حال بعض المعتكفين

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

ذكر بديع الزّمان الهمذاني – رحمه الله - في مقاماته ( المقامة الرَّصافية ) عن محدِّثه الوهمي عيسى بن هشام أنه مر على أحد المساجد بقصد الهروب من حرّ الظّهيرة فوجد أُناساً قد اتخذوا المسجد مكاناً للحديث ورواية القصص ! فكان من ضمن ما سمعه من حديثهم أنهم استطردوا في تقصي حِيّل وشطارة اللصوص , فقال عنهم : (( فذكروا أصحاب الفصوص من اللصوص , وأهل الكف والقف ، ومن يعمل بالطّف ، ومن يحتال في الصّف ، ومن يخنق بالدّف ، ومن يكمن في الرّف ، إلى أن يمكن اللّف ، ومن يبدل بالمسح ، ومن يأخذ بالمزح ، ومن يسرق بالنّصح ، ومن يدعو إلى الصّلح ، ومن قمّش بالصّرف ، ومن أنعس بالطّرف ، ومن باهت بالنّرد ، ومن غالط بالقرد ، ومن كابر بالرّيط ، مع الإبرة والخيط ، ومن جاءك بالقفل ، ومن شق الأرض من سُفل ، ومن نوّم بالبنج ، أو احتال بنيرنج ، ومن بدّل نعليه ، ومن شدّ بحبليه ، ومن كابر بالسّيف ، ومن يصعد في البير , ومن سار مع العير ، وأصحاب العلامات , ومن يأتي المقامات , ومن فر من الطّوف , ومن لاذ من الخوف , ومن طير بالطّير , ومن لاعب بالسّير .. الخ )) .

هذا هو حال البعض من المعتكفين وغيرهم في المساجد , ولعل سبب كتابة الهمذاني لهذه المقامة أنه لاحظ هذا الأمر في زمانه فساق هذا الكلام كالمقامة أدبية . فالكثير من الناس اليوم يجعلون أغلب أوقات اعتكافهم في الحديث عن البيع ، والشّراء ، والزّراعة ، وأسعار العُملات ، ورواية الذّكريات ، والضّحك ، والمزاح إلى غير ذلك ، بحيث يذهب عليهم وقت الاعتكاف في غير فائدة ، بل البعض يتكبدون المشاق ورحلة السفر إلى أحد الحرمين الشريفين , من أجل الاعتكاف والصلاة والعمرة ، ومع هذا لا يغتنمون الأوقات في الأماكن الفاضلة التي شدوا الرّحال من أجلها !

نعم ، الحديث في أمور الدُنيا داخل المساجد رُخِّص في اليسير منه ، مثل تبادل السّلام ، والسّؤال عن الحال ، وأشباه هذا مما لا يطول الكلام فيه ولا يذهب روحانية المكان .

نقل الحجَّاوي صاحب ( الإقناع ) عن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - أنه قال : (( لا أرى لرجُلٍ أذا دخل المسجد إلا أن يُلزم نفسه الذِّكر والتَّسبيح فإن المساجد إنمّا بنيت لذلك وللصّلاة فإذا فرغ من ذلك خرج إلى معاشه )) .