مرقص مكة والمسلسل المتواصل

مرقص مكة والمسلسل المتواصل

د. ياسر سعد

[email protected]

حلقة جديدة من مسلسل متواصل ومتصاعد لا يكاد يعرف التوقف أو حتى التقاط الأنفاس، عنوانه الإساءة البذيئة للإسلام ومقدساته وحرماته، فيما يتركز موقعه في الغرب المغرم حتى النخاع بالديمقراطية وحرية التعبير، والتي تقف صاغرة كسيرة حين يهم مؤرخ أو كاتب بمجرد مناقشة بعضا من تفاصيل "المحرقة" ليتعرض بدوره لحملات من التشهير والمحاكمات والتي قد تنتهي به في غياهب السجون.

من الرسوم الكاريكاتورية إلى الأفلام الهابطة إلى الدعوة لحرق القرآن الكريم مرورا بالسخرية من شعائر الإسلام والتضييق على الحجاب وهستيريا الحرب على النقاب وأخيرا بناء وإنشاء خمارة ومرقص على شكل مسجد وإطلاق  تسمية مكة عليه. فبحسب مواقع إخبارية فلقد تم افتتاح أو إعادة افتتاح مرقص ليلي وتسميته "مكة" في مدينة مورسية بأسبانيا. وقد صمم المرقص بشكل لا يختلف فيه شيء عن أي مسجد من الخارج،  كما من الداخل حيث الأعمدة والأروقة والقباب والديكورات الشبيهة بكل ما في أي مسجد آخر بما في ذلك  ما يشبه المنبر، وهو منبر واسع بعض الشيء من أعلاه، بحسب موقع العربية-نت. وبحسب نفس الموقع فلقد صدرت في العام الماضي احتجاجات بالجملة ضد فريق أتليتيك بيلباو الإسباني المعروف حين أطلق اسم الكاتدرال )الكاتدرائية) على ملعب خاص به تم افتتاحه، فانهالت عليه الاحتجاجات من كل حدب وصوب  في إسبانيا، إلى أن ألغى التسمية في أقل من يومين على إطلاقها.

ما الذي يدفع بالحاقدين على الإسلام والموتورين إلى شن حملات الإساءة المتواصلة؟ وهل ثمة روابط بينها أو تنسيق؟ بتقديري إن الدوافع وراء تلك الحملات الرخيصة والهابطة هو الرعب الشديد من الحيوية العجيبة والتي يتمتع بها الإسلام على الرغم من الضعف الكبير والذي تعاني منه الدول الإسلامية رسميا وشعبيا. ففي حين يهجر كثير من الغربيين الكنائس ودور العبادة والتي تتعرض للبيع، نجد أن ألإسلام يشكل  الدين الأكثر انتشارا وبإقبال مثقفين وعوام من الغربيين إليه بالرغم من  الحملات الإعلامية المسعورة والتي تقصد التشويه والتزييف. كما إن ازدياد أعداد المساجد والمراكز الإسلامية في الغرب والتي لا تكاد تكفي بحاجة المسلمين المهاجرين وأبناء الجيل الثاني والثالث بالإضافة إلى المتحولين من أهل البلاد، أصبحت تشكل مصدر رعب وفزع للذين لا يؤمنون بمبدأ التعايش وحوار الحضارات حتى وإن زعموا غير ذلك.

إن من العوامل التي تشجع على ازدياد تلك الحملات وتصاعدها، غياب ردود الفعل الإسلامية الرسمية إلا فيما ندر. فلم نسمع لا بحادثة الملهى الأخير ولا بغيره بسفير دولة عربية أو إسلامية يدعو السلطات المعنية إلى احترام مشاعر المسلمين إن لم يكن من منطق أخلاقي فمن باب الحرص على المصالح المادية والتجارية. والعجيب أن الدول العربية والإسلامية تحظر وبشكل ذاتي -ظاهريا- على نفسها استخدام المصالح الاقتصادية في قضاياها السياسية بل وحتى العقائدية بما فيها قضية القدس والمسجد الأقصى، في حين تستخدم واشنطن مسألة العقوبات التجارية وتجميد الأرصدة بشكل مبالغ فيه. كما أن ما هو ممنوع

عربيا للصالح العام يستخدم للدفاع عن المصالح الشخصية للحكام العرب والمتنفذين، كما حصل في الخلاف السويسري-الليبي حول تصرفات أحد أنجال القذافي.

من الممكن لمثل هذه الأحداث المعيبة أن تشكل عامل استفزاز للشباب المسلم المتحمس والمندفع ليقوم بردود فعل تجاه هذه المرقص أو ذاك الكاتب أو ما شابه، مما قد يشكل مادة دسمة للإعلام الموجه والذي سيتحدث عن الإرهاب وعن العنف والأصولية الإسلامية، ولترتفع الأصوات مطالبة بسن القوانين والتي تشدد على المسلمين وتنتهك حرياتهم الشخصية وتضع العوائق أمامهم لإنشاء مراكز ومساجد إسلامية. هذه المسألة قد تكون هدفا أساسيا غير معلن لأصحاب تلك المشاريع المسيئة وغير الأخلاقية. تحول المسلمين إلى قوة سياسية مؤثرة في الغرب من خلال ازدياد أعدادهم وتنظيم صفوفهم وعبر الأجيال الناشئة في الغرب والتي تتكلم لهجاته وتشارك بفعالية في تركيبته العلمية والاقتصادية، أصبحت مدار خوف من اللوبيات المعادية خصوصا تلك الداعم للحركة الصهيونية واحتلالها لفلسطين. من واجب المراكز الإسلامية وأصحاب التوجيه في الغرب –برأيي- تحذير الشباب المسلم من ردود الفعل العنيفة، واللجوء إلى الوسائل الأجدى والتي تحتاج إلى تخطيط وتنظيم، مثل مخاطبة السياسيين ووسائل الإعلام والقيام بحملات تعريفية إعلامية وشعبية بالإسلام وبسماحته ورحمته.

ومع كل الأسى ومشاعر الخيبة على ما يحدث بحق الإسلام والمسلمين، فإن تلك الحملات والتي تشير إلى إفلاس أهلها، تدفع بكثير من المسلمين للعودة إلى رحاب دينهم وقد تشجع بعض الغربيين للبحث والاستفسار عن هذا الدين برحلة قد تقودهم إلى تحقيق عكس ما يصبوا إليه أولئك الحاقدون والموتورون.