الحرية والاحتلال والبحر

سري سمور/ جنين ـ فلسطين المحتلة

[email protected]

[email protected]

تعرفون قصة الرجل الفقير الذي كان يقطن في غرفة واحدة مع زوجته وأطفاله ويربي خارج الغرفة بقرة وبضع نعجات ودجاجات , فذهب إلى حاخام يشكو إليه سوء الحال والفقر المدقع فطلب منه الحاخام أن يدخل إلى غرفته الدجاجات وبعد فترة النعجات وأخيرا البقرة ومن ثم إخراج هذه الحيوانات من الغرفة تدريجيا،فشعر الرجل الفقير أن وضعه قد تحسن وأحواله قد انقلبت إلى راحة كبيرة !

في سياق آخر يبدو مختلفا وشبيها في آن واحد؛ حين أتحدث مع زملاء أو معارف درسوا في جامعات معروفة في مدن معينة مشهورة بجمالها، وأبدي نوعا من الغبطة أمامهم فإنهم يؤكدون أن حالة الإعجاب أو الإنبهار وما يتبع ذلك من أحاسيس تذوي مع مرور الوقت وتصبح الحياة روتينية ويمر المرء على  الحدائق الغناء والبنايات الفخمة بلا مبالاة وكأنها مثل تلك الموجودة في قريته أو مخيمه أو مدينته الصغيرة...!

ولعل لهذه الطبيعة الإنسانية أثر في أن الجنة التي وعد المتقون, نرجو أن نكون ممن يدخلها برحمة من الله، تزداد جمالا فوق جمالها باستمرار... والله تعالى أعلم.

ما الذي قصدته من المثالين أعلاه ؟ صبركم علي.

(1)

في أواخر سنة 1995م قرر مجلس الأمن اعتماد ما عرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء (قرار مجلس الأمن رقم 986 وما تبعه من قرارات) للتعامل مع الوضع الإنساني المتردي في العراق، وهو ما كان يسمح للعراق ببيع ما قيمته حوالي 2 مليار دولار من النفط لتوفير حاجات غذائية ومعيشية مختلفة، كلها خاضع للرقابة وكل شيء يمكن أن يكون له استخدامات مزدوجة كان يمثل إشكالية؛ فمثلا إذا أراد العراقيون ابتياع شاحنات لنقل النفايات، كان يمكن أن يقال لهم ممنوع لأن هذه الشاحنات يمكن أن تستخدم كمنصات للصواريخ...! وسارت الأمور على ذلك النحو في العراق حيث لا تنمية في بلد تجتمع فيه كل عوامل النهوض والحضارة والرفاه مع تهميش كامل لدور العراق في المنطقة، فبعد أم المعارك أو عاصفة الصحراء رسمت سياسات المنطقة من مبدأ أن الأمة مهزومة وعلى المهزوم توقيع صك الهزيمة ولو بمسميات أخرى.

ورغم برنامج النفط مقابل الغذاء فقد لقي نحو مليون عراقي حتفهم بسبب الحصار الجائر الذي استمر 12 سنة أي حتى احتلال العراق بشكل كامل من القوات الأمريكية والبريطانية سنة 2003، وقد أقيمت في فترة الحصار مناطق حظر الطيران جنوبا وشمالا حيث تدرب طلبة معاهد الطيران الحربي الأمريكان والإنجليز فيها، وبين الفينة والأخرى كانت الطائرات تستهدف مناطق معينة بحجة تشغيل رادارات أو ما شابه، وكان هذا يؤدي إلى سقوط ضحايا جدد... هذه هي الرأسمالية ذات الأنياب الإمبريالية السامة التي لا تقيم وزنا إلا لمن يملك ما تملكه أو يرفع عصاه كما تفعل بيونغ يانغ أو يقاتل كأسد ويرواغ مثل ثعلب كما تفعل طالبان، عقلية استعمار تنتهج الابادة والاستعباد وليس في قاموسها سوى ذلك بهدف السلب والنهب وهذا ليس كلاما إنشائيا عائما بل حقائق يدعمها الواقع والتاريخ.

إننا أمام برنامج نفط مقابل غذاء في قطاع غزة أو كما يقال حصار «ديلوكس» وليست غزة في نظر الإمبريالية الرأسمالية بأعز ولا أغلى من العراق.

(2)

كنا طوال الوقت نرفض لعبة الاحتلال التي بدأت منذ عقود أي محاولة تحويل قضيتنا إلى قضية أكل وشرب وحتى تعليم وتطور، مع انسلاخ عن بعدها السياسي وكنا نؤكد بجميع فعالياتنا ومنابرنا وحتى عبر أحاديث الشوارع والمقاهي أن قضيتنا هي بالأساس قضية احتلال يتحكم بالشعب والأرض وكل ما سوى ذلك هو نتيجة وليس سببا، وكانت هذه إحدى المعارك الساخنة مع الاحتلال الذي كان يسعى عبر جبهة محلية داخلية وبأساليب الحرب النفسية إلى تغيير تلك القناعة لدى قطاعات شعبنا، وعبر إعلامه القوي في الخارج للإيحاء بأن الاحتلال ليس المشكلة بل أمور أخرى وأن الشعب إذا أكل وشرب وذهب الأولاد إلى المدارس فكل شيء على ما يرام، وهذه المعركة استمرت وكان الحشد المعنوي لدينا يستخدم الأغاني والهتافات ويولد الشعارات لإبقاء المعركة حاضرة من قبيل:-

ديروا النار فهالخيام وارموا كروتت التموين

ما بدنا طحين ولا سردين....

بل حتى كانت هناك دعوات لاستبعاد العملية التعليمية كضرورة للتصدي للاحتلال بل جعل مواجهة الاحتلال مقدمة على العلم والتعليم وهتف تلاميذ المدارس مرارا:-

مبنقرا ولاحصة إلا بتحرير الأقصى

مبنقرا ولادرس إلا بتحرير القدس

كان هناك من يعمل في الخليج  خاصة في السعودية والكويت، وهناك من يعمل داخل الخط الأخضر (وهذا خطأ كبير وقعنا فيه) وكان من يعمل في أسواق الضفة وغزة ولو كعتال في سوق الخضار يستطيع أن يفتح بيتا ويتحمل نفقاته نظرا للحركة النشطة ولعدم وجود الغلاء والارتفاع الباهظ في أسعار السلع ، وكان بإمكانك أن تنتقل بسيارتك أو بسيارة أجرة من القدس إلى يافا إلى حيفا وإلى جنين ثم إلى القدس مرة أخرى ثم إلى غزة بحرية........... ولكن لا يجوز لك أن تقول أنا فلسطيني ولي حقوق سياسية، بل اشطب كلمة فلسطين من عقلك، كل هذا دفع سلطات الاحتلال أن تصدق نفسها وتدعي أن شعبنا يعيش تحت «الاحتلال الحضاري» ولعمري إن التعبير يبدو متناقضا لدرجة تثير السخرية كمن يقول «البحر اليابس» أو «العسل المالح» وقد عبّر شعبنا عن نفسه، وعن عدم رضاه رغم الطعام والشراب والتعليم والعمل الذي كان متوفرا فكانت انتفاضة الحجارة هي التعبير الأكثر صخبا والأعلى صوتا والأوضح صورة عن شعور الشعب المحتل لأن قضيته هي احتلال وانه يريد الحرية من هذا الاحتلال ويريد دولة وهوية...كما كانت تهتف الحناجر في المسيرات في غزة ونابلس وجنين.

وحين حاول جورج شولتز وزير الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية عبر جولاته المكوكية عام 1988م إخماد حركة الشعب وهبته العارمة كانت يسقط عندنا شهداء في كل زيارة من زياراته المشئومة إلى هنا واستقبلته أصداء المظاهرات:-

ياشولتز برة برة بدنا دولة مستقلة

وفي حديث أجراه التلفزيون الإسرائيلي مع المرحوم رشاد الشوا رئيس بلدية مدينة غزة في ذاك الوقت ؛رفض الشوا لقاء شولتز وقال لمراسل التلفزيون الإسرائيلي: التقيت شولتز قبل مدة فأخذ يحدثني عن الوضع الاقتصادي للسكان وليس عن الحقوق السياسية لن ألتقي به...هكذا كان الحال وكانت كل القوى والفعاليات والمؤسسات رغم كل تناقضانها وخلافاتها الأيديولوجية والسياسية تجمع على رفض النظر للقضية الفلسطينية كقضية إنسانية مجردة، بل هي قضية شعب وأرض ووطن محتل...ولكن الاحتلال ومن يقف خلفه لم ييأسوا من هدفهم الخفي أحيانا المعلن أحايين أخرى:أن يصبح الفلسطيني عبدا للشيكل!

(3)

الهجوم على أسطول الحرية والسفينة التركية مرمرة وقتل المواطنين الأتراك كما قلت سابقا كان مع سبق الإصرار وبقرار اتخذ من أعلى مستوى وبناء على خطة مدروسة تستهدف تحجيم الدور التركي، وقطع الطريق أمام محاولات كسر الحصار, لا سيما البحري...وحتى اللحظة نجح الاحتلال ولو جزئيا فيما أراد، وكان للمجزرة مخرجات ونتائج؛ مثل فتح معبر رفح وإجراءات إسرائيلية تزعم من خلالها تخفيف الحصار ليتحول إلى حصار ديلوكس, ألا يذكركم هذا بحكاية الاحتلال الحضاري،والنفط مقابل الغذاء، وقبل ذلك ألا يذكركم بقصة الرجل الفقير مع الحاخام في بداية المقال؟!

فالاحتلال عبر الضغط الاقتصادي والمعيشي والحصار الذي يدوس على أي قيمة أو اعتبار إنساني استهدف تحويل المشكلة من سياسية إلى إنسانية، وكنت أتمنى أن يكون الفشل حليفه والخيبة قرينته مثلما كان عليه الحال منذ عقود....ولكن!!

يوم الأحد 18/7/2010م نشر مقال بقلم المهندس سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي بعنوان «سفينة الأمل...بين جني العنب وقتال الناطور» وأشهد بأن المقال احتوى على لغة مباشرة وصريحة وواضحة كحد السيف الناصع الأملح،وأوضح الرجل أنه لا قبل لنا بالمواجهة وأن الناطور(أي إسرائيل هنا) غير راغبة فيها، وأن سفينة الأمل هي سفينة شحن مهترئة،ولا يمكنها مقارعة البحرية الإسرائيلية لأن هذه المهمة تركناها للجيوش العربية المظفرة،وقد اعتبر سيف الإسلام ما جرى مع سفينة الأمل بداية لفكفكة الحصار، وأن هناك 50 مليون دولار من المال الليبي ستدفع لإعادة إعمار غزة كبداية لوصول الأموال الأخرى...وخاطب سيف الإسلام القذافي الناطور الإسرائيلي بالقول:نحن شعب له حق يأبى النسيان...وهنا مربط الفرس؛ فالناطور يا سيد سيف الإسلام يعرف هذه الحقيقة ولكنه يدرك ويحترف إدارة الصراع حول هذا الحق؛ فإذا كنا-عموما- لم ولن ننسى حقنا فهو قادر على لخبطة أولوياتنا أو محاولة كيّ وعينا لنصل إلى فكرة شيطانية:مستحيل أن نستعيد حقنا ولو بعد 1000 عام...وأن الناطور هو المتحكم بالبر والجو والبحر وكل من يفكر في اختراق القواعد والنظم التي ابتكرها فيمكن أن يعرف أو يستنتج مصيره بالنظر إلى الشهداء على متن السفينة مرمرة...أليس كذلك؟فلمن نترك مهمة اختراق قواعد الناطور ومعاييره ونظمه؟ألسنا نخدع أنفسنا بأننا فعلنا ذلك حين نجني الحصرم ونستشعر مرارته في أفواهنا ونكابر بأنه عنب خليلي ناضج وحلو؟!

في ذروة انتفاضة الحجارة عام 1988م انتشر نقاش حول العمال الفلسطينيين في الداخل وتعالت أصوات بضرورة توقفهم عن العمل هناك،وخرجت حكومة الاحتلال متبجحة بأنها تدفع لهؤلاء العمال ما مجموعه كذا وكذا من الدولارات(لا أتذكر الرقم) فمن-تساءلت- من العرب يمكنه أن يدفع لهم هذا المبلغ؟وهنا جاء الرد من العقيد معمر القذافي بأنه على استعداد فوري لدفع هذا المبلغ وتخليص العمال من العمل داخل الخط الأخضر،وكان الرد الإسرائيلي هو الرفض القاطع لعرض العقيد القذافي،أظن أن هذا كان متوقعا ولكن حبذا لو تم فعلا وقتها العمل على إيجاد برنامج عربي من ليبيا و/أو مع غيرها حتى يتخلص الفلسطيني من الابتزاز،وكان هناك وما زال قنوات كثيرة؛وفي انتفاضة الأقصى كان الرئيس صدام حسين يدفع لأسرة الشهيد 15 ألف دولار ولأسرة الاستشهادي 25 ألف دولار ودفع 25 ألف دولار لأصحاب المنازل التي دمرت بشكل كامل في مخيم جنين،وهذا ساهم في صمود الشعب ورفع حرج العوز عن الناس،بل ثمة من يربط بين احتلال العراق وتفشي ما كان يعرف بالفلتان الأمني وتراجع الروح المعنوية حيث فقدنا معينا ولو بالإعلام وبعض الأموال التي لا تفقر أي دولة عربية،وأؤكد أنني لست هنا في معرض الدفاع عن أو المقارنة بين نظام عربي وآخر،ولكن تكرار المآسي وتزايدها وبقاء الاحتلال يجبرك على استحضار التاريخ حين تتحدث عن الواقع وتنظر إلى المستقبل.

(4)

كان هذا يوم 17/1/2009م أي في أواخر عهد جورج بوش وعلى أوباما الطاعة والتسليم ؛فقد وقعت كل من تسيبي ليفني وكونداليزا رايس مذكرة تفاهم تنص على منع إيصال السلاح إلى قطاع غزة أي أن الشريط الساحلي الضيق المكتظ بالسكان أكثر من أي مكان في العالم بات مراقبا من واشنطن والناتو وحلفاء هؤلاء ومن يمالئهم عدا عن الاحتلال الذي يحترف الرقابة والتفتيش والإذلال والحصار «كأفضل ما يكون» ،وتحت ذريعة منع وصول السلاح يمكن منع الكاتشاب والمايونيز ثم السماح بهما ويمكن منع أقلام الحبر والرصاص وسائر القرطاسية بذات الذريعة ،والويل كل الويل لمن يغامر ويحاول خرق التفاهم بين العم سام والبارون روتشيلد سواء أكان تركيا أم ليبيا أم حتى أمريكيا...هل تذكرتم المذكرة يا حالمين يا طيبين؟!

(5)

يبدو بأن الاحتلال يرغب بنسب نجاح معينة في إجراءاته الاحتلالية ويتقبل نسبة من الخطأ في بعض الأمور؛ لكن هناك أمورا ممنوع الخطأ فيها ولو حتى بنسبة واحد في الألف وتحت أي ظرف ويجب التحرك لمنع بعض الأمور من أن تحصل وبأي ثمن، والثمن غالبا إعلامي يتلاشى بعد أيام؛ فمثلا في انتفاضة الأقصى اتخذ الاحتلال قرارا بأنه يجب أن ينجح 100% في منع وجود صواريخ وقذائف محلية أو غيرها في الضفة الغربية، وقد لوحظ هذا الإصرار على النجاح الكامل في عمليات التصفية المركزة لأي نشيط من أي تنظيم كان يقطع شوطا في هذا الموضوع, وبأحكام السجن القاسية والمشددة والمبالغ فيها على المعتقلين الذين لهم صلات بهذه القضايا...وهناك أمثلة عديدة ندركها بالملاحظة وبشيء من المتابعة حول ما هو مسموح الخطأ فيه بنسبة قليلة وما يمنع ويحظر أي خطأ فيه، من وجهة نظر الاحتلال.

وللبحر حكاية مع الاحتلال والحصار ونسبة النجاح الاحتلالي؛ فالحركة الصهيونية عملت منذ بدايات استيطانها على الاستيلاء على المناطق الساحلية الفلسطينية وفي الوجبة الدسمة رقم واحد كان الساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط؛ حيفا ويافا وعكا وقيسارية وأسدود وغيرها قد سقط في قبضة الاحتلال؛ فالبحر عالم زاخر بالكنوز ورابط حيوي بين مناطق اليابسة فوق كوكبنا، وله من الأسرار والخصائص والمزايا ما لا أحيط ولو بقليل منها ولا مجال هنا لسردها، ولكن المسألة الأساسية في العقيدة الأمنية الاحتلالية هي أهمية البحر وضرورة التحكم المطلق بشواطئه ومراقبته بشكل مركّز ومكثف.

شاطئ غزة لم يسقط في الوجبة الدسمة الأولى في بطن الحركة الصهيونية ،ولكن الاحتلال بعد سقوط القطاع صيف سنة 1967م عمل على إحكام قبضته ،وتحويل البحر من مصدر رزق ونعمة ونافذة على الجمال والبهاء إلى تضييق ونقمة وسوء على أهالي القطاع،وساوم صيادي السمك المحدد لهم مسافة ملاحة محدودة على قوتهم وحاول ابتزازهم وما زال.

من الواضح بأن مسألة التحكم بالشواطئ والبحار تقع في صلب العقيدة الأمنية الإسرائيلية أكثر من أمور أخرى؛فمثلا لم يسمح الاحتلال بإيجاد مرفأ في غزة عبر سياسة التسويف والمماطلة والتنكر والتنصل من أي تعهد أو وعد أو اتفاق،ومن هذا المنطلق فإنه لم ولن يسمح لأي سفينة حتى ولو كان قد فتشها بالرّسو على شواطئ غزة؛وقد كانت مجزرة أسطول الحرية هي الترجمة العملية الصريحة لهذه السياسة،وفي ظل موازين القوى الحالي ؛وبعد دعوة الأمم المتحدة لإيصال المساعدات برّا فإن أي سفينة يجب أن ترسو في ميناء العريش ،إلا إذا حدث تغير دراماتيكي يشطب أو يغير هذه المعادلة ،أو سمح الاحتلال بنسبة نجاح غير مطلقة في المجال البحري،أليس هو الناطور؟

(6)

الأرض هي محور الصراع وحمّى السيطرة عليها مستمرة ،والحركة الصهيونية حاليا لا تريد دولة من الفرات إلى النيل ،يكفيها التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية ،وتصفية أو حصر الوجود العربي الفلسطيني في النقب وما حدث في العراقيب يصب في هذا الاتجاه،وللتذكير فإن النقب يشكل ما يقارب نصف مساحة فلسطين الانتدابية.

القدس تهوّد على عينك يا فلسطيني ويا عربي ويا مسلم ويا إنسان حرّ،والمشروع التهويدي يسير كبلدوزر لا يتوقف بل لا يسمع سائقه الشتائم وعبارات الشجب والتنديد والاستنكار،والتهديدات الساخنة عبر البيانات والفضائيات...أما التدريبات على اقتحام المسجد الأقصى فلها ما بعدها؛وبتقديري فإن اعتداءات المستوطنين ستتواصل على المواطنين وممتلكاتهم،إضافة إلى النقرشة على أهداف في قطاع غزة ،وربما تتطور النقرشة إلى حرب موسعة.

وماذا بعد؟حقيقة لقد أراحني الكاتب والباحث ماجد كيالي حين تساءل في مقال يحمل العنوان «ما الذي يضطر إسرائيل للحرب أو حتى للسلام..؟»فإسرائيل بما تمتلكه من قوة متنوعة ذاتية وخارجية المصدر تحرمنا من الحرية وتحاصر متى تشاء وتعتقل وتقتل من تريد وتستمر في مخططاتها التهويدية,ليس لأن العرب ضعفاء بل لأنهم لا يستثمرون أوراق قوتهم أو لا يرغبون بذلك أو كلاهما معا وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(7)

رغم كل ما يظهر من صور سوداوية أعلاه ،إلا أن هذا ليس تعميما للإحباط أو نبذا للأمل ،فكما قال أحمد مطر:-

من ظلمة الأصداف من قسوتها تنبلج الدرة

من رحم الهجير يولد الندى

وفي انتهاء الصوت يبدأ الصدى

لك الحياة في الردى...لك الحياة في الردى

أيتها الزهرة

أيتها الفكرة

أيتها الأرض التي تؤمن دوما أنها حرة

فالمشروع الإمبريالي يترنح في غير مكان وبدأت عراه تتمزق ،والمؤشرات  تدل على هبوط لا صعود للرأسمالية الغربية ،والقوة الإسرائيلية رغم ضخامتها لم تشطب عقول أصحاب الأرض،وفي النهاية لا ولن يصح إلا الصحيح.