مشاكل في تدوين التاريخ المصري المعاصر

محمد جلال القصاص

تدوين تاريخ مصر المعاصر يعاني من عدد المشاكل أبرزها : 

ـ حال القاء الضوء على الناحية السياسية المصاحبة لمحمد علي وأسرته  والتواجد الغربي في الديار المصرية قبل الاحتلال وبعد الاحتلال ، بما في ذلك التغيرات الفكرية المصاحبة لهذه الفترة ، متمثلة في الابتعاث واللورد كرومر وحركته الدؤوبة للتغيير فكرياً ، والتي أفرزت محمد عبده وقاسم أمين ، يتخلل هذا المحور ـ حال تعاطيه ـ خلل متمثل في انتقائية تدوين التاريخ ، وضعف التحليل أو انحساره في نقاط محددة . وعلى سبيل المثال يبدأ الرصد للحركة النسوية من عند قاسم أمين ، ويبدأ الرصد لمظاهر حركة التغريب من البعثات العلمية وجمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي ثم محمد عبده وفراخه . ولا نجد إبرازاً للعامل الأهم تتأثيراً في حركة الفكر الإسلامي عموماً والمصري والتونسي وقتها تحديداً وهو الكافر . أو المستشرق ، أو المحتل ، أو ( الآخر ) . مع أنه بارز وواضح تماماً وقد أتيت على شيء من ذلك في مداخلتي السابقة .فهم  إن تحدثوا تكلموا عن الكافر في السياسة وقل حديثهم عن الكافر في الناحية الفكرية ، علماً بأنه لا زال يعمل إلى اليوم . وعلى سبيل المثال في المؤتمرات التي تخرج بتوصيات يتابعها لجنان متابعة ، وقريب من ذهن الجميع ( مؤسسة راند) ، ومؤتمرات السكان ، والجوائز العالمية في مجال الأدب ، والإعلام ... الخ  

ـ إهمال القطاع الثالث الذي حمى الله به الديار المصرية من أن تنطق الإنجليزية وتخرج من هويتها العربية والإسلامية ، وهو القطاع التطوعي الخيري ، فمن يتدبر في حقبة القرن التاسع عشر يعلم أن ( الآخر ) كان مصراً على أن يكون  التعليم بغير العربية ، وأن  تكون القوانين بغير العربية ( الفرنسية ) ، بل وأن تكون البنايات السكنية على الطريقة الأوروبية ، وبعض شوارع القاهرة لليوم نسخة من شوارع باريس . ( حي قريب من العتبة لا أتذكر اسمه ) . وظل هذا الاصرار حيناً من الدهر . ونجى الله الأمة المصرية بنفر من المخلصين نشطوا في التعليم ( الشعبي ) ، أو ما يصلح أن يقال عنه العمل الخيري ، ورصد هذه التجربة والوقوف عليها مهم ـ من وجهة نظري ـ وخاصة حين أصبح كل ما هو رسمي في وجهنا .

ويلحق بهذا القضاء على الصحوة المصرية في بداية القرن التاسع عشر . والصحوة التي نهضت في مجال المعرفة في نهاية القرن العشرين وكان أحد ثمارها مصطفى صادق الرافعي ( 1879م ـ 1938م ) ، وأحمد شوقي . تلك التي تم توجيهها لتؤتي أكلها لصالح الاستعمار .

وكذا فشل التعليم المصري في إخراج من يطورون المجتمع مع أن الملكية المصرية أولته كل اهتمامها في حينها ، وأنفقت عليه حتى استدانت ، وشجعت البعثات والترجمة وقدمت للمبتعثين ما تستطيع أملاً في رقي بالأمة المصرية . لم يثمر هذا الحراك غير إخراج موظفين رسميين ( افندية ) . وفترة الانتعاش التي شهدتها مصر فقط كانت حين اعتمدوا على الداخل المصري ( أعني فترة محمد علي نفسه ) أما الابتعاث وغيره فقد كان بداية عد تنازلي ،  وقد كانت تجربة مماثلة في بلادٍ أخرى كأندونسيا مثلاً . 

ـ بخصوص سعد زغلول

ـ تكلم نفر في المجموعة [ مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم ] عن سعد زغلول ، ولم يتل علينا أحد شيئاً من إنجازاته الشخصية التي يستحق بها لقب زعيم على الحقيقة وليس الادعاء ؟ ، وحديثه بأن في كتاب علي عبد الرازق إشكالات جاء في سياق الاعتراضات الشديدة على الكتاب ، ولم يُتبعه بفعل ، ولو كان صادقاً لصادر الكتاب وأبعد صاحبه وهو يومها رئيس الحكومة .  

أقدم بعض الاشكالات التي عندي في هيئة أسئلة علَّ أحداً ممن يرون الخير في سعد باشا زغلول يجيب :

هل كانت ثورة 1919م من صنع سعد زغلول ؟

هل كان سعد زغلول من طبقات الشعب الكادحة ( المطحونة حالياً ) ؟

ما الذي قدمه سعد زغلول بحكومته للمواطن العادي .. الفلاح الكادح في الأرض والموظف البسيط ؟  

ما الذي قدمه سعد زغلول ضد المحتل ؟!

بل .. : بم امتاز زغلول من صفات شخصية ؟ ،  كان مقاتلاً ؟ أم كان عالماً ؟ أم كان صاحب تجارة نفع الله بها العباد والبلاد ؟ أم .. ماذا ؟

الذي عندي أنه كان ( باشا ) ، وكان لاعب قمار ، وعربيداً يسكر ، ويفطر ولا يصوم ، هذا مشهور عنه .

فقط كان خطيباً مفوهاً تنصت له الجماهير والحضور في المحاكم . ولذا باع لهم الكلام وساد فيهم بصوته العالي وأوداجه المنتفخة مع أنه كان عليل الأحرف فيما أعلم !!

فبم زعامته ؟!

بم زعامته ؟؟؟؟؟!!!!

ـ ومن مظاهر الظلم في تسجيل التاريخ المصري المعاصر أن مصر ـ حماها الله وحرسها وردها وفك أسرها ـ  حال وجود الإنجليز فيها لم يكن يقال أنها محتلة كما نقول نحن الآن . كانت مصر تحت الانتداب العثماني بعد أن دخلها الإنجليز بثلاثين عاماً ( 1882 ـ 1918م )  ، ولها حكومة ، ولها جيش .. كل مظاهر الدولة .. وبها حركات سياسية .. بل وتعقد اتفاقات مع الإنجليز أنفسهم ... اتفاقيات دفاع مشترك . وتعتبرهم أصدقاء .. حتى من يقرأ لعباس العقاد ـ مثلاً ـ يجد أنه كان يؤيد فكرة الصداقة مع الإنجليز ، وكان يعتبر الإنجليز أصدقاء حقيقيين لمصر .وكانت الثورة فقط لتعديل بعض الشئون وعلى الملك ، ولم تكن على الإنجليز . ومن يرقب حركة الشعب المصري إبان فترة ما عرف بالاحتلال يجد أن الانجليز كانوا بجيشهم في قواعد عسكرية ( كامب ) في القناة ومناطق قليلة من مصر . وفقط كالجني يتحكمون في الحركة الفكرية والسياسية خفية . والذي نسميه نحن احتلال عسكري لمصر ، كانت معركتين ( كفر الدوار ) و ( القصاصين ) وقيل يومها أن الجيش الإنجليزي هنا لحماية مصالحه وكان يحارب الثوار . 

إننا خدعنا في يومها ، وخدعنا بعدها حين دون لنا التاريخ بشكل مغلوط ، مع أننا لا زلنا نعيش في نفس الظروف فقط ذهب الإنجليز وجاء الأمريكان . 

وهناك خداع آخر مصاحب لثورة أحمد عرابي باشا ، تمثل في الأبطال المزيفين الذين الحقوا بالثورة ، كمحمد عبده الذي لم يشارك بغير غضبة في غرفة نومه ربما ، ثم نفي للداخل ( الشام ) ثم أعيد ليدخل صالون ناظلي هانم فيتغزل في سيقانها العارية وصدرها الناهد ، ثم يرحل لأوروبا ليجلس مع الشقراوت .. يقول نتعلم مع الجمال ثم يقدم لنا هؤلاء على أنهم رواد وأصحاب حضارة وصانعي جيل . 

إننا ندخل بسهولة جداً دائرة الحصر الوهمي ، ينفخون في عربيد سكير مستحل للخنا والفجور ويقولون ( زعيم الأمة ) ونصدق . بل ونردد . ويقدمون لنا مشبوهاً على أنه أستاذ وإمام ونصدق ..