مستقبل التعليم في سورية

م. عبد الله زيزان

[email protected]

ماضي التعليم

حين الحديث عن أي مستقبل لأي بلد كان، لا بد من الرجوع قليلاً إلى الماضي لفهمه بصورة جيدة ومن ثم ربطه بالحاضر المعيش للوصول إلى استنتاجات أو مقترحات للمستقبل، وهذا ما سنحاول معالجته في هذه السطور القليلة...

إن الماضي التعليمي لسورية مشرق جداً حيث كانت بلاد الشام من أكثر البلاد اهتماماً به وتفوقاً عن أقرانها في بلاد العالم، فقد كانت فكرة الكتاتيب (جمع الكُتّاب) نابعة من هذه البلاد إبان حكم الأمويين، وفي التاريخ المعاصر كانت جامعة دمشق التي أسست عام 1903م من أوائل الجامعات على مستوى الوطن العربي بأسره، واهتمام حكام دمشق في ذلك الزمن بإنشاء الجامعة يعكس اهتمام الشعب آنذاك بالعلم والتعليم، وروايات آبائنا وأجدادنا عن أساتذتهم في تلك الحقبة تعكس أيضاً مدى هذا الاهتمام، لدرجة تقديس أساتذة المدارس والمثقفين إجمالاً..

إلا أنّ هذا الأمر بدأ بالتغير التدريجي مع وصول حزب البعث إلى الحكم في ستينيات القرن الماضي، ومن ثم وصول آل الأسد إلى سدة الرئاسة، حيث بدأت سورية تدخل مرحلة من التجهيل المتعمد وإهمال المثقفين والتقليل من شأنهم، وإقناع الناس بأن المهن والأعمال التجارية والصناعية تدر المال والجاه أضعاف ما تدره الشهادات العلمية...

وللأسف فإن هذه السياسة قد نجحت بشكل ملحوظ، فلم تعد هناك شهية للتعليم أو إكمال الدراسة لدى شريحة واسعة من أبناء البلد، ولا سيما أبناء المدن الذين انشغلوا بالتجارة والحرف المهنية، حتى باتت الأميّة معلماً واضحاً في المدن السورية الكبرى، وباتت نسبة المتعلمين ضئيلة جداً ومحصورة بفئات محدودة فقيرة لا تملك أي تأثير على أي من مكونات الشعب الأخرى...

ولعل هذا الجهل هو السلاح الرئيس الذي أعده النظام لسنوات طويلة واستخدمه بكفاءة جيدة في الثورة السورية، ما مكنه من تحييد فئات من الشعب، أو بعبارة أدق استطاع تأخير فئات من الشعب من الالتحاق في ركب الثورة...

التعليم زمن الثورة

كما أسلفنا فإن النظام أعد العدة ليوم الثورة، فأنشأ جيلاً مشغولاً بلقمة العيش، يجهل حقوقه السياسية وحتى المعيشية، يرى في الواقع الذي يعيشه استقراراً وأمناً، ما مكنه من إطالة أمد الثورة فأخر حسم المعركة حتى يومنا هذا..

ومما يؤسف له، فإن زمن الثورة عمقت الأزمة التعليمية للسوريين، فملايين النازحين والمهاجرين حرمت آلاف الطلاب من الالتحاق بمدارسهم، كما حرمت الكثير من الالتحاق بالجامعات، فضلاً عن كثير من العوائل التي فضلت إخراج أطفالهم من المدارس لإعانة أهلهم في لقمة العيش في دول الجوار السوري...

ورغم ولادة عشرات المؤسسات الخيرية في الداخل السوري وخارجه إلا أن جهد أغلب تلك المؤسسات انصبّ على القضايا الإغاثية الملحة، كالطعام والشراب والملبس والمسكن، وأغفلت الاهتمام بالمجالات العلمية إلا ما ندر...

وهذا يضع المؤسسات الخيرية والناشطين وأصحاب التأثير والنفوذ أمام مسؤولية كبيرة، فإغاثة العقول لا تقل أهمية عن إغاثة البطون، لا بل تتفوق عليها أهمية رغم ما يعانيه المهاجر من ضيق العيش وقلة ذات اليد...

المستقبل المنشود

رغم قتامة الصورة التي رسمناها في الأسطر الماضية إلا أن ذلك لا يمنع من دراسة الحاضر والتخطيط للمستقبل من أجل تغيير تلك الصورة بأي ثمن، فأن توقد شمعة خير ألف مرة من أن تلعن الظلام...

فالتحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم السوري يستوجب استنفاراً لكل الطاقات البشرية العاملة في مجال الثورة، لتتصدر إغاثة العقول قائمة اهتمامات كل الناشطين، ولتكون المدارس والمعاهد وحتى المراكز الثقافية من ضمن جدول أعمال كل المهتمين...

كما يتوجب الضغط على المؤسسات الدولية لتغطية جزء من تلك المشكلة، فالمجتمع الدولي الذي خنع أمام آلة الإجرام الأسدية في سورية، ينبغي عليه تدارك جزء من هذه المشكلة بصورة جدية، وذلك بإنشاء المدارس والمعاهد في دول الجوار السوري، وحتى في المناطق المحررة الأكثر أمناً..

ويبقى أن نقول أن محاربة التطرف لا يكون بالغارات الجوية، بل يكون بالعلم الذي سيقضي على أسباب التطرف والجهل وسيخرج المنطقة من أتون حرب تأكل الأخضر واليابس...