الإخلاص.. والنقد البنّاء
عبد الله عيسى السلامة
يقول الناقد : أنا مخلص ، وأمارس نقداً بنّاء !
حسن ! الإخلاص حالة قلبية ، لايطّلع عليها ، إلاّ الله ، فكيف تظهر للناس !؟
إنها تظهر، عبر السلوك : سلوك الجوارح ، أو سلوك اللسان !
سلوك الجوارح : قد لايحتاج ، إلى كبير فطنة ، لمعرفة نفعه وضرّه !
ويبقى سلوك اللسان : كيف يقدّر الناس نفعه المتوقع ، وضرّه المتصوّر!؟
هذا يحتاج إلى خبرات متراكمة ، وعقول مسدّدة !
· فقد يكون الكلام ، مزيّناً بآيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ، وحكم بليغة.. ويكون، مع ذلك ، سمّاً ناقعاً ؛ لأنه يحمل أهدافاً خبيثة ، يريد أصحابها ، تدمير الصفّ ، من خلالها !
وما أكثر، مانسمع كلاماً يعجبنا ، ثمّ نقول ، عند تأمّله : هذا كلام حقّ ، يراد به باطل ! كما قال الإمام عليّ ، ذات يوم ، حين طلِب منه ، الاحتكام إلى كتاب الله ، لإنهاء حرب صفين ، التي كان النصر، فيها ، واضحاً ، لجيشه !
· وقد يكون الكلام ، صواباً ، كله ، إلاّ جملة واحدة ، فيه ، يراد تمريرها ، تحمل من الشرّ ، أضعاف مايحمله سائر الكلام ، من الخير!
· وقد يكون النقد ، صحيحاً ، بذاته ، إلاّ أنه يُعرَض في غير زمانه ، أو في غير مكانه ، أو في غير الشكل المقبول .. أو يوجّه إلى غير الجهة المعنية به ، فلا يفيد ، في هذه الأحوال ، سوى التشهير، أو اللوم ، أو القدح ، أو إضاعة الوقت !
· نموذج : كان أحدهم يتحدّث ، في مجلس عامّ ، عن ظلم وقع عليه ، من بعض المسؤولين .. ويشهّر، ويتّهم !
فقيل له : مادمت مظلوماً ، وواثقاً من أن لك حقاً .. لمَ لا تكتب بعض السطور، للمسؤولين عنك ، تبيّن فيها حقـك ، وتطلب إنصافك !؟
فقال بلهجة متعالية : كرامتي تأبى عليّ أن أكتب !
فقيل له : أتأبى عليك كرامتك ، أن تكتب سطوراً قليلة ، بلغة مهذّبة ، تطالب فيها ، بحقك .. ولا تأبى عليك ، أن تتحدّث في المجالس ، متّهما المسؤولين عنك ، بالظلم ، أو قلة الفهم ، أو فساد الضمائر!؟
فصمت!