طُليل مرة أخرى؟. يا للعار

كاظم فنجان الحمامي

طُليل مرة أخرى؟. يا للعار !؟

كاظم فنجان الحمامي

[email protected]

مما يبعث على الأسف الشديد أن معظم الصحف والفضائيات العراقية باتت تجهل أو تتجاهل أسماء أهم المواقع والمدن العراقية, وأغلب الظن إنها ورطت نفسها في تعميم الأسماء والاصطلاحات الدخيلة, التي شقلبتها قوات الاحتلال, وأطلقتها على الأماكن التي تجحفلت فيها, واتخذت منها معسكرات وثكنات لجنودها وآلياتها وإمداداتها, والطامة الكبرى أن بعض مؤسساتنا انجرفت من حيث تدري أو لا تدري مع برامج طمس أسماء المواقع العراقية العريقة, وصارت تتعامل مع الأسماء البديلة, وتعممها على الناس, وكأنها تتعمد تعميق إحساسنا بالغربة داخل أوطاننا, واستمرت على هذا النهج على الرغم من استيائنا وتذمرنا من تداول اسم (طُليل) الذي حل بديلا لـ (تل اللحم),

فعلى الرغم من رفضنا لهذا الاسم المستهجن, ماانفكت وكالات الأنباء تواصل إصرارها العجيب على نشر أخبار (تل اللحم) متعمدة استخدام الاسم البديل (طُليل), والتي كان آخرها خبر استهداف قاعدة (طُليل) بصواريخ من طراز كراد.

طُليل: اسمٌ مستهجن لا جذر له, ولا صلة له بتاريخ وجغرافية ولغة وتراث العراق وأهله. ومن المرجح إن اللوحة المرورية الوحيدة, التي كانت تحمل اسم المكان (TALL-AL-LAHAM) قد تعرضت للعبث, وفقدت المقطع الأخير من الاسم. فأصبح الاسم (TALL-AL). وخصوصا أن الأسماء المرورية, المطبوعة على اللوحات التوضيحية في الطرق الخارجية, تتعرض من حين إلى آخر للتلف والفقدان. كونها مصنوعة من الملصقات البلاستيكية المرنة القابلة للتلف. وربما تعمد الأمريكان اختزال الاسم, فحذفوا المقطع الأخير منه. فصار الاسم الجديد (TALL-AL). ثم كتبوه على مزاجهم. هكذا (TILLIL).

 ولجئوا بعد ذلك إلى تعميم الاسم على قواعدهم العسكرية, ثم شقلبوا الاسم وثبتوه على خرائطهم التعبوية, وتناقلته فيما بعد وكالات الأنباء عبر جميع وسائلها المتاحة. لكن المثير للدهشة والغرابة إن فضائياتنا تعاملت مع الاسم المستحدث بسذاجة لا تخلو من غباء, ومن دون إن يلتفتوا إلى أن الاسم (طليل), الذي صنعته ارتال وثكنات جيوش الاحتلال. لا ينتمي إلى هذه الربوع, التي كانت مستقرا حضاريا لأقدم السلالات البشرية, التي ضمها هذا المكان في الفترة البابلية القديمة والوسيطة والحديثة ( الكلدانية ), ثم استمر بالنمو والاتساع في العهد الفيرثي. ولغاية العهد الإسلامي. وكانوا يطلقون على تل اللحم Ku'ara)). ثم (Kisiga) بالسومرية. وتعني بوابة القصب. فيما أطلق عليه (درم) في الفترة الأكدية. وأطلق علية في الفترة الكلدانية (بيت باقين). أو (بيت سالميني). وما زالت الجامعات الأوربية والأمريكية المعنية بدراسة تاريخ وادي الرافدين, تستخدم .(Kisiga) أو(Ku'ara) في الإشارة إلى تاريخ تل اللحم.

ترى بعض المراجع إن (تل اللحم) سمي بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ (شلاش ابن عمر بن الحميدي الشمري), الذي كان كرمه لا يجارى في حينها (سنة 1850), وما بعدها. وما يقدمه للضيوف من طعام على هيئة (تل). وكان للشيخ ثأر مع عائلة آل صباح فسكن هنا. ولما أدرك ثأره ارتحل إلى منطقة عقرقوف. في حين ترى مراجع أخرى انه سمي بهذا الاسم نسبة لتراكم جثث القتلى في المعارك, التي اندلعت هنا, في العصر العثماني وما بعده. نذكر منها المعركة التي دارت رحاها عام 1899 بين عشائر المنتفك بقيادة الشيخ عجمي السعدون, وعبد العزيز بن متعب الرشيد (أمير حايل آنذاك). فقد انتصر (الرشيد) في الجولة الأولى من المعركة. واحتل معسكر المنتفك في (الخميسية). ثم تحقق النصر للمنتفك في الجولة الثانية والأخيرة. فاسترجعوا (الخميسية), وطردوا رجال (الرشيد) من تل اللحم.

ونذكر منها أيضا معركة أخرى  دارت رحاها عام 1921 بين قبيلة (الظفير) و(الأخوان), والتي حسم النصر فيها لقبيلة (الظفير). ونستعرض هنا مقاطع من القصيدة النبطية, التي ارتجزها الشاعر (سند الحشّار) بعد انتهاء المعركة:

 (تل اللحم) يوم الطوابير ترقاه

ماج (الدويش) ولابته و(النصافي)

اليوم جونا طلعة الشمس بضحاه

هج الهجيج وصوتوا بالعوافي

دون المحارم والبيوت المبناه

روسٍ كما الدبشي ليال القطافي

كم واحد للموت حنا جلبناه

بالمذبحة تسفي عليه السوافي

أما القاعدة الجوية العراقية الواقعة في المكان نفسه, فكانت تحمل منذ تأسيسها اسم أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب). لكن الغزاة واصلوا حماقاتهم ونزواتهم وخزعبلاتهم. وأطلقوا اسم (طليل) أيضا على القاعدة ومقترباتها.

والمثير للغضب هو تمادي معظم صحفنا المحلية وفضائياتنا, التي صارت تتكاثر بالانشطار, وصارت تتعمد استخدام (طُليل) بدلا من (تل اللحم). الأمر الذي قد يؤدي إلى اندثار الملامح التراثية والثقافية والجغرافية.

ختاما ألا يبدو الأمر وكأنه لعبة مقصودة. وإلا فما معنى استبعاد الأصل العربي عند الإشارة لهذا المكان؟, ومتى كان باستطاعة الغرباء تحريف أسماء مدن الشعوب والأمم؟.