الشباب و القراءة

د. بلال كمال رشيد

[email protected]

من المؤسف حقا أن يكون كلامنا عن أسباب عزوف الشباب العربي عن القراءة ، وهم شباب أمة (اقرأ) وهم الشباب الذين تباهى بهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوماً وقال فيهم "نصرت بالشباب" فهل يمكن أن تكون القراءة والشباب رديفاً للنصر؟!!!

إن الأمة التي كانت أول كلمة في بيانها : كلمة "اقرأ" وكان دستورها قرآناً، أي مرتبطا بالقراءة ، فكانت القراءة عبادةً ، { من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين} ، { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } ، وكان سؤالها المقارِن والمستنكِر و المستهجِن الدائم:{قل هل يستوي  الذين يعلمون والذين لا يعلمون } ، فرفعت شأن العلماء وجعلت العلم محراباً للإيمان، إن هذه الأمة التي قتلت الفراغ بالعلم والإبداع والإنجاز ، كانت سيدة وقائدة و رائدة منذ أن كانت مرتبطة بالكتاب و القراءة ، وإن الإرث الذي تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبط بالقراءة :{ تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي}

لذا أجد القراءة ضرورة بشرية ، وفريضة شرعية ، ولكن قومنا في هذه الأيام – تهاونوا في الفرائض الشرعية ، وانصرفوا إلى الضرورات البشرية، ترتيباً للأولويات التي يرونها تلبي   حاجاتهم الدنيوية و النفعية ، ومن هنا نجد أن عزوف الشباب عن القراءة متأت من عدة أسباب  أهمها : عدم الشعور بالحاجة إلى القراءة ، وهذا السبب مرتبط بسبب آخر وهو عدم إدراكهم للمغزى و الهدف من القراءة ، فلو أدركوا الهدف لتولدت عندهم حاجة إلى حب المعرفة وحب القراءة ، وما دامت القراءة ليست مرتبطة بالحاجة، فإنهم ينصرفون إلى حاجات أخر تلبي ما يتعطشون إليه .

ولعل طغيان وسائل الإعلام المتعددة و المغرية و المرتبطة بالترفيه تولد حاجات  وحاجات ، تلبي مطالب الشباب صوتاً وصورة، بل وتجعله أسيراً وخاضعاً لها ، بل وتجعله مصاحباً لأصحابه وأقرانه وهو يتلقى ما يتلقاه من وسائل إعلامية وترفيهية ، فتكون الوسيلة الإعلامية وسيلة اتصال ولقاء بين الأصدقاء ، عليها يلتقون ، و معاً يشاهدون ويستمعون ويعلقون و ينتقدون، وبذلك تكون الوسيلة الإعلامية وسيلة اتصال بين الأصدقاء ، في حين يكون الكتاب وسيلة انفصال ، إذ ينزوي القارئ مع كتابه حتى يكون خير جليس وأنيس!!!

وهنا نقول بأن القراءة موهبة، والموهبة مرتبطة بالطفولة منذ الصغر ، وهي عادة لا بد أن يكتسبها الطفل من أسرته ومدرسته ومدرسيه، فإن كان الأهل ليسوا أهلاً للكتاب ، فكيف يمكن للطفل أن ينشأ  محباً للكتاب والقراءة ؟!!

فعلى الأسرة دور كبير في غرس حب المطالعة عند أطفالها ،  فلو وجد الطفل والديه يطالعان ، ويهتمان بالكتاب اقتناء وقراءة ، لنمت هذه الموهبة عنده ، ولكبر على حبها واعتاد عليها .

وللمدرسة دور آخر وكبير،  فلو كان المعلم يشجع تلاميذه عل القراءة ، وكانت الواجبات مرتبطة بالكتاب والبحث ، وكانت مكتبة المدرسة غنية بكتبها ، وكانت هناك مسابقات تشجيعية للقراءة ، لفعلت هذه الأمور فعلها في الطالب ، ولو وجد الطالب أستاذه متعلقا بالكتاب لتعلق الطالب كذلك به ، ولكن الأمر جاء على غير ما نريد ، إذ أصبحت المدرسة والمنهاج المدرسي سببين من أسباب عزوف الشباب عن القراءة ، لأن الطالب ما عرف القراءة إلا مرتبطة بالمنهاج والكتاب المدرسي أو الجامعي ، المرتبط بالامتحانات والواجبات ، التي يأتيها الطالب قسرا، فيقرأ وهو كاره ، وينصرف عنها مسرورا !!!!

فلو كان المنهاج المدرسي أو الجامعي محبباً للطالب ، ومغرياً بالقراءة ومشجعاً على الاستزادة من كتب أخرى ، وقال الأستاذ كلمته التشجيعية المرتجاة ، ولو كان هناك كتاب رديف للمنهاج لساهمت هذه الأمور في تنمية حب القراءة لدى أطفالنا وشبابنا.

إن شبابنا العربي منصرف إلى وسائل الإعلام ، ووسائل الإعلام مستنسخة من وسائل الإعلام الغربية ، فأصبح الشباب أسيراً لهذه الوسائل ، وأصبحت ثقافة الشباب مرتبطة بالآني والسريع: متابعة لنجم سينمائي أو لفنان ، أو حلاً لواجب ، أو جواباً على سؤالٍ طارئ ، لقد ارتبطت ثقافة شباب اليوم بالدهشة والاستغراب ،وهذا ما تلبيه وسائل الإعلام الحديثة، ولا يلبيه الكتاب الذي يحتاج إلى جلوس وانضباط وقراءة وصبر!!!

لقد قلدنا الغرب في كل شيء إلا في عادة القراءة ، وعرفنا ديننا الإسلامي عبادةً ذاتيـةً، ولم نتعرف إليه فكراً وسلوكاً ، ولو وظفنا ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من إرث وعدنا إلى كلمة الله الأولى {اقرأ} لكنا خير أمة أخرجت للناس.  فهل نحن عائدون ؟؟!!!