الصيانة الإسلامية للنفس البشرية
الصيانة الإسلامية للنفس البشرية
هايل عبد المولى طشطوش
تعاني المجتمعات الإنسانية من واقع مرير وحال محزن فيما يتعلق بموضوع النفس البشرية وحقوق هذه النفس ، وعلى الرغم من التقدم الكبير والهائل في مجال حقوق الإنسان عموما وحقوق النفس البشرية تحديدا إلا أن الإنسان ما زال ضحية التقدم الإنساني والتخلف الإنساني في ذات الوقت فهو لذي يدفع دمه في الحروب والمجاعات التي هي ثمن لتقدم الإنسان ويعتبر الإنسان هو مجال التجارب العلمية والتقدم التقني والفني الإنساني الذي تتباهى به الحضارة الإنسانية المعاصرة والمدنية البشرية الحديثة .
وقد اهتم الإسلام بالنفس البشرية وعمل على صيانتها بكل الوسائل بل جعل حماية النفس أو ما يعبر عنه بحفظ النفس على رأس مقاصد الشريعة الإسلامية فالنفس الإنسانية في الإسلام لها حرمة عظيمة يجب أن تصان من الاعتداء أو الإيذاء والإسلام جعل الاعتداء على نفس واحدة كالاعتداء على الناس جميعا يقول تعالى " من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا".. المائدة آية 32. وفي المقابل من يحسن لنفس واحدة فكأنه يحسن للبشرية كلها يقول الله تعالى " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" والمراد بإحيائها هو أنه كان سببا في إحيائها أو استمرار إحيائها.
ومن مظاهر حماية النفس البشرية وصيانتها في الإسلام هو تلك النصوص العظيمة التي وردت في الكتاب والسنة والتي تشدد على حماية النفس وتضع حدودا رادعة للحفاظ على النفس فحرم العدوان عليها فقال تعالى : " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق". الإسراء أية 33 وهذا الآية تدلنا على صيانة النفس الإنسانية عامة حيث أن الشريعة منعت قتل أي نفس... مسلم أو كافر أو عاصٍ إلا بالحق وحرمت الانتحار فقال تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم" النساء أية 29. وتوعد الحق سبحانه وتعالى كل من يخالف ذلك فقال تعالى " من يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا، وكان ذلك على الله يسيرا" النساء أية 30. ناهيك عن العقوبة الدنيوية الرادعة التي تساهم في صيانة المجتمع وحمايته بل إن الشارع الحكيم جعل في القصاص حياة للأمة كلها ولولا ذلك لاصبح المجتمع غابة يأكل القوي فيه الضعيف. يقول تعالى " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" البقرة .وقال تعالى أيضا " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص" المائدة 45. وهذا يدلنا على إن الشارع الحكيم حفظ على الناس دماءهم من خلال الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الاعتداء على النفس يقول صلى الله عليه وسلم " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم ".... ولم يقتصر الإسلام على صيانة نفس الإنسان المسلم فحسب بل أقر الإسلام مبدأ المساواة في تقرير حرمة الدم واستحقاق الحياة للمسلم وغير المسلم والرجل والمرأة، فالذمي له حق في بلاد المسلمين والمساواة في المعاملة والعدل والقضاء وعصمة دمه ودينه وماله وعرضه، وقد جاء في كتاب الله ما يحدد موقف المسلمين من معاملته. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/ 21، وقال: (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) الممتحنة/ 7، ثم قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومَن يتولهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة/ 8 و 9، ولكن يجب على المجتمعات الإنسانية المعاصرة أن تجفف أولا منابع حصول الجريمة ثم تضع العلاج الرادع فظروف الحياة المعاصرة هي التي أوجدت الأسباب المناسبة لارتكاب الجرائم ضد النفس الإنسانية ومن ابرز هذه الدوافع والأسباب مايلي :
-
ضعف الوازع الديني لدى كثير من الناس وخاصة من يرتكب الجريمة : فالوازع الديني هو المحرك النفسي الفعال الذي يدفع الإنسان إلى استحضار العبد عظمة خالقه وقدرته على بعثه ومحاسبته على عمله ومجازاته عليه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا. وبناءً عليه؛ فإن الوازع الديني يمثل الرادع والواقي للنفس الإنسانية، يحميها من الانحراف ويجعلها مركزًا لإشعاعات الخير والعمل الصالح والسلوك السوي، وارتكاب الإنسان للجريمة ـ وهي أخطر أشكال الانحراف ـ دليل على ضعف الوازع الديني في نفس الإنسان.
-
الدوافع والأسباب الاجتماعية : والذي يمثله الخلل الاجتماعي العام داخل الأسرة لان الإنسان يكتسب خصائص وصفات أسرته ومن ابرز ملامح الخلل الاجتماعي هو فقدان الروح الجماعية، والسلبية الاجتماعية تجاه السلوك المنحرف، والفراغ... إلخ.
-
الدوافع الثقافية :والتي من أبرزها تطور وسائل الإعلام،ولتي ساهمت وبشكل كبير وخاصة في هذا العصر (عصر العولمة ) في تشكيل سلوكيات الشباب وغرس قيم الجريمة في أذهانهم وذلك لان لها دور فعال في التأثير على عقلية ونفسية النشء والتشكيل الثقافي للمجتمعات .. وكانت النتيجة؛ أن أسهمت وسائل الإعلام في انتشار الجريمة بكافة أشكالها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
-
الدوافع الاقتصادية : يلعب العامل الاقتصادي دورا مهما في بروز ظاهرة الجريمة بحق النفس البشرية وخاصة ان هذا العامل هو الأبرز في حياة الإنسان فالفقر المدقع والغنى الفاحش هما بيئتان صالحتان لنشؤ ظاهرة القتل لان الخلل الذي يصيب الجانب الاقتصادي، يدور بين طرفين متناقضين، كلاهما قد يكون نقطة انطلاق إلى طريق الانحراف والجريمة: العناء المادي فقرًا أو بطالة، والترف المادي والتفصيل في هذا يحتاج إلى أبواب وأبواب والإسلام بنظامه الاقتصادي الفريد القائم على العدل والتكافل والشمولية والتوازن فانه يساهم بحماية المجتمع من ثورة الفقر وطغيان الغنى. وبالتالي يقطع الطريق على الأسباب والمسببات للجريمة .
-
دوافع وأسباب أخرى كالأسباب السياسية والفكرية والأيدلوجية وغيرها
فالشريعة الإسلامية قررت مجموعة من الأحكام والعقوبات كضمانات تكفل عدم الاعتداء على حياة الإنسان حتى يستطيع أن يمارس نشاطه بحرية تامة بدون إعاقة أو ضرر فحرم قتل الإنسان ووضع له القصاص في حالة القتل. ونحت الشريعة الإسلامية منحى متميز عن الشرائع الأخرى فسوت قيمة الإنسان الفرد الواحد بقيمة البشرية كلها، قال تعالى: (مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) المائدة/ 32، ولحماية أمن الإنسان في حياته قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) البقرة/ 179، وهذا القصاص عام بدون استثناء يطبق على الجميع بدون استثناء.
هذه بعضا من مظاهر صيانة النفس الإنسانية في الشريعة الإسلامية الغراء وبعض الضمانات الكفيلة لتلك الحماية التي لم تبلغها شريعة من الشرائع السماوية ولم تصل إلى كمالها وشموليتها المواثيق والاتفاقيات الدولية أو التشريعات الداخلية وإنما أتى بها القرآن الكريم وبلورتها سنة الرسول الكريم منذ مئات السنين .