كلنا لآدم

كلنا لآدم

عدنان عون

[email protected]

لم يعرف التاريخ ديناً ولا قانوناً، أعلى من قيمة الإنسان، وسوُّى بين الناس، وحفظ لهم حقوقهم كالإسلام، فهو دين الحرية والمساواة، وقد تبنى مبدأ المساواة والإخاء الإنساني، وجعله حقاً من حقوق الناس الذين يشتركون في وحدة الجنس البشري في المنشأ والمصير والمساواة في الحقوق والواجبات، فكلهم لآدم وآدم من تراب، ولا فضل لأحد على الآخر في عرق ولا لون ولا جنس، وإنما التفاضل بينهم بالتقوى والعمل الصالح·· وليس في الإسلام نسب للآلهة ونسب إلى البشر، وليس فيه دماء أفضل من دماء، وإنما الناس كلهم خلقوا من ( ماء مهين ) ومن تراب ونطفة، ولذا فما أحد هو فوق البشر·

ومبدأ المساواة في الإسلام ثورة إنسانية ارتفع بها الإسلام بالتسوية إلى قمة سامقة من الإخاء الإنساني، لم تعرف  له  البشرية مثيلاً في ظل الحضارات الإنسانية   يقول المؤرخ الكبير (توينبي): "إن الإسلام قد قضى على النزعة العنصرية، والصراع الطبقي بتقرير مبدأ الإخاء الإنساني والمساواة المطلق بين المسلمين، وعلى الغرب أن يأخذ بهذا المبدأ الإسلامي لتنجو المدنية الحالية مما يدب فيها اليوم من عناصر العداء" .

ذلك أن المستقرئ للتاريخ الإنساني، لتروعه الحقائق المرة التي كانت البشرية تعيشها في واقع امبراطوريات سادت، وحضارات استعلت كان نظام الطبقات، ونظام الرق هما النظامان اللذان جعلا من الناس سادة وعبيداً، ولم تنج من هذا النظام حتى الأديان السابقة فاليهود، وهم يزعمون أنهم أبناء الله وأحباؤه وأنهم شعب الله المختار كانوا يميزون في قوانينهم وتشريعاتهم بين اليهودي وغيره·

وقد مضت النازية على ذلك النهج، ففضلت العنصر الجرماني على غيره، واستعلت على البشرية كلها، ومازالت البشرية تشهد في ظل الدول الكبرى، والحضارات الحديثة ألواناً من التمييز العنصري البغيض·

لقد ظل مبدأ المساواة والإخاء الإنساني في ظل تلك الحضارات دون ما تحقق في الاسلام·· وهذا ما أومأ اليه (برناردشو) حين قال:  "الإسلام يوحد بين أهل العقيدة المشتركة، دون أن يجعل أي فرق بينهم بسبب أوطانهم وألوانهم وجنسياتهم، وهو المبدأ الذي لم يُعرف عند الرومان السابقين، ولا عند الأوروبيين والأميركيين الحاضرين "·

وأنى لحضارات قطعت علائقها بالله تعالى أن ترتقي بإنسانيتها إلى المستوى الذي طبقه الإسلام في واقع الحياة بين المسلمين وغيرهم حتى كان المبدأ الذي انجذبت إليه الشعوب والأُمم التي تعرَّفت   الى الإسلام و دخلت في الدين  الذي لا ينظر إلى الألوان والأعراق والطبقات ولكن ينظر إلى الإنسان نفسه·

وقد ارتقى الإسلام بالإنسان إلى مستوى من الإنسانية والتكريم، عجزت عنه حضارات الأمم، وقوانين البشر، واستطاع من خلال منهجه الرباني، أن يربي الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى·· حرر وجدانه وهذب ضميره، حتى خلَّصهُ من كل نزعة استعلاء يتطاول فيها على الآخرين، أو يزدريهم·· وتجد دليل ذلك في الكلمة الخالدة التي تركها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في مسمع الزمان عنوان حرية ودليل كرامة·· " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"·

إن الإسلام لم يكتف بالتربية إحياءً لمبدأ المساواة والإخاء الإنساني، وإنما عمد إلى سن التشريع الذي يحمي إنسانية الإنسان وكرامته كما يحقق حريته ويحفظ حقوقه·

وقد جاء التطبيق العملي لمبدأ المساواة في واقع الحياة الإسلامية، صورة رائعة، وقد عرفت كل الأجناس والأعراق والألوان قيمتها الإنسانية وكرامتها وحقوقها في ظل الإسلام، ولم يكتف الإسلام بأن هيأ للمواهب والقدرات عند أهل الذمة أن تترعرع فيه وتعبر عن نفسها حتى لقد (بقيت عائلة بختشيوع تحترف الطب عند الخلفاء والأمراء إلى سنة 540 هجرية)·

وقد اعترف أحد المستشرقين بهذه الحقائق فقال: (إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصاري النسطوريين ومن اليهود على مجرد الاحترام فحسب، بل فوضوا إليهم كثيراً من الأعمال الجسام ورقوهم إلى مناصب الدولة حتى إن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة (حنا بن ماسويه)·

وإنك لتعجب كل العجب، وأنت تقرأ في كتب العلماء، والفقهاء كيف قعّد هؤلاء القواعد في حفظ حقوق الذميين والمستأمنين فذكروا أنه (اذا بعث الحربي عبداً له متاجراً إلى دار الإسلام بأمان، فأسلم العبد بعد دخوله دار الإسلام، بيع وكان ثمنه للحربي مالكه)·

وقالوا: (اذا دخل حربي دار الإسلام بأمان فأودع ماله لدى مسلم أو ذمي أو أقرضها إياه، ثم عاد إلى دار الحرب، سقط الأمان له في شخصه، وبقي له الأمان في ماله)·

ومن روائع تطبيق مبدأ المساواة، ما ذهب إليه الإسلام حين جعل للذميين نوعاً من التأمين الاجتماعي والإنساني ضد الشيخوخه والمرض والفقر ففرض لهم معونة من بيت مال المسلمين·

إن الإسلام لم يجعل شريفاً فوق القانون، ولا ضعيفاً يتحكم به القانون، وحسبنا أن نََُذكِّر بحادثة القبطي المصري مع ابن عمرو بن العاص وكيف أنصفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكذلك حادثة الأمير (جبلة بن الأيهم) وكيف أمره أن يسترضي الأعرابي الذي لطمه، أو يدعه يلطمه كما لطمه·

إن اختلال ميزان العدل، وغياب مبدأ المساواة بين الناس، هما السبيل إلى هلاك الأمم وسقوط الحضارات قال (صلى الله عليه وسلم) "إنما أهلك الأمم من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"·

وصورة أخرى للمساواة تفتقدها كل القوانين ولا تجد لها مثيلاً إلا في الإسلام فقد ذكرت كتب التراجم أن القاضي (محمد بن عمر الطليحي) رفعت اليه دعوى ضد الخليفة المنصور، فاستدعاه وأجلسه مع خصمه ثم حكم ضده·· وبعد القضاء استدعى الخليفة القاضي وقال له: "جزاك الله عن دينك ونبيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء"·

إنه الاسلام الذي رأى فيه المستضعفون الملاذ فلجأوا إليه ودخلوا فيه، فصنع منهم الأمراء والقادة ولم ينظر إلى ألوانهم وأعراقهم·· فهل تفيء الإنسانية إليه من جديد فترى فيه العدل والمساواة والسلام؟؟؟ .