موقف مع الأخ عدنان سعد الدين

موقف مع الأخ عدنان سعد الدين ..

(رحمه الله)

عدنان سعد الدين رحمه الله

المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سورية

د. طارق أبو جابر

 عندما أبلغني أحد الإخوان بأن الأخ أبا عامر يرغب بأن يلقاني صباحا في ساعة محددة في مكان إقامته في أحد الفنادق .. كان الأمر مفاجئا لي ومحيرا ؛ فلم أكن أتصور أن أخطر على بال هذا الرجل الكبير يوما ، لسبب بسيط هو أنني لست شيئا يذكر في الجماعة ، وليس للرجل معرفة بي ، فيما أعلم ، فقد كنت قبل سنوات شخصا مغمورا في جهاز إعلام الجماعة أقوم على بعض الثغرات ، وكنت حديث عهد بتلك الأجواء المشحونة التي كنت أنأى بنفسي عنها ما أمكن ؛ فكنت أقوم بعملي وألزم بيتي ، مبتعدا ما أمكنني ذلك . وعندما وقع الانشقاق في الجماعة ، اخترت أن أخرج من هذه الأجواء ، وأنتقل إلى العمل مدرسا في أحد البلدان ..غير أن محنة الإعلام بقيت ملازمة لي ، فكان أن عهد لي بتحرير مجلة شهرية عامة يرعاها الإسلاميون في ذلك البلد ، هذا كل ما لدي ، فلماذا يريد أبو عامر – الذي قبل أن يبقى خارج صف الجماعة حرصا على وحدتها - أن يلتقي بي ؟

 استجمعت قواي وتشجعت ، وراعيت الاهتمام بمظهري وهندامي ما أمكنني ، لمعرفتي بأنه لا يتردد في نقد أي مظهر يراه على غير الأصول .. وبقيت أنتظر بجانب الفندق إلى أن حان الوقت تماما، توكلت على الله ، وطرقت الباب ، وأنا لا أدري ما الذي ينتظرني عند أبي عامر ، فلم يكن عنده وقت ينفقه معي ومع أمثالي ، وهو عندما ينزل بلدا ، فلأمر ، ونزوله في فندق يعني أنه في مهمة من نوع خاص ، وإلا لنزل في بيت أحد إخوانه ، كانت هذه الأفكار تتعاورني وأنا أستعد للقاء .

 استقبلني الرجل مرحبا ، وسألني عن أحوالي وعن عملي ، و تناولت طعام الإفطار معه ، وحكى لي عن آلامه وأشجانه وآماله ، وحكى لي عن جانب من أنشطته ومشاركاته وخدماته المتميزة لسائر الإخوان دون تمييز، ولاسيما في جانب القبول في التعليم الجامعي والدراسات العليا ، وجانبا من تجربته في القيادة والمسؤولية والكتابة ، وأنه يعاني أحيانا في كتابة مقال مثلما تعاني المرأة في ولادتها ، وكنت أظن أنه ما إن يلمس القلم حتي يمضي سيالا بين أصابعه ، والحق أنه كان كذلك – كما كنت أظن - في غالب أحواله .. حدثني كثيرا ، وتحدثت إليه قليلا ، وجعلني أحمل الهم معه ؛ هم الدعوة ، وهم الإخوان ، وهم المسلمين في كل مكان ، وكان مما ذكره لي ، أنه طُرح عليه عندما كنت على رأس عملي ، وكان في موقع المسؤولية ، أن يضعني في موقع متقدم في عملي لا تؤهلني له مرتبتي التنظيمية ، وأنه قد وافق على ذلك استثناء لما عرف عن أدائي في العمل ، غير أنني مضيت .. وكانت هذه أول مفاجئة لي بان أبا عامر كان يعرفني ، ويعرف أدائي في العمل ويقدره ، وهو ما لم أكن أعرفه ولا أتوقعه ! وأنه يتابع أخباري ، و حرص على أن يلتقي بي ، ويزودني بنصائح وتوجيهات تفيدني في عملي الذي أنا فيه ، والذي كان بنظره فرصة طيبة لطرح الرؤية الإسلامية الصحيحة تجاه القضايا المتنوعة ، فضلا عن الخبرة والتجربة ، والتعبير عن القدرة والطرح والحضور .. تشجعت بعدها أكثر، وطرحت عليه أسئلة دقيقة عن أمور كنت أجهلها ، وكانت تحيرني ، وكانت إجاباته مباشرة وواضحة ، ولم يتردد في الإجابة على أي سؤال . أمضيت نحو ساعتين مع أبي عامر ، شعرت بأنني كبرت خلالهما سنوات .. ثم رأيته يجهز حقيبة سفره ، وينتظر من سيأتي إليه لينقله إلى المطار ، وفهمت مستنتجا بأنها رحلة إلى منطقة ما ، واندهشت عندما علمت في نشرة الأخبار المسائية أن رئيس ذلك البلد كان في جولة بتلك المنطقة ، وأن أبا عامر انتقل من اللقاء معي إلى اللقاء مع الرئيس !

رحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته ، فلم يكن يقصر في خدمة إخوانه ، والسعي في حاجاتهم حتى وهو خارج الجماعة ، جعل الله ذلك في ميزان حسناته .