حديث سفاهة

(وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)

زهير سالم*

[email protected]

حمل إليّ البريد خبرا مستفِزا عن مؤتمر عقد في لندن، عقده من سموا أنفسهم ( خدام المهدي ) للاحتفال بوفاة عائشة أم المؤمنين احتفال سفه وخفة ورعونة..

وكرر مرسلو الخبر إرساله، وشفعوه بمقطع فيديو لواحد من هؤلاء الهوام يفرغ ما في قلبه الأسود المرباد على أم المؤمنين عائشة وأبيها ولا ينسى أم المؤمنين حفصة وأبيها أيضا في نفس السياق.

ويعتب عليّ بعض من أرسل، ممن أحترم، أنني لم أنشر الوقائع الناطقة الموثقة في دلالاتها على الحقد والتعصب. ويقول لي: مستنكرا عليّ كأنك لم تغضب لأمك عائشة رضي الله عنها، أو لعلها ليست لك بأم!!

أما أنني لم اغضب لما سمعت ولما قرأت وتابعت فهذه تهمة أبرئ إلى الله منها. بل إنني أعتبر ما نقل بالصوت والصورة يستفز كل صاحب فطرة سوية مهما كانت ملته ونحلته. وكلام السفهاء حين يغوص في الحمأة يثير الاشمئزاز والغثيان أكثر مما يثير الحفائظ!!

ثم لعلي أتساءل إذا كانت أمة من الناس تقضي العام كل العام في الاحتفال بأجندة الندب واللطم على من تعتبرهم أولياء، وأجندة اللعن والشتم على من تعتبرهم ( أعداء ) فمتى تنتج؟ ومتى تنجز؟ والعدو يتهددها، كما نتسامع صباح مساء..؟!

كانت العرب تقول:

لا يصلح الناس فوضى لا سَراة لهم ولا سَراة إذا جهالهم سادوا

وفي مثل هذا الموطن نتساءل عن سَراة القوم، ليكفوا عن أهل القبلة جهالهم وسفهاءهم ، نتساءل هل في أتباع المذهب الذي يخطف اسمَه هؤلاء الناسُ سَراةٌ حقيقيون يأخذون على يد السفيه وفمه كلما أراد أن يشعل فتنة أو يقول هجرا..( وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ)

وأؤكد للذين أرسلوا الرسائل والتقارير عن مؤتمر التهييج المذكور: لم أنشر ما أرسلتم ولن انشره لا لأنني لم أغضب للصديقة ابنة الصديق، بل لأنني ارفض أن أترك لمثل هؤلاء السفهاء أن يكونوا مرجعا في صياغة العلاقة بين أهل القبلة، والمقرين بالشهادتين. وأرفض ويجب أن نرفض جميعا أن نعطيهم الفرصة أن يكونوا مسموعين وأن يكونوا مؤثرين، وأن يستشعروا القيمة أنهم أصبحوا مهمين. ويجب أن نرفض أن نُستجر إلى خنادقهم الضيقة، وأن نغوص في الحمأة التي فيها يغوصون. ومؤتمر السفه هذا ينتظر من أولي الأحلام والنهى أينما وجدوا أن يصادروه، ويردوه، ويكبتوه أيضا. فهذا موطن لا ينفع فيه الصمت من الصامتين لأن الصمت في معرض البيان بيان.

وأؤكد في هذا السياق أن هؤلاء السفهاء من الناس لا يمكن أن ينتموا في حقيقة أمرهم لا إلى دين ولا إلى مذهب ولا إلى ملة أو نحلة و هم إلى الذين قال الله فيهم ( أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) أقرب.

ذلك أن أم المؤمنين التي اجتمعوا للطعن عليها والنيل منها ظلت محترمة الجناب، موفورة المكانة، عزيزة المقام حتى في أشد ساعات الفتنة حلكة. وأمير المؤمنين علي الذي غيرةً عليه، فيما يزعمون، ينتهضون، وحميةً له يُرغون ويُزبدون يؤكد في كتابهم الأول نهج البلاغة في الصفحة 252 / منه على ما يروي راويهم ويقرر مقررهم ( ولها بعذُ حرمتُها الأولى، والحساب على الله ) فأي إمام، بعد هذا القول أطاعوا، أطاعوا، وأي حرمة وفّروا، وبأي حديث بعد نهج بلاغتهم يؤمنون؟ وهم قد اخترقوا حتى حرمة الآدمية، وولغوا ولوغ الذئاب في لحم زوجة نبيهم ودينها وعرضها وأبيها!! أي ستر هتكوا؟ وأي كريهة ارتكبوا!! وأي بهتان احتملوا!! وهل سيكون الساكتون عنهم، وهم يوقدون نار الفتنة بين المسلمين إلا شركاؤهم في الإثم والخزي والعار..

نتذكر خبر التاريخ يوم وقف علي وطلحة والزبير فتناجوا وتصافوا حتى بات الناس لا يشكون في الصلح ..؟! ثم كان سلف هؤلاء من الرعاع الذين غاظهم الحب، وهاجهم الحقد، واستفزهم حديث السلام؛ فما برحوا حتى أوقدوا نار الحرب..

ويأتي واحد من هؤلاء إلى سيدنا علي يبشره يقول: ( قتلت الزبير )!! فيقول له أبو الحسن، وما شأن هو الأراذل بأبي الحسن؟! , بشّر قاتل ابن صفية بالنار!! ويمر بعد ذلك أبو الحسن على طلحة معفرا بدمه : فيقول اعزز عليّ أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا..

أما عائشة أم المؤمنين وما كان حول جملها يوم الجمل وما كان بعده فحسبنا ما رواه ابن كثير..

وأمر عليٌّ نفرا أن يحملوا الهودج ، هودج أم المؤمنين، من بين القتلى، وأمر محمدا بن أبي بكر ( أخاها وكان مع علي!!) وعمارا أن يضربا عليها قبة. صونا لها. وجاء إليها أخوها محمد: فسألها هل أصابك شيء من الجراح؟ فقالت: لا ، وما أنت وذاك يابن الخثعمية؟. وسلم عليها عمار فقال: كيف أنت يا أم؟ فقالت لست لك بأم!! قال بلى وإنْ كرهت. ( يتمسك بأمومتها ويحرص عليها)، وجاء إليها علي بن أبي طالب أمير المؤمنين مسلّما فقال: كيف أنت يا أماه؟ قالت بخير، فقال يغفر الله لك . وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون على أم المؤمنين رضي الله عنها..

وفي البداية والنهاية أيضا بعد أن وضعت الحرب أوزارها..( ثم جاء علي إلى الدار التي فيها أم المؤمنين عائشة فاستأذن فسلم عليها ورحبت به. ولما دخل علي قالت له صفية أم طلحة الطلحات: أيتَم الله منك أولادك كما أيتمت أولادي، فلم يرد عليها شيئا، فلما خرج أعادت عليه المقالة فسكت، فقال له رجل ( من سلف هؤلاء) أتسكت عن هذه المرأة وهي تقول ما تسمع؟!! فقال أبو الحسن أمير المؤمنين بحق: ويحك إنّا أُمرنا أن نكف عنهن وهن مشركات، أفلا نكف عنهن وهن مسلمات. فقال له رجل آخر يا أمير المؤمنين إن على الباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمرو أن يجلد كل واحد منهما مائة، وان يجردهما من ثيابهما..

فهل فيمن يزعم أنه من أتباع أبي الحسن من يقضي بقضاء أبي الحسن في هؤلاء السفهاء المارقين ؟ لا بد لكلمة الحق أن تُقال، ولا بد لداعي العقل أن يُجاب، ولنذكر جميعا قوله تعالى: ( وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ).

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية