وجاء دور الإسلام 5
وجاء دور الإسلام 5
العرب قبل الإسلام
د. فوّاز القاسم / سوريا
أما العرب فقد امتازوا بين أمم العالم وشعوبه في العصر الجاهلي بأخلاق ومواهب تفردوا بها أو فازوا فيها بالقِدْح المعلَّى ، كالفصاحة ، وقوة البيان، وحب الحرية ، والأنفة ، والفروسية ، والشجاعة ، والحماسة في سبيل العقيدة ، والصراحة في القول ، وجودة الحفظ ، وقوة الذاكرة ، وحب المساواة ، وقوة الإرادة ، والوفاء ، والأمانة .
ولكنهم ابتلوا في العصر الأخير- لبعد عهدهم من النبوة والأنبياء وانحصارهم في شبه جزيرتهم وشدة تمسكهم بدين الآباء وتقاليد أمتهم - بانحطاط ديني شديد ووثنية سخيفة قلما يوجد لها نظير في الأمم المعاصرة ، وأدواء خلقية واجتماعية جعلت منهم أمة منحطة الأخلاق ، فاسدة المجتمع ، متضعضعة الكيان ، حاوية لأسوأ خصائص الحياة الجاهلية وبعيدة عن محاسن الأديان .
فلقد كانوا يشركون بالله ، ويعبدون مع الله آلهة أخرى ، من أصنام وملائكة وجنّ وكواكب وغيرها ...
وأما من جهة الأخلاق ، فكانت فيهم أدواء وأمراض متأصلة ، وأسبابها متفشية . فكان شرب الخمر واسع الشيوع ، شديد الرسوخ فيهم ، ويتحدث عن معاقرتها والاجتماع على شربها الشعراء والخطباء ...
وكذلك الربى ، فقد رسخ فيهم ، وجرى منهم مجرى الأمور الطبيعية ، حتى صاروا لا يفرقون بينه وبين التجارة الطبيعية ، وقالوا إنما البيع مثل الربا ...
وأما الزنى فلم يكن مستنكراً استنكاراً شديداً ، فكان من العادات أن يتخذ الرجل خليلات ، وتتخذ النساء أخلاء بدون عقد ، وكانوا يُكرهون فتياتهم على البغاء ليأخذوا أجورهم كما حكى القرآن عنهم ...
وكانت المرأة في المجتمع الجاهلي عرضة غبنٍ وحيف ، تؤكل حقوقها ، وتُبْتز أموالها ، وتُحرم إرثها ، وتُعضل بعد الطلاق أو وفاة الزوج من أن تنكح زوجاً ترضاه ، وتورث كما تورث الدابّة والمتاع ، ولقد وصل بهم الانحطاط إلى حدّ وأد البنات وهنّ أحياء .!!!
وكانت العصبية القبلية والدموية فيهم شديدة جامحة ، وكان أساسها جاهلياً تمثله الجملة المأثورة عن العرب : ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )) فكانوا يتناصرون ظالمين أو مظلومين .
وكانت في المجتمع العربي طبقات وبيوت ترى لنفسها فضلاً وامتيازاً على غيرها ، فتترفع على الناس ، ولا تشاركهم في عادات كثيرة حتى في بعض مناسك الحج...
وكانت الحرب والغزو مما طبعت عليه طبيعتهم العربية ، وألهمتهم إياه معيشتهم البدوية ، حتى صارت الحرب مسلاة وملهى لهم ...
ولقد هانت عليهم الحرب ، وكانوا يريقون فيها أنهاراً من الدماء ، من أجل فرس أحياناً ( داحس والغبراء ) ، بل من أجل ضرع ناقة ( البسوس ) ...!!!
وكانت الحياة كلها شبكة محبوكة من غارات وثارات ، فشت حبائلها في القبائل وأوصى بها الآباء والأبناء ، وحملت العيشة البدوية وقلة أسباب الحياة ، والطمع، والجشع ، والأحقاد ، والاستهانة بحياة الإنسان ، على الفتك والسلب والنهب ، حتى كانت أرض الجزيرة كِفة حابل ، لا يدري الإنسان متى يُغتال ، وأين يُنهب . حتى كان الناس يُتخطفون من بين عشائرهم في القوافل ...!!!
وبالجملة لم تكن على ظهر الأرض أمة صالحة المزاج ، ولا مجتمع قائم على أساس الأخلاق والفضيلة ، ولا حكومة مؤسسة على أساس العدل والرحمة ، ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة ، ولا دين صحيح مأثور عن الأنبياء .