلطان صلاح الدين الأيوبي وقوع هذا الاسم عليه فسماه باب النصر (كما ذكر في كتاب نهر الذهب للغزي) بعد أن هدمه وبناه من جديد

سوق باب النصر ,حيث اقمنا فيه بورصة الكتب المستعمله

اعزائي القراء

تدخل باب النصر لتستقبلك ساحه مرصوفه بأحجار تاريخيه يحيط بها محلات ذات طابع قديم أجري تحسين عليها لتتحول إلى مكتبات ومطابع فيها كل ما يطلبه طالب علم او دارس لمراجع وكتب فيجد فيها حاجته .السوق مسقوف ومضاء بأنوار الفلورسانت ليلاً وممنوع على السيارت ويمتد السوق لما بعد ساحة المكتبات لحوالي ميلين جامعاً مهن تجاريه اخرى على جانبيه لينتهي من الطرف الثاني قرب قلعة حلب الأثريه

 اعزائي كنا نُحْضرالى باب النصر كتبنا التي نجحنا بها في عامنا المنصرم لنبيعها ونشتري بثمنها وفوقها ليرات معدوده كتباً مستعمله لعامنا الدراسي الجديد.كنتَ ترى جموعاً غفيره من الطلاب تحولوا إلى رجال اعمال صغار كلٌ منهم ينادي على كتبه القديمه ليبيعها وينادي على كتب العام الدراسي الحالي ليشتريها فتختلط الأصوات:" مين عندو سابع...اللي لازمو عاشر ...تعى شوف مجموعه بكالوريا نضيفه بعشرين ليره بس يابلاش ... تاسع بعشر ليرات  عجّل أبل ماتروح لغيرك......" فيوفر على نفسه ثمن كتب جديده غاليه من مستودعات الوزاره , وميزة أخرى هي انه يحصل على كتبه فور بدء العام الدراسي الا في حالات نادره كتغيير منهاج بعض المقررات.وما ان احصل على مجموعه كتب (نظيفه)أدخل إحدى المكتبات المزدحمه وأقدم لعاملها قائمة طلبات الأساتذه ليجهزها لي ثم يضع فوق الطلبيه مجموعه من الأقلام وعلى رأسها اقلام الرصاص والتي لاغنى عنها لكل إنسان وليس لكل طالب علم فحسب ,فأحاسب الرجل واحزم اغراضي وانا فرح بها وآخذ الترام المار مباشرة في الشارع الرئيسي خارج سور باب النصر وأصل بيتنا بعد العشاء لتنتهي بذلك اول مهمه لي في عامي الدراسي الجديد

  اعزائي عائلتنا مؤلفه من الوالدين وسبعة إخوه وأخت واحده, أكبرنا كان طالب طب والذي يليه كان طالب هندسه وأصغرنا أختنا الوحيده في المدرسه الإبتدائيه وبينهما خمسة إخوه وأنا كنت أوسطهم وكنا موزعين بين المرحله الإعداديه والثانويه

  وتمر الشهور وتمر معها ساعات الجد والدراسه ,سلاح الطالب الذي لا يستريح ولا يهدأ هو كتابه ودفتره (كراسته) وقلمه.

اعزائي القراء كل الأشياء تولد صغيره ثم تكبر الا الشموع وقلم الرصاص. الأولى تولد كبيره ثم تحرق جسدها النحيل الممشوق فتذبل وينكمش قوامها ويخبو نورها وتعلن إستشهادها بعد ان تضحي بحياتها لتنير طريق الآخرين وقلم الرصاص يولد كبيراً ثم نعتصر مداده  فيسيل بين اصابعنا فنبريه من جديد ونعتصره من جديد حتى آخر نقطة من مداده فيذوي مُنهياً حياته بين اصابعنا بعد ان يكون قد أمن مستقبلاً لطالب علم يذود به عن اهله ووطنه وأمته .

إخوتي وأخواتي

عندما يفقد أحد إخوتي او أصدقائي قلمه احزُّ قلمي بسكين ثم اكسره قسمين  فيولد من القلم الواحد قلمان ويستمر القلم في تضحيته ليوزع عطاءه على اثنين فيبني مستقبلين بدلآ من مستقبل واحد.

نعم اعزائي القراء ..نحن اسرة تكسر اقلامها كما تفعل ملايين الأسر أمثالها ولكن لبناء مستقبل وليس لهدمه..نحن من جيل  يكسر اقلامه ليبنوا لوطنهم عزاً ...لا  ذّلاً  نحن من ابناء امه تكسر اقلامها  لتشارك بأجزائه المتكسره اخوانآ لهم ليبنوا لأمتهم نصراً

اليوم ايها السيدات والساده تٌكَسّراقلام الأمه بأيدي الأنظمه ولكن شتان بين تكسير الشعوب لأقلامها لتتقاسمه بين محتاج من ابناء امتها ليخطوا بها مستقبلهم وبين تكسير الأنظمه لأقلام شرفاء الأمه حيث تسحب قسراً من بين اصابعهم ثم تجمع امام اعين تدمع ثم تحرق امام شعوب لاتجرئ ان تنطق ثم يُنثَر رمادها حتى لا تتعرف اجيالنا على صاحب رماد هذا القلم الشريف فيقرؤه الفاتحه.

نعم اعزائي القراء نحن اليوم أمّه يسرق القلم من بين اصابعها يُكسر ثم يُعصر حتى يصبح مداده ناعماً ثم يرمى مسحوقه في البحار حتى لا يبق منه اثراً وذلك خشية ان يسهم هذا القلم بتقديم نصح لحاكم او متنفذ لا يؤمن بسلاح القلم..

اصحاب اقلام الرصاص اليوم اعزائي الكرام يتم تجريدهم من سلاحهم لأنهم رفضوا ان يكتبوا كلمة واحده ينافقوا بها حاكماً ورفضوا ان يمسحوا له جوخاً ورفضوا ان يمدحوه رياءاً.

فلما إستعان اصحاب الأقلام المسلوبه والمكسوره والمحروقه بلسانهم واصابعهم على لوحة مفاتيح الكومبيوتر كُممت افواههم وبُترت اصابعهم,فإستعانوا بقلوبهم وهو اضعف الإيمان ومع ذلك تم إدخالهم المعتقلات مٌسنين كانوا ام شباباً ,صبايا كُنَّ ام صبية

ويؤسفني القول ان الأعداد بإزدياد دون مراعاة لأعمار ومقامات كانت لهم ناصحه ولأوطانهم حافظه ولأعداء عقيدتهم رادعه

 إخوتي وأخواتي.

لقد إستوحيت عنوان مقالتي هذه من هامات وطنيه مغروسه في طول بلاد الأمه وعرضها واخص منهم الوطني البارز الأستاذ حمدي قنديل صاحب فكرة قلم رصاص حيث يتعرض اليوم لمحكمة سياسيه لأنه كتب بقلمه كلمة حق في وزير خارجية بلده الذي باع شعب مصر لراحة اعداء شعب واخوة واخوات شعب مصر.وتجرأ على ابناء واطفال اهل غزه عندما توعدهم بكسر اقدامهم إن هم إجتازوا حدود مصر ليتزودوا بطعامهم وحاجاتهم وكراسات واقلام الرصاص  لاولادهم

اعزائي القراء

لقد نالت الدول العربيه إستقلالها بفضل رجال إستوعبوا ثلاثة اسلحة معاَ: الأول سلاح العقيده والثاني سلاح قلم الرصاص والثالث سلاح ذخيرة الرصاص ..فلا تحلموا بنصر أيها الحكام إن أنتم جمعتم في ترساناتكم كل ذخيرة رصاص العالم  وفوقها كل ماتوصلت إليه تكنولوجيا الدول ثم اجبرتم شعوبكم على التخلي عن سلاح اقلام الرصاص,فعندما كسرتم لشعوبكم اقلامها لم يأت نصر على الأمة أبداً وربحت إسرائيل حروبها لأنها لم تكسر قلم رصاص واحد .

اعزائي القراء إن الله سبحانه وتعالى الذي عْلم بالقلم ..علّم الإنسان مالم يعلم لأكبر دليل يثبت نجاعة هذا السلاح في الصلاح والإصلاح وليس في النفاق والرياء

فشدوا على اقلامكم واكسروها...نعم إكسروها وشاركوا بها اولادكم واحفادكم ليكتبوا كلمة حق فيها نصيحة وإصلاح لا رياءاً ونفاقاً وإنبطاح وعلّموهم أن   لايخشوا في الله لومة لائم .

مع تحياتي