اعتقال كراديتش والعدالة الدولية
اعتقال كراديتش والعدالة الدولية
د. ياسر سعد
أعلن أمس في بلغراد عن اعتقال زعيم صرب البوسنة رادوفان كراديتش بعد أكثر من عقد من الاختباء والاختفاء. الاعتقال جاء بعد أيام من الذكرى الثالثة عشر لمجزرة سريبرينيتشا والتي كان كراديتش أبرز رموزها, لتعطي لأهالي الضحايا شيئا من الشعور بالعدالة افتقدوه ردحا من الزمن.
الحدث لقي ردود فعل دولية مرحبة أمريكية وبريطانية وفرنسية, في حين اعتبرت هولندة -والتي كان جنودها يتولون حماية سريبرينيتشا واتهموا بالتقصير في ذلك- الاعتقال خطوة جبارة إلى الأمام.
في كتابها "السلام والعقاب"، والذي صدر العام الماضي ، كشفت فلورنس هارتمان الصحفية الفرنسية في بلغراد والناطقة السابقة باسم ممثلة الادعاء العام في محكمة جرائم الحرب عن حقيقة تدخّل كل من روسيا والولايات المتحدة؛ لمنع محاولات توقيف رادوفان كراديتش. وتحدثت هارتمان عن الاتهامات التي تبادلتها كل من الولايات المتحدة وفرنسا، وكيف أن كل دولة كانت تلوم الأخرى بسبب تعثّر جهود إلقاء القبض على كراديتش، وبأنها أبرمت صفقة سرية لحمايته. وتكشف هارتمان عن الدور الذي لعبته الأجهزة السرية الغربية التي «أحجمت في اللحظة الأخيرة» غير مرة عن إلقاء القبض على كراديتش ورفاقه .
تتمثل إحدى أفكار كتاب هارتمان الأساسية في أن المحكمة الجنائية الدولية تتعرض بصورة مستمرة لمحاولات القوى الدولية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة -التي اتخذت أساساً موقفاً نقدياً حيالها- من أجل استخدامها كـ «أداة» في خدمة مصالحها ومخططاتها, وهو ما ترويه المؤلفة بالتفاصيل فيما يتعلق بقضايا يوغسلافيا السابقة.
تقول هارتمان إن الحكومات الغربية، اختارت عدم التدخل في محنة البوسنة لثلاثة أعوام ونصف. ورداً على الفظائع التي روتها وسائل الإعلام ومنظمات الإغاثة وكي تتملص من التزاماتها باتفاقية الإبادة والتي تتطلب منها منع الإبادة والمعاقبة عليها، رفضت تعريف النزاع عدواناًً دولياً مسلحا واعتبرته حرباً أهلية.
اعتقال كراديتش –والذي كان من شروط الاتحاد الأوربي لصربيا للانضمام إليه- جاء عشية اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد والذي من المقرر أن يناقش مسألة انضمام صربيا إلى الاتحاد خصوصا بعد تشكيل حكومة صربية جديدة مؤيدة للغرب يقودها الحزب الديمقراطي بعد فوز تحالف "من اجل صربيا أوروبية", بالانتخابات الأخيرة, حيث حصل على 102 مقعد في البرلمان الذي يضم 250 مقعدا بينما فاز الحزب الصربي القومي على 78 مقعدا.
كما يأتي توقيت الاعتقال في وقت تستعد فيه البوسنة لطرد المئات من المقاتلين المسلمين السابقين وتجريدهم من جنسياتها ممن حاربوا مع قواتها في التسعينيات. دوليا يأتي الحدث فيما يتصاعد التوتر السياسي بين موسكو وواشنطن حول العديد من الملفات كالدرع الصاروخي والأوضاع في جورجيا.
الاعتقال وإن كان أمرا سعيدا للعدالة وللضحايا, إلا إن توقيته وملابساته توحي بأبعاد سياسية. كما إن مما يؤثر على مصداقية العدالة الدولية, وجود الكثير من مرتكبي جرائم ضد الإنسانية طلقاء, بل ويتبوؤن مراكز بارزة في الساحة الدولية ويلقون مديحا وثناء.