في ذكرى حزيران

لا بوادر لأية حلول

جميل السلحوت

[email protected]

ندخل هذه الأيام عامنا الثاني والأربعين للاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة ، والجولان السورية ، هذه الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب الخامس من حزيران 1967 العدوانية، مع صحراء سيناء المصرية التي انسحبت منها اسرائيل عام 1981 تنفيذاً لاتفاقات كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ، مع رئيس وزراء اسرائيل في حينه مناحيم بيجن .

وندخل نحن القابضين على تراب الوطن بالنواجذ هذهىالذكرى ، وأحوالنا تزداد سوءاً على سوء، فالاحتلال الذي أهلك البشر والشجر والحجر يبدو أن لا بوادر لقرب انهائه ، مع أن زواله حتمية تاريخية، فاسرائيل تثبت يوماً بعد آخر أنها غير جاهزة أو راغبة بتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة ، والاثباتات على ذلك كثيرة ، وتتمثل في الاستيطان ، وتغيير ملامح الأرض ، وادخال العنصر الديمغرافي المتمثل بوجود حوالي نصف مليون مستوطن يهودي في الضفة الغربية ، نصفهم تقريباً في القدس الشرقية - جوهرة الأراضي المحتلة في العام 1967- في دائرة منع الحلول .

ولم تكن المفاجأة من الحكومة الاسرائيلية بإعلانها عن الشروع في بناء مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنة جبل أبو غنيم – هار حوماه – الواقعه ما بين القدس وبيت لحم، حيث أنها بذلك تصل امتداد مستوطنة جبل أبو غنيم مع مستوطنة جيلو المقامة على أراضي بيت صفافا وشرفات وبيت جالا ، لتحكم عزل القدس العربية عن امتدادها الجنوبي مع بيت لحم احكاماً تاماً بجدار من البناء الاستيطاني ، إضافة إلى جدار التوسع الاحتلالي الإسرائيلي .

وكذلك في مستوطنة " بسجات زئيف " المقامة شمالي المدينة المقدسة على أراضي شعفاط وبيت حنينا وحزما  ، لتتواصل مع مستوطنة النبي يعقوب شمالا ،ومع مستوطنة راموت في الشمال الغربي من المدينة لاحكام السيطرة الاستيطانية الاغلاقية للقدس الشرقية من الشمال والغرب ، واذا ما أخذنا مستوطنة قصر المندوب السامي " أرمون هانتسيف " المقامة على قمة جبل المكبر وسفوحه الغربية والمتصلة مع مستوطنة " نيئوت تسيون " منظر صهيون التي على وشك الانتهاء من مرحلتها الاولى على السفوح الشرقية للجبل ، لتتواصل مع المستوطنة التي اُعلن عن مخطط اقامتها في أراضي دير السُّنة على السفوح الغربية لقرية أبو ديس ، فإن السور الاستيطاني يكتمل من الجهة الجنوبية الشرقية للقدس ، لتأتي مستوطنة " معاليه أدوميم " الخان الأحمر من الشرق لتتواصل مع مخططات البناء الاستيطاني في منطقة الزّعيّم شرقي جبل الزيتون، لاحكام دائرة الاستيطان حول القدس من الجهة الشرقية .

ومع أن البناء الاستيطاني لم يتوقف يوماً في القدس الشرقية، وبقية أجزاء الضفة الغربية، الا أن الاعلان المتزايد للمشاريع الاستيطانية في وقت تستمر فيه المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية ، يعطي دلالات غير قابلة للشك بأن الحكومة الاسرائيلية الحالية مثل سابقاتها غير معنيه بالسلام، الذي لن يتحقق بدون الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي المحتلة ، وبالتالي فإن الحديث عن امكانية اقامة الدولة الفلسطينية هذا العام حسب ما أُطلق عليه رؤية الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش شسء بعيد المنال ، فاسرائيل تدرك قبل غيرها ومنذ نشوء الحركة الصهيونية ان الصراع يتمحور بالدرجة الأولى حول الارض ، وليس حول الانسان ، وان كان الانسان هو ضحية ايضا ، وبهذا فانهم يريدون أرضاً بلا سكان حسب الكذبة الكبرى التي روجوها والقائلة :"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " وهكذا فإنهم يواصلون فرض سياساتهم الاستيطانية على الأرض مصاحباً للتضييق على من تبقى من الشعب الفلسطيني على هذه الأرض ، هذا التضييق الذي يصل الى درجة القتل والحصار والتجويع والتنكيل ، لاجبارهم على الرحيل " طواعية " أي بدون أوامر طرد . ومن يتبقى منهم فإنه على رأي جابوتنسكي استاذ مناحيم بيجن " لا يضير الدول الديمقراطية وجود بعض الأقليات فيها "

واسرائيل في تنفيذ سياساتها العدوانية والمخالفة لكافة الأعراف والقوانين الدولية ، ولقرارات مجلس الأمن الدولي ، والجمعية العامة للأمم المتحدة ، تلقى الدعم والتأييد من الادارة الأمريكية ، التي أصبحت شرطي العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية ، والتي تحدت وعلى رؤوس الأشهاد الرأي العام العالمي وحتى الأمريكي في الكثير من قراراتها ، وليس احتلال العراق عام 2003 ببعيد كشاهد على ذلك . كما أن طرح أمريكا خارطة الطريق كبديل لقرارات مجلس الأمن الدولي لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي يشهد على ذلك أيضاً . كما أن سبات الأنظمة العربية الطويل أيضاَ والاستجابة العمياء من غالبية العواصم العربية للأوامر الامريكية بما فيها تطبيع العلاقات مع اسرائيل في ظل استمرار احتلالها للأراضي العربية، يشجع اسرائيل على ممارساتها العدوانية بما في ذلك الاستيطان .

وحتى " الانفتاح " الاسرائيلي الاخير على سوريا من خلال المفاوضات غير المباشرة، وعبر الوساطة التركية هو أيضاً مجرد ذرّ للرماد في العيون ، واذا كانت اسرائيل قد أخذت من المبادرة العربية مثل"ولا تقربوا الصلاة " بقبولها تطبيع العلاقات مع الدول العربية ، وغضت النظر عن الانسحاب من الأراضي المحتلة، فإنها تريد من سوريا أن تدخل في بيت الطاعة الأمريكي الاسرائيلي بقطع علاقاتها وانهاء تحالفها الاستراتيجي مع ايران ، وانهاء حزب الله في لبنان ، وحماس في فلسطين ، وبعد ذلك ستفاوضها على الجولان ، وربما لعشرات السنين كما قال اسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل " سنفاوض العرب عشرات السنين دون أن نعطيهم شيئاً " ولو كانت اسرائيل جادة في التفاوض مع سوريا لأصدرت على الأقل قراراً من الكنيست يلغي قرارها ضم الجولان الى اسرائيل الصادر عام 1981 .

وكذلك لو كانت جادة في التفاوض مع السلطة الفلسطينية لنفذت تعهداتها بوقف الاستيطان على الاقل.