جماعة الإخوان المسلمين هل هي قابلة للحل
جماعة الإخوان المسلمين
هل هي قابلة للحل؟!
زهير سالم*
(1 من
أصبح الحديث عن حل جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وفي العالم أيضا، حديثَ بعض الجادين ومخاضة الكثير من الخائضين. وكأن هذه الجماعة شركة تجارية، أو مبرة خيرية، أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني العارضة للسكون، أو حزب سياسي نواته شخص أو مصلحة ضيقة، أو طبقة من الناس في فنون تصنيف الطبقات المختلفة.
وتختلف بواعث الداعين إلى حل الجماعة البعض يرى في الحل تنفيذا لحكم بالإعدام صدر على الجماعة، منذ أن سيرت كتائبها للدفاع عن فلسطين سنة 1948، فاغتيل مرشدها الأول، وبدأت الملاحقات والمصادرات بحقها. وبعضهم يرى فيه قطعا للطريق على موكب النور الذي يبدد دياجير الظلمة، ويهدد مواخير الفساد السياسي والاجتماعي بأشكاله، فهذه الجماعة ما زالت رغم مرور قرن تقريبا على تأسيسها ورغم المحن والجراح، كالنبع الدفاق يجتاح الشوك وينفي الغثاء. والبعض يرى في حل الجماعة مخرجا من أزمة مفروضة مستحكمة، وآخرون يظنون من خلال تقويم عابر أن مشروع الجماعة وصل إلى طريق مسدود وأن الحل يشكل المخرج المأمول. يقول فريق آخر يقتله التشاؤم إن إكرام الميت دفنه. و يقترح البعض الحل كجسر يعبر عليه جسم الجماعة البشري إلى ما يسميه الشرعية والحرية والأمن والعمل المجدي، حسب تصور أصحاب الطرح العتيد للجدوى التي تقاس بمقاييس ضيقة، تحاصر المشروع المفتوح على الزمان والمكان والناس في هدف محسوب مضيق ، ينادي عليك: أجب، بلا أو بنعم، أنجزت أو لا ؟!
وليس من هدف هذا المقال أن يحاسب الناس على نياتهم. موافقين أو مخالفين، سواء طرحوا مشروع ( حل الجماعة ) على سبيل الرؤية والنصح والإشفاق والبحث عن مخرج، أو طرحوه على سبيل التشفي والنقمة والمبالغة في الأذى والكيد أصلا للإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة. سنتفرغ هنا لمناقشة ( مشروع الحل ) من حيث القابلية والإمكان والجدوى، وسنتوقف بعد كل ذلك عند الخطر الذي يمثله غياب هذه الجماعة الراشدة، إن أمكن تغييبها أصلا، عن الميدان.
بل إنني أزعم سلفا أن الساحة العامة في العالم العربي والإسلامي أحوج ما تكون في هذا العصر إلى ( جماعة الإخوان المسلمين ) منهجا وفكرا وسلوكا وطريقة أداء، وأستبق لأقول أيضا إن البديل عن جماعة الإخوان المسلمين بديل مخيف مما يحذره ويحذّر منه الجميع على السواء..
جماعة الإخوان المسلمين: ماهية ووجود
إذا نحينا قليلا الفكر الوجودي الذي قرر أن الوجود سابق على الماهية، فأننا نستطيع أن نؤكد أن جماعة الإخوان المسلمين كفكر ومنهج ظلت عبر تاريخ الإسلام مصاحبة لدعوته. وأن الجماعة الراشدة التي أسسها الإمام الشهيد حسن البنا في مصر، وتابعه عليها الدكتور مصطفى السباعي وإخوانه في بقية الأقطار، ما هي إلا إحدى التجليات المعاصرة للفهم الإسلامي الجامع والوسطي المعتدل، الذي رافق رجال الفكر والدعوة والإرشاد على مدار تاريخ الإسلام. فأنت تجدها في كل عصر في لبوس، وتتابعها في كل قرن مشروعا لداعية مسلم مجدد يأخذ بأيدي المسلمين، كما فعل الإمام البنا في عصره بالضبط ليضعهم على المحجة البيضاء الواسعة التي لم تضق يوما بالسالكين..
الحقيقة الأولى أن هذه الجماعة وُجدت مع الإسلام ، وستبقى ما بقي الإسلام موجودة؛ لأنها الفهم الأوفى الذي يُشتق من جملة تعاليمه النيرة، فتقوم عليها أمة من المسلمين تأخذ نفسها بقوله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. )
الحقيقة التي تشتق من هذه المقدمة أن هذه الجماعة كما قال عنها مؤسسها رحمه الله تعالى: نور يسري في هذه الأمة، وهي في هذا المستوى من مستويات الوجود تبقى أكبر من التجسد الزماني والمكاني والبشري. تبقى الجماعة في حالتها هذه أكبر وأجمع وأوفى من أي إطار يمكن أن تحاصر فيه، وتبقى بالتالي كما نزعم غير قابلة للحل ولا للنفي ولا للإبعاد لأنها كعشب الأرض الطيبة لا يحتاج في نموه وانتشاره وامتداده وخضرته لا إلى إذن ولا إلى تقنين وترخيص.
وكما كانت الجماعة موجودة بماهيتها وحقيقتها وفكرها ومنهجها قبل التأسيس ستبقى هذه الجماعة باقية كذلك رغم قوانين الإعدام والمصادرة والملاحقة والسجن والاعتقال والتشريد. لقد اختصر الإمام الشهيد رحمه الله تعالى التعبير فجعل اسم ( الإخوان المسلمين ) تعبيرا عن حالة محددة في عالم العقائد والأفكار والمناهج، وفي ميادين السياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد.
فما أن ينطق المرء بأفكار هذه الجماعة حتى يشار إليه بها، ويحسب عليها فإذا هو شاء أو أبى من الإخوان المسلمين.
في أقطار عربية وإسلامية عديدة نشأت حركات وجماعات وأحزاب تحمل أسماءها المستقلة، ومنطلقات تأسيسها الخاصة؛ ولكنها ما أن تأسست حتى أُلحقت حسب مناهجها وأفكارها بجماعة الإخوان المسلمين، فذُكرت بها وحُسبت عليها...
أنا أصارع فأنا موجود:
كثيرون يتعبهم طول الطريق، وتضنيهم وعثاءُ السفر، فيتساءل أحدهم أما لهذا السفر من غاية؟ ويتأفف الآخر: متى نصل فنستريح؟ يتمثل ثالث بقول شاعر:
وألقت عصاها واستقرت بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
ليتذكر هؤلاء أن هذه هي طبيعة الطريق. وأن السالك على طريق الله لن يلقي عصاه حتى يحظى بمقولة المصطفى صلى الله عليه وسلم، في راحة صاحب الرسالة الجاد عندما تسقط من يده العصا ( فكالغائب يقدم على أهله ).
منذ أوائل الستينات دخلنا في صراع حقيقي ومباشر مع الحزب الحاكم في سورية. ذهب حزب البعث بالسلطة وبملحقاتها وظفرنا بالسجن والاعتقال والتشريد والقانون 49/ 1980 وتطبيقاته العملية كما وثقها وزير الدفاع مصطفى طلاس.. واليوم نحن قادرون بعون الله وفضله إلى دعوة حزب البعث إلى البراز عبر صندوق الاقتراع، وهو يزعم أن عدد منتسبيه بالملايين، ولكنه ما زال يرفض بل يخاف الاحتكام إلى صندوق اقتراع حقيقي!! فاعتبروا يا أولي الأبصار. هل كنا نحرث البحر؟! أو حقا نحن نتحرك في أفق مسدود؟!
تأكل الأرضة صحيفة قريش القاطعة الظالمة وتُبقي منها فقط ( باسمك اللهم ). ليمثل المشروع الإسلامي تحديا حقيقيا لمشروع الإفساد والاستلاب العالميين، كما لمشروع الاستبداد والفساد المحليين، الشمس تشرق، والأرض تدور، والمعطيات تتغير، ألا تعجب ممن يحدثك أو يخوفك من الطريق المسدود!! لتبقى طريق الدعوة آفاق ممتدة أمام السالكين . نعم شاقة وصعبة وطويلة ومنهكة رحلة ( السيمرغ ) ولكنها تصل بك في النهاية إلى حظيرة القدس. لا يُغلق في وجه سالك يريد أن يسير طريق. والجنائز وحدها هي التي يُسار بها إلى حيث لا تريد.
ومع أنه دائما لا مشاحة في المصطلحات ولا في العناوين والأسماء. و مع أن سالك طريق الحق مما لا يضيع على نفسه أو دعوته فرصة حقيقية ، إن أمكن اقتناصها. إلا أنه لا يتخلى عن مربع من مربعات وجوده مهما بدا هينا دون صراع وقراع لأن الصراع في حقيقته تعبير عن الوجود وعن الحياة..
يمنينا الكثيرون بالحالة التركية، وبحصادها وجناها.. ولكنهم لا يقدرون أن أمام العاملين الأتراك مائة عام من الصراع ليصلوا بالحجر الذي يرفعونه من قرارة الوادي إلى مستوى نقطة البداية التي ينطلق منها العامل المسلم على أرض الشام!!
الحل في العزيمة على الرشد.. وليس في الحل
(2 من 3)
كان المقدر لهذا المقال أن يمضي لغايته بمناقشة دعوات القوى الخارجية لحل جماعة الإخوان المسلمين. وإمكانية ذلك بما تعبر عنه الجماعة من وجود حيوي ضارب في الفكر والثقافة والمجتمع، وانعكاسات الحل على الخارطة الدينية والسياسية في المنطقة والعالم.
ولكن ما وصلني من تعليقات وتفاعلات مع المقال يجعلني محتاجا إلى محطة إضافية لمزيد من التوضيح. ولعل من القضايا التي علقت في أذهان بعض المتابعين الفضلاء هو ما ختمت به المقال من الإشارة إلى الفرق بين نقطتي البداية في كل من الشام وتركية. هذه الإشارة لم تقصد إلى المقارنة بين التجربة السورية والتجربة التركية. وكذلك لم تهدف إلى النيل من التجربة التركية، كيف وأنا قد كتبت كثيرا مزينا الاستفادة منها، ليس في شروطها التفصيلية التي تخص أهلها، وإنما في روحيتها العامة، في تمثل الواقع والاستفادة من معطياته قدر الإمكان. ما جاءني من تعليقات حول الحمية المبالغ بها للتجربة التركية ربما يحتاج هو الآخر إلى وقفة للحوار ربما تجد فرصتها في مقال قادم..
من أهم الأفكار القيمة التي أنضمُ إلى أصحابها مؤكدا عليها، فكرة المراجعة الدائمة للأفكار والوسائل والأساليب. أؤكد أن هذا مطلب يعمل عليه جيل من الإخوان. وأضيف أن حظ جماعتنا من المراجعات الإيجابية عبر المرحلة السابقة كان متقدما، فتحررت من الخطاب الطائفي، ومن الخطاب العدمي، وأصدرت ميثاق الشرف الوطني، كما أصدرت مشروعها السياسي، وأوراقها المعتمدة في العديد من القضايا العامة المطروحة على الساحة. وكان كل ذلك مراجعة حقيقية بمفهوم إيجابي بنّاء. وأعتقد أن قدرة جماعتنا على التوافق على هذا الحجم من الأفكار بسوادها العام على مستوى الصف ومستوى المؤسسات شكل إنجازا لا يقل في حقيقته عن أهمية الإنجاز الأصلي . ومع تأكيدي على أهمية ما تم من مراجعات إيجابية، فإن باب المراجعات السلبية عندنا ظل مغلقا. نحن صححنا الخطأ ولكننا لم نشر إليه، لم نقل أين أخطأنا؟ وكيف أخطأنا؟ ولماذا أخطأنا؟ هذا بالطبع عند من يقر بوجود خطأ منا. وربما لأننا مختلفون حول تقويم الخطأ سهل علينا تجاوزه وصعب علينا التوقف عنده. وأنا ممن يلتمس لهذا الموقف بعض العذر ، فنحن في التقويم العام ما زلنا في محنة، وجرحنا ما زال مفتوحا، وإن لم يكن نازفا، وآخر تعليق قرأته اليوم على مقالي السابق، أخ يكتب قتلوا أبي أختي أخي..وهو أنموذج للعديد من الإخوان. العبث بالجراح ليس سهلا. ثمة سبب ثالث يجعل مراجعاتنا السلبية محل نظر هي أنك عندما ستعترف بنصيب محدود عن مسئولية فعل ما ستجد المسئول الأول قد قلب المعادلة عليك، وهو بإمكاناته أقدر على التوظيف، وسيقول انظروا فقد اعترف، ويجعل من الاعتراف بالمسئولية المحدودة صك غفران عن مسئوليته الأصلية والكاملة والصادرة من موقع القدرة مع سبق الإصرار والتعمد كما يقول الحقوقيون.
تأكيدا أقول أنا مع استمرار المراجعات الإيجابية. وكلما نظرنا في المرآة فأصلحنا من هيئتنا كان خيرا لنا. بعض الإخوان ينتظر ثمنا لأننا سرحنا الشعر- لمن كان له شعر منا – أو شذبنا اللحية. وربما يظن البعض أننا نغيظ العدا أكثر إذا كنا شعثا غبرا كالحين..
ولست ضد المراجعات السلبية ولكنني أراها تحتاج إلى مزيد من الحكمة والأناة وحسن الإخراج.
إذن أخلص إلى أن تساؤلنا هل جماعة الإخوان المسلمين قابلة للحل لا يتعارض مع مطلب المراجعة الدائمة للمواقف والأهداف المرحلية والأساليب والآليات، بل إن هذه المراجعة شرط من شروط الاستمرار والبقاء..
فكرة الطريق المسدود أخذت حظها في المقال السابق. ومع كل الاحترام لعدد غير قليل تناوبوا الفكرة وأنا قرأتهم باهتمام: أقترح على الواحد منهم أن يقف في ساعة قلق أو ساعة صفاء أمام المرآة فيسأل نفسه: ماذا تريد ؟ يطرح على نفسه السؤال مرارا ويعطي عقله الفرصة كي يجيب..أحيانا لو جمعت تعليقات أحد الإخوان خلال شهر على محور من القضايا واحد لشعرت بغياب ناظم الاتساق.
الطريق ليس مسدودا وآفاق العمل مشرعة، عند إخواننا من أهل دير الزور مثل يقول والعهدة عليهم: (فلان يريد أمه ويريد حلب ) طبعا هذا الذي يمكن أن يشعر بانسداد الطريق. حلب حلوة خضرة وحضن الأم دافئ وحنون فماذا تريدون
أعتقد على نحو ما أن الاختلاف حول فكرة المقال، الذي كان في سياق تقويم لمكانة جماعة الإخوان المسلمين الدعوية في تاريخ الإسلام، والتي ربما يجد بعض الإخوة ملامحها في كتاب مولانا أبو الحسن الندوي (رجال الفكر والدعوة في الإسلام) بجزأيه؛ أقول أعتقد أن الاختلاف إنما نشأ ربما عن اختلاف في تصور الجماعة نفسها.
يقول الأصوليون الحكم على الشيء فرع عن تصوره. وأنا عندما قدمت للمقال الأول بالحديث عن الشركة التجارية أو الجماعة الضاغطة أو الحزب السياسي.. إنما أردت أن أنوه بمثل هذا، فما أيسر أن تحل مثل هذه المؤسسات. والأخوة الذين استشهدوا بأن الجماعة قد حلت سنة 1958 شاهدهم عليهم لو استقصوا التاريخ. صدر قرار الحل ولكن الجماعة لم تُحل بقيت الجماعة وجودا حيا، ودخلت انتخابات وكانت جزء من الحراك السياسي يحسب حسابه على نحو ما. كان عمري أحد عشر عاما عندما جرت انتخابات الاتحاد القومي وأحفظ العديد من مرشحي الجماعة الذين نجحوا وأذكر كيف انقلب عبد الناصر على الاتحاد القومي لأن الرجعية تسللت إليه..
أما جماعة الإخوان المسلمين القائمة في قلبي وعقلي والتي ما أزال أؤمن أنها غير قابلة للحل فقد تعرفت عليها أولا في شخص عالم رباني نسأل الله له الرحمة والغفران. تعرفت عليها في بهاء الشيخ عبد الفتاح أبو غدة وأنا ابن بضعة عشر، جلست في مجلسه متعلما، حضرت خطبه مقارعا للظلم والاستبداد والفساد، ما سمعت منه يوما ينطق لغوا أو يقول هذرا، وما صاول أحدٌ مدة بقائه في حلب مثلَ مصاولته، اعتقلوه ليلة جمعة، ومروا به على مكاتبهم تهديدا ووعيدا فخرج على منبر اليوم التالي يردد قول خبيب بن عدي :
ولست أبالي حين أُقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي
كان في كل يوم جمعة له خطبة من جميل البيان، وعذب الكلام، وبديع الحكمة، تسر الصديق وتغيظ العدا، علمنا من منطقه القوة من غير عنف والشدة من غير فحش، والحكمة في موضع الحكمة, صعد المنبر يوما وقد سرت في مدينة حلب ريح دخيلة صفراء، ظن أصحابها أن الدهر واتاهم ، فشرح ووضح وأنذر وحذر ثم قال وعليهم أن يعلموا أن هذا الذي يُطمِعُهم فيه أنه صاحب كاس وطاس اسمه محمد واسمه أمين واسمه حافظ..
تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين، التي أقول إنها لا تقبل الحل، من روائع الشيخ الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله وأكرم نزله ومثواه، الرجل الذي كان يكتب بدم قلبه وحرقة أعصابه وبنور بصيرته ، وهذه افتتاحيات الحضارة اقرؤوا منها ما شئتم ثم عودوا إلي فأنا ما أزال أعود إليها كما كنت أنتظرها على باب المكتبة الموكلة بتوزيعها، مصطفى السباعي الذي غادرنا في مثل عمر الإمام النووي؛ كان قائما على تأسيس كلية الشريعة، ومتحملا مسئوليته النيابية والسياسية مدافعا عن الإسلام مع إخوانه نائبا لرئيس البرلمان، وقائما بالحق والإبداع على مجلة حضارة الإسلام، وراعيا أمينا وفيا لجماعة الأخوان المسلمين، ومؤلفا للمرأة بين الفقه والقانون، ومن روائع حضارتنا والفرائد وهكذا علمتني الحياة وشاعر:
احملوني إلى الحبيب وروحوا واطرحوني ببابه واستريحوا
كان السباعي لأبناء جيلنا منهلا عذبا صافيا تنغمس كلماته مع تكوين خلايا أدمغتهم أو تصطبغ بجيناتهم فإذا هي تنادي كما أنادي:
وأي العيش يصلح بعد بكر
تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين من الصوت الرزين للأستاذ عصام العطار حفظه الله وأمتع به وأجرى على يديه الخير للمسلمين..
وكنا الأسبوع بعد الأسبوع ننتظر شريط تسجيل يحمله قادم من دمشق، بصوت يجلجل بالحق، يخلخل ثقافة البهتان ، ويتصدى لتخرصات المتخرصين الكائدين، نستمع إليه فما نسمع منه إلا فصوص الحكمة وفصل الخطاب، تتعلم من الأستاذ عصام أن شرط الكلمة أن تليق بقائلها وليس فقط أن يستحقها من تقال فيه. ينبع من سمو ألفاظه جلال معانيه، فيقول لكل مدعيّ الثقافة والعلم والتشريق والتغريب هذه سماء دعوة الإسلام..
نلتقي يوم لم يكن يملك جهاز تسجيل من الإخوان إلا أحاد، يتكرم أحدهم فيستقبلنا : فنجلس كأن على رؤوسنا الطير نلتقط أطايب العلم وأطايب الحكمة وأطايب الثمر، ونخرج بهمة قعساء كل واحد فينا عَرابة الأوسي يريد أن يبتدر راية المجد بيمين..
إذا ما راية رفعت لمجد تلقفها عَرابة باليمين
ما أزال أحفظ بنبرة صوته الهادر دائما بالخير يعلمنا شرط صحة الطريق: إيمان بالمبادئ وثقة بالقيادة.
تمكنت من حب الإخوان المسلمين على يدي أخي الكبير وأستاذي ومعلمي الخير الأخ الحبيب علي صدر الدين البيانوني..
صحيح أنني أتعبته، وصحيح أنني كنت تلميذا مشاغبا وأحيانا مشاكسا، ولكن جرعات الحكمة والخير التي تعلمتها منه خلال بضعة عشر عاما كانت لا حدود لها. كنتُ أحيانا أستمتع كصوفي بمراقبته في أفق الصبر على الأذى، وأحيانا أتملاه في موقع الشفقة على القاصية يخاف عليها الذيب، ولو قدر ما ترك في الإخوان قاصية، تعلمت منه التوكل على الله والرجوع إليه في الأمر كله، وأن علينا أن نعمل وأن نصبر وأن نحتسب..
لا أستطيع أن أصف حرصه على الاستفادة من كل ورقة أو اقتراح أو رأي يتقدم به قريب أو بعيد من إخوانه..
تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين...
في شخص أستاذي الأستاذ أبو عمار فاروق بطل..
حبا لإخوانه، وحرصا على جماعته، ودأبا وتضحية ومتابعة، وبحثا عن الطاقات والإمكانات والحدب عليها، ورعايتها وتوظيفها في خدمة هذه الدعوة. طرق علي الباب سنة 1975 وقال تقف قلمك على طريق الله؟. قلت وأنا ابن ثمان وعشرين هو لله.. ومازلت على العهد أخي الكبير نسأل الله أن يثبتنا بقوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة..
تعرفت على جماعة الإخوان المسلمين التي أؤكد لكم أنها غير قابلة للحل..
في شخص أستاذي الأول ومرشدي الذي بسط علينا جناحه ونحن فتية زغب الحواصل في حينا في حلب الشهباء، الأستاذ الداعية الخفي النقي معلم الخير مربي الرجال الأستاذ نديم فاضل..
الذي أخذ بأيدينا وحنا علينا وعرّفنا على هذه الجماعة نبلا وسموا وترفعا وثقافة واستعلاء وحبا وإيثارا وكرما وفكرا وعقيدة وسلوكا وتضحية ومواظبة.. خمس سنوات في ظل شجرة الياسمين بجانب البحرة الصغيرة، في منزله أو منزل والده البديع، قرأنا معا سيد قطب وفهمناه بفضله حبا وألفة ودعوة للجمع والجذب وليست للتفريق والنبذ، وقرأنا القرآن وفسرناه وقرأنا كتب الأدب والشعر والبلاغة، فكان صاحب الفضل وهو يعطيك يده لكي تستقيم على ساقيك ليكون كل ما كان بعد بعض فضله وجني غرسه..
تعرفت على دعوة الإخوان المسلمين التي لا تقبل الحل في التوكل قرأته على وجه فلاح على خارطة الإسلام، والإتقان خطّته أنامل عامل صناع، والصدق في منهج تاجر، والجدية في سلوك طالب، والشفقة في صوت معلم، والدفاع عن الحق في نبرة عالم...
كل هؤلاء علموني أن دعوة الإسلام باقية ومن هنا أعيد التأكيد أن جماعة الإخوان المسلمين غير قابلة للحل. هذه هي الحقيقة فأين عنها تذهبون؟!
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية