دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية
دعوة الإخوان المسلمين في المنزلة دقهلية
(2)
أ.د/
جابر قميحةوهذه الواقعة "على بساطتها" إنما تدل دلالة صادقة على عمق التمسك بدعوة الإخوان، وصدق الاعتقاد دون توانٍ، أو خلل. ولنبدأ الطريق من أوله بالتعرف ـ على سبيل الإجمال ـ على بعض الخطوط التاريخية والواقعية في مدينة المنزلة مسقط رأسي.
المنزلة أحد مراكز محافظة الدقهلية الإدارية، وتقع في الشمال الشرقي من مصر، وقد سميت من قبل مدينة تنيس وهي كلمة هيروغليفية تعني صناعة الحرير، حيث اشتهرت هذه المدينة قديما بصناعة الحرير الطبيعي، أما سبب تسميتها بالمنزلة فتذكر بعض المصادر التاريخية أن ذلك يرجع إلى كتاب عمرو بن العاص الذي رد فيه على رسالة القعقاع بن عمرو التميمي والذي أخبره فيه أنه نزل في هذه المنطقة بعد أن فتح أحد حصون الرومان فقال له عمرو بارك الله في منزلتك يا قعقاع، فسميت بالمنزلة.
وهناك روايات أخرى، تكاد تجمع على أن بطل القادسية، واليرموك القعقاع بن عمرو التميمي، انضم إلى عليَّ بن أبي طالب، وقاتل معه واشترك في وقعة الجمل، وبعد استشهاد الإمام علي لجأ إلى الكوفة وبها توفي سنة 40 هجرية.
والمنزلة عبارة عن بيئة تجمع بين سمات الريف والحضر وبها بحيرة معروفة ومشهورة هي بحيرة المنزلة. وتتميز بحيرة المنزلة بانتشار مجموعة من الجزر أهمها جزيرة ابن سلام وتضم ضريح الصحابي الجليل عبد الله ابن سلام حيث يفد إليها أعداد كبيرة من الزائرين كما تتميز ا لبحيرة بغناها بالثروة السمكية والطيور المهاجرة إليها من مختلف الأنواع ويتم الآن دراسة استغلالها سياحياً. وتحمل مدينة المنزله كل السمات البشرية والثقافية والعمرانية للمراكز الادارية التابعة لمحافظات الوجه البحري دلتا مصر.
وللمنزلة تاريخٌ مجيد في مقاومة كل صنوف الاستعمار
وكان لهذه البلدة شأن وخطر لما امتد في أنحائها من أسباب الثورة، ولظهور جماعة من زعماء الأهالي يحرضون الناس على مقاومة الفرنسيين ، وقد برز من بينهم في تقارير القواد الفرنسيين اسم "حسن طوبار" شيخ بلدة المنزلة كزعيم للمحرضين وخصم عنيد لا يستهان به، ومدبر لحركات المقاومة في هذه الجهات. وكان "حسن طوبار" زعيماً لإقليم المنزلة الذي سبب متاعب كثيرة للفرنسيين ... كتب ريبو يصف سكان هذه الجهات بقوله "ان مديرية المنصورة التي كانت مسرحاً للاضطرابات ، تتصل ببحيرة المنزلة ، وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة، والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذوو نخوة، ولهم جلد وصبر، وهم اشد بأساً وقوة من سائر المصريين".
بدأت الحملة تتحرك على البحر الصغير من المنصورة يوم 16 سبتمبر 1798 بقيادة الجنرال (داماس ووستنج) اللذين أنقذهما الجنرال دوجا، وقد زودهما بالتعليمات التي يجب اتباعها، وفى هذه التعليمات صورة حيه لحالة البلاد النفسية ومكانة الشيخ "حسن طوبار".
تحرك الجنرال على رأس الجنود الفرنسيين، وساروا بالبحر الصغير على ظهر السفن فأرسوا ليلا على مقربة من (منية محلة دمنة) و شعر أهالي المنية باقتراب الحملة فأخلوا بلدتهم وكذلك كان الوضع في القباب الكبرى، وقد كلف الجنرال داماس مشايخ بعض القرى المجاورة ان يبلغوا أهالي القريتين ان يعودوا فإن القوة لن تنالهم بشر إذا دفعوا الضرائب المفروضة عليهم. وهناك افترق القائدان ، فرجع الجنرال وسنتج إلى المنصورة، ومضى داماس إلى المنزلة لإخضاعها ومعه من الجنود أكثر من ثلاثمائة جندي بأسلحتهم وذخيرتهم غير ان الجنرال دوجا وجد ان هذا العدد من الجند ليس في مقدوره القضاء على مقاومة المنزلة مما دفعه إلى أن يطلب المدد من داماس وبعد محاولات عدة فاشلة فشل الفرنسيون في اقتحام البلدة العنيده لتظل المنزلة فيما بعد في ذاكرة قادة الحملة الفرنسية وقد ذكرت المنزلة في كثير من مذكراتهم مقترنه باسم حسن طوبار هذا المجاهد العظيم.
أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر:
بعد العدوان الاسرائيلي على مصر وامتلاكه سلاح جو رفيع المستوى أصبحت مدن مصر في مرمى قذائف العدو ولاسيما المدن المتآخمة على شاطىء قناة السويس , ومنها محافظات السويس والإسماعليه وبورسعيد , لذلك عمل معظم أهل هذه المحافظات وساكنوهاعلى الهروب منها, واللجوء إلى إحدى المدن القريبة نسبيا من هذه المحافظات , وبعيدة بمنأى عن قذائف العدو. وكانت مدينة المنزلة هي انسب هذه المدن , وكذلك لما عرف عن أهلها من الكرم وسعة الصدر. وقد أحسن أهل المنزلة استقبال اللاجئين ـ او كما كان يطلق عليهم حين ذاك(المهاجرون) . وقد عمل أغلب هؤلاء المهاجرين في الأعمال والحرف التى تشتهر بها المنزلة مثل الزراعة وصناعة الأدوات الخشبية والاثاث والصيد , وذلك سهل عليهم انخراطهم في مجتمع المنزلة قبل ان تنتهى الحرب , ويعود كل منهم إلى الديار. كما أن بعضهم . ـ وإن كانوا قلة قليلة ـ استقروا فى المنزلة ، وزاولوا أعمالهم وتجارتهم فيها .
واذكر بهذه المناسبة أنني ألقيت خطبة جمعة فى مسجد القعقاع بن عمرو التميمي ، ربطت فيها بين الماضى والحاضر ، وعرضت فيها مظاهر الإنسانية والحب والأخوة الصادقة فى استقبال الأنصار للمهاجرين .