كعك العيد والنساء صراع من أجل البقاء

كعك العيد والنساء صراع من أجل البقاء!

هنادي نصر الله

[email protected]

بأيديهنّ الناعمة يُصارعنّ شظف العيش وقسوة الحياة، ليوفرنّ أدنى حقوق صغارهنّ الأساسية، وليحفظنّ " كعك العيد الغزاوي " من المحاولات الرامية إلى تغيبه عن المشهد الفلسطيني في ظل الفقر والحصار والإغلاق ..

ففي مخبز " أطايب" التابع لجمعية الشابات المسلمات والذي يقع في تل الهوا ـ أو كما يحلو للكثيرين تسميته بتل الإسلام ـ تخوض عشر نساء معركةً حامية الوطيس؛ بغية تأمين متطلبات أهالي القطاع واحتياجاته من الكعك والمعمول، بحيث تنتهي العشر الأواخر من رمضان وقد أنتجنّ كمية تكفي لتوزيعها على أكثر من ألفي وثلاثمائة أسرة مستورة من رفح جنوبًا وحتى بيت حانون شمالاً..

الحركة غير عادية في المخبز، هذه تجهز خلطة الكعك، وتلك تصنع العجوة، وتلك تتفنن في عمل أشكال المعمول بدقةٍ متناهية، إنجاز ومنافسة وأجواء مرح تسود العاملات، اللواتي هجرنّ بيوتهن التي تشتكي قلة المال وانعدام مقومات الحياة؛ ليتجمعنّ وهنّ صاحبات الفقر الواحد " في مخبز أطايب" من يراهنّ وهنّ يسطرن أروع نماذج التضحية والعطاء حتمًا سيتبادر إلى ذهنه المثل القائل " الطيور على أشكالها تقع" !!

العجيب واللافت في أمرهنّ أن أجرة عمل أيديهنّ زهيدة، ومع هذا تجدهنّ شاكرات وسعيدات، والأعجب أن مصيبتهنّ مع الفقر دفعتهنّ لإنتاج المعمول ثم توزيعه على الأسر المحتاجة والتي ستتذوقه لأول مرة منذ أربعة أعوام وهي عمر الحصار المشدد المفروض على القطاع..

العاملات، يحتضنهن مشروع" انتاج وتوزيع كعك ومعمول العيد على الأسر الفقيرة والمستورة" والذي تموله الأخوات المحسنات في دولة قطر الشقيق، وتنفذه على الأرض جمعية الشابات المسلمات كبرى المؤسسات النسوية العاملة في القطاع..

راقبت عملهنّ وهنّ يصنعنّ كعك ومعمول العيد من الألف إلى الياء، أي من لحظة تجهيز مواده وحتى نضجه، وجدت أن دورهنّ لا يتوقف عند هذه المرحلة بل يتعداها ليشمل مرحلة التعبئة والتغليف ثم لصق معايدة العيد بألوانها الزاهية و الجذابة على غلاف الكعك؛ معايدةٌ بها من الكلمات الراقية والرقيقة ما يُلامس القلب والوجدان..

ثم رافقتهنّ إلى طريق توزيع ما صنعته أيديهن العملاقة، فوجدته يصل البيوت المستورة؛ وما أروعها من لحظة وما أجملها من مشاعر التكافل الإجتماعي، حين تدق السيدة العاملة بيوت أناسٍ فقراء مثلها؛ لتقول لهم " كل عام وأنتم بخير، هذه هدية العيد السعيد، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات" ..

كثيرةٌ هي أعمال التكافل الإجتماعي في غزة المحاصرة، فما أجلها من أعمال حينما تنشط في العشر الأواخر من رمضان، وما أعظمها حين تكون النساء فارساتها؛ فيقتحمنّ

الصفوف ويتقدمنّ ويبدعنّ في العمل الخيري، بغية الوصول إلى أكبر عدد من المحتاجين والفقراء والمساكين..
تخيلوا معي أجر هذه العاملة التي تنتمي ـ وكما ذكرت في البداية ـ إلى بيتٍ مستور وفقير، تخيلوا معي أجرها عند الله، وهي ترسم البسمة على شفاه أسرتها وعلى شفاه أكثر من ألفي وثلاثمائة أسرة مستورة من مختلف محافظات القطاع..

لن تغيب عنا عادات التلاحم والإنسجام، كما لن يغيب عن موائد ضيافتنا كعك أو معمول العيد ، بل سيحضران على الدوام، ما دامت نساؤنا يمتشقن سيف العطاء ليقطعنّ به رقبة الفقر وإلى الأبد..

كل عام وأنتم بخير..