الديموقراطية في المنظور الإسلامي

الديموقراطية في المنظور الإسلامي

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

لقد جاءت رسالة الإسلام لتجسد مبدأ التشارك والتعاون وتنبذ مبدأ الفردية والأنانية وقد تجلى ذلك بأمر الشارع الحكيم في محكم آيات الكتاب بان على الأمة أن تتشارك وتتعاون وتتلاقى عند اتخاذ القرار لان يد الله مع الجماعة وان يد الله فوق أيديهم؛  لذا فقد ظهر في تاريخ الفكر الإسلامي مبدأ عظيم واصل قوي لما يمكن تسميته بالديموقراطية الإسلامية ألا وهو مبدأ الشورى والذي ثبت من خلال تسلسل أحداث التاريخ الإسلامي قدرته على إنجاح الخطط والمشاريع ومساهمته في تطوير وبناء الدولة على مر التاريخ لان قرارات أولى الأمر لم تكن فردية ولا شخصية بل كانت تحكمها مصالح الأمة جمعاء فكانت صائبة وعادلة ومحققة للأهداف ومجسدة لطموحات وآمال الأفراد ، أما اليوم ومع تطور التاريخ فقد بدأت تتجسد في الوجدان السياسي للدول فكرة الديموقراطية التي هي وليدة ثقافة يونانية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه ، والحديث في هذه الفكرة يطول ويطول ، ولكن يبدو أن فكرة الديموقراطية أخذت بعدا وأبعادا كثيرة حتى صارت غطاءا تختبئ تحته أهداف كل من أراد أن يحقق مصالحة الذاتية والشخصية وقد شاهدنا ومازلنا نشاهد كوارث عالمية كثيرة منها احتلال الدول واستعمار الشعوب والسيطرة على الموارد كل ذلك باسم الديموقراطية .

إن الديموقراطية الحقيقية التي تعني المشاورة في الرأي وعدم الانفراد بالقرار هي من صلب الإسلام ونجانب الصواب إذا ادعينا أن الإسلام لا يتبنى هذه الفكرة ولا يدافع عنها لان الإسلام بهذا المعنى هو ديموقراطي بامتياز فهو شوري يوجد فيه لأصحاب الرأي والحكماء والعقلاء دور كبير في اتخاذ القرار والمساهمة في الحفاظ على مسيرة الدولة ودفعها إلى الإمام ، والديموقراطية المعاصرة تهدف إلى تجسيد قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وهي مفاهيم تتوق إليها النفس الإنسانية التي بطبيعتها ترفض العبودية والظلم، ولذا نجد التغني بالديمقراطية واعتبارها الحكم المنشود لكل شعب مضطهد مظلوم تنطلق من هذين الشعارين البراقين.

إذن فالديمقراطية تعتبر منهجاً في الحكم يرمي إلى وضع حد لثنائية الحاكم والمحكوم التي سادت تاريخ العالم في فترة من الفترات ، واقترنت بانتشار الحكم الفردي وسيطرة جهة واحدة على مقاليد الأمور إضافة إلى غياب القانون . أما مرتكزات المنهج الديموقراطي التي تتولد عنها آليات وأجهزة دستورية تختلف صيغتها التفصيلية من نظام إلى آخر، ويمكن إجمالها فيما يلي: الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات والشرعية. انبثاق السلطات بواسطة الانتخابات ، الإقرار للأغلبية بأن تحكم وللأقلية بأن تعارض ، التعددية الحزبية ،التداول السلمي على السلطة ، فصل السلطات ، ضمان حريات المعتقد والتعبير والعمل النقابي ، حفظ مصالح الضعفاء والأقليات  ، احترام حقوق الإنسان.... الخ ولعل مقاربة بسيطة بين هذه المبادئ تشير لنا إلى أن الإسلام ينسجم مع كثير منها على الرغم من بعض التحفظات حول بعضها كموضوع أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة ولكنه في النهاية يحافظ على حقوق الإنسان ويحترمها لدرجة تفوق كل القوانين الوضعية والشرائع الدولية ويحافظ على حرية المعتقد ويحفظ مصالح الضعفاء ويحترم الأقليات ... الخ وبهذا من المستحيل أن نقبل قول من يقول بين الحين والآخر أن الإسلام ليس فيه ديموقراطية بل هو شوري ديموقراطي بمفهومة الإسلامي الذي لا يأتيه الباطل لأنه من صنع الخالق جل وعلا .