دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية 6
دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية
6
أ.د/
جابر قميحةعوامل الجذب والتحبيب:
ومما حببني في دعوة الإخوان وشعبتها في المنزلة ـ غير رؤيتي للإمام الشهيد ـ وامتلاء نفسي بكلماته ـ الأستاذ إبراهيم العزبي ـ أستاذ اللغة الإنجليزية بالمدرسة الابتدائية، وهو من قرية "ميت سلسيل" مركز المنزلة. كان نحيل الجسم، متوقد الذكاء، وكان يدرس لنا اللغة الإنجلزيية، ونحن في الصف الثالث الابتدائي (إذ كانت الإنجليزية تدرس لنا ابتداء من الصف الأول،) كان يدرس لنا الإنجليزية بطريقة تربوية محببة،وكنت موضع تقديره، فلم يكن يخاطبني ويناديني إلا بـ "الأخ جابر"، وفي الفسح كنت أقصده في مكتبه، فيزودني بكلمات طيبات من مبادئ الدعوة، وخلق الإخوان . كان نحيفا ، ولكنك إذا تحدثت إليه شعرت بأنك تتحدث إلى واحد من أقوى الأقوياء ، وأبطل الأبطال.
ومن أساتذتنا في المرحلة الابتدائية الأساتذة رأفت الخريبي، شمس الدين المحلاوي، المهدي عبد الرازق قورة، طه الغوابي.
**********
وفي المدرسة كنت واحدًا في فريق تنس الطاولة "البنج بنج" وأذكر ممن كان معي في الفريق التلاميذ: إبراهيم محمد شلباية، ونسيم السعيد الشبيني، الشهير بالأسمر، ورأفت زكي البحيري (من أبو المطامير وأبوه كان طبيب مستشفى المنزلة الأميري). ويشرف على الفريق مدرس من الإخون هو الأستاذ المهدى قورة .
كنت أحب اللعبة حبًا شديدًا، ومما شدني إلى شعبة الإخوان وجود منضدة "تنس طاولة" فكنت أزاول اللعبة في الشعبة بعد انتهاء الدراسة، وغالبًا ما كانت مبارياتي مع العامل الأخ محمد حسن عساسة.
**********
ومما شدني كذلك إلى شعبة الإخوان مكتبة كانت تلبي هوايتي في القراءة . وكنت – من صغري – بحمد لله " مريضا " بحب القراءة . وقد شجع فيَّ هذه الصفة الأستاذ عبد الرحمن جبر صاحب المدرسة الخديوية الابتدائية ومديرها ، ورئيس منطقة الإخوان بالمنزلة ، وكان يمدني – هو وابنه محمد ـ بكتب مكتبة مدرسته على سبيل الإعارة .
وكان للأخ عبد الحميد الزهرة، دور كبير في حبي للدعوة وشعبة المنزلة، كان شخصية متكاملة خلقًا، وسلوكًا، والتزامًا، وكنت أصحبه في زيارته لشعب القرى التابعة للمنزلة.
يعلّم إخوانها واجبات الأخ الجوال، و "مارشات" الموسيقى التي تنظم مسيرات الجوالة، وقد علمني الأخ عبد الحميد "مارش البحارة" الذي ما زلت أذكره حتى الآن.
ونعتبر - نحن طلاب المرحلة الابتدائية، والمرحلة الثانوية ـ الجيل الثاني في قسم الطلبة ـ أما الجيل الأول فيتمثل في طلاب الأزهر والجامعات، وهم بالطبع يكبروننا سنًا، ومنهم الإخوة: أحمد عبد العظيم السودة، خليل أحمد حال، شلبي أبو رزق، توفيق العبد، إبراهيم حسن الشبلي ـ عبد العزيز أحمد حال، عبد الحليم الخريبي , وسيد أحمد البواب (الشهير بخليفة) .
أما مجلس الإدارة وكبار الإخوان في الشعبة فإنني أذكر منهم :الأساتذة عبد الرحمن جبر، صاحب المدرسة الخديوية الابتدائية الحرة، وكان رئيس منطقة الإخوان (التي تضم شعبةالمنزلة وشعب القرى التابعة لها) كالبصراط، والجمالية، والعزيزة’ وميت خضير، والجديدة،والفروسات، و منهم الشيخ كامل الخريبي "والد أسامة شاعر الإخوان بالمنزلة" ومحمد قاسم صقر، وتوفيق عبد الرازق قورة (الشهير بحامد) وحامد سيد أحمد منيسي، وفهمي الخياط، والدكتور يوسف باشة، والطبيب بيطري عبده حمزة فراج، وأحمد سليمان زين الدين، وأغلبهم خطباء ودعاة متميزون، ومنهم تعلمت الخطابة ارتجالاً قبل التحاقي بالمرحلة الثانوية.
ومن أنشطتنا - نحن الطلاب في هذه المرحلة وأوائل المرحلة الثانوية - إجراء مباريات في كرة القدم مع فرق الإخوان، بالقرى والبلاد الأخرى، منها منية النصر، والدراكسة (مركز دكرنس دقهلية) . ومن نجومنا في هذه المباريات الحسيني حسن النجار (حارس المرمى)، وأحمد صالح العلمي، وطاهر عباس عنين، ومحمد علي حسان.
وفي هذه الرحلات الرياضية ـ زيادة على الفوائد المباشرة ـ فوائد دعوية و معنوية منها توثيق عرى المحبة والأخوة بيننا وبين إخوان البلاد الأخرى.
ومن طرائف هذه الفترة أننا شكلنا مجموعة أطلق عليها فرقة "فرسان الحمير" وهي من ثمانية طلاب ـ كانت تقوم أسبوعيًا بزيارة شعبة من شعب الإخوان في القرى المجاورة للتعارف وتبادل المعرفة والرأي في مبادئ الدعوة، وجهود الإخوان، والجديد من الأحداث، وتوثيق رابطة الإخوة بينا.
واستخدام الحمير للوصول إلى هذه الشعب كان هو الحل الوحيد؛ لأن الطرق الموصلة إليها أغلبها لا يتسع للسيارات. كما أن "الحمير" متوافرة "لفرسانها" لأن آباء الفرسان كانوا تجارًا فلكل منهم ـ لا أقول حمارً واحدً - ، ولكن عدد منها لزوم التجارة ومشاوير التعامل مع القرى المجاورة.
ومن الطرائف أنني كنت أوثر ـ من حمير الوالد والأسرة ـ حمارًا طويل القامة، عريض الظهر، وكان رئيس منطقة الإخوان الأستاذ عبد الرحمن جبر يسميه الأتوبيس، والسبب أنه وثلاثة من أعضاء مجلس الإدارة احتاجوا حميرًا، لزيارة بعض الشعب في القرى المجاورة، لتفقد أحوالها، فأعرناهم من حمرنا. وخصصت أستاذنا بحمارنا (العالي) , ولكنه لم يستطع ركوبه إلا بمساعدة من اثنين من الإخوان . فضحك، وقال "الله.. أنتم مركبني الدور الثاني ليه؟" جرى إيه يا جابر، أنا كنت عايز حمار تقوم تجيب لي أتوبيس؟!!.
وكان يلذ لنا السير على الأقدام طويلاً. ولكننا لا ننسى ـ ونحن طلاب في المرحلة الثانوية ـ رحلتنا سيرًا على الأقدام من المنزلة إلى المنصورة (قرابة ثمانين ميلاً) . ولم نسترح إلا قرابة نصف ساعة في شعبة الإخوان (بميت عاصم مركز دكرنس) , ثم واصلنا السير إلى شعبة الإخوان بالمنصورة (وكانت تقع في حي ميت حدر) , وكان لقاء طيب في جلسة روحية إيمانية مع الداعية الإسلامي الأستاذ محمد العدوي ـ رحمه الله ـ ولنا عودة بتفصيلات في صفحات قادمات إن شاء الله.
وأختم هذه الحلقة بحديث قصير عن الاستاذ عباس عاشور المدرس بالمدرسة الابتدائية، لقد كان عاشقًا للتمثيل تأليفًا، وإخراجًا، وشكل فريقًا للتمثيل بالمدرسة كنت واحدًا من أعضائه، وكذلك نسيم أحمد حال (الدكتور نسيم حاليًا) والسيد زكي الموجي (رحمه الله) , وحظيت المسرحية واسمها :( الصياد المحسود) بشهرة كبيرة جدًّا على مستوى المنزلة والقرى المجاورة لها.
وفي العطلة الصيفية، أقامت شعبة العصافرة (مركز المنزلة حفلاً تمثيليًّا كبيرًا) كانت ضمن فقراته الأساسية مسرحية "الصياد المحسود" . وقد أديناها أداءً فائقًا حاز إعجاب الحاضرين حتى إن الأخ الفلاح الرفاعي حرات أطلق طلقة من بندقية الخرطوش المرخصة، وأخذ يهتف من فرط إعجابه وحماسته الله أكبر ولله الحمد.. الله غايتنا.. والرسول زعيمنا.. والقرآن دستورنا.. الخ.
لقد كانت سنوات المرحلة الابتدائية الأربع هي فترة الجذب، والتحبيب، والتأسيس، والإعداد، فحلت دعوة الإخوان، وشعبة الإخوان في السويداء من قلبي، وبلغ من حبى للإخوان أننى طبعت بطاقات شخصية " كروت" كتب فيها : جابر المتولى قميحة طالب ومن الإخوان المسليمين . وأفدت كثيرًا من المعارف العامة، والمعارف الإسلامية، وتزودت بطاقة نفسية طيبة جدًّا، وجرأة في الخطابة، ومواجهة الجماهير.
ومن ثم جاء انطلاقي بعد ذلك في مجالات الدعوة وغيرها امتدادًا طبيعيًا لهذه المرحلة، جاء بحمد الله على نحو أوفى، داعية، وكاتبًا، وشاعرًا.