الإتقان مفتاح شخصية
محمد يوسف عدس
زغلول عبد الحليم
"الإخلاص للقرآن لابد أن يتحول إلى تصميم على تطبيقه"
على عزت بيجوفيتش
من كتابه "الإعلان الإسلامي" صـ 106
"الإتقان لا حد له"
عبارة جاءت على ظهر الصفحة الأولى من كتاب (الإمبريالية الأمريكية) للأستاذ محمد يوسف عدس (1934- ) وقد شغلني كثيراً ورحت أبحث في الذاكرة – التي أصبحت غربالية – أين يقع الإتقان في منظومات قيمنا، فوجدته يقع ضمن القيم العليا التي بدونها لا تقوم الأمة – أي أمة – لذا فهو في عقيدتنا تشريع، وفي الحديث الصحيح (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عمل أن يتقنه) كما ورد عن كبار العلماء أنهم قالوا: "فليس المهم أن ننتج أي شيء، بل أن ننتج إنتاجا جيدا، وليس المهم أن ننتج كل شيء يباع، وإن كان ضارا بالناس، في دينهم أو دنياهم، بل الواجب هو إنتاج ما ينفع الناس لا ما يضرهم" وهذا قول يخرج الأعمال التي تضر الناس من دائرة ما ينفع الناس فتذهب إلى دائرة النسيان وربما أشد.
ومن هذا المنطلق نجد أن مؤلفات الأستاذ يوسف عدس تدخل ضمن دائرة ما ينفع الناس لأنها تعتمد على قاعدة الأخلاق والخلق لا يكتسب إلا بسبب الالتزام بوصايا القرآن الكريم وتحويل الوصايا إلى سلوك عملي.
ويقول الشيخ سيد سابق: "إن النفس منشأ الفعل ومصدره فإذا كانت صالحة كان العمل صالحا، وإذا كانت فاسدة كان العمل فاسداً كذلك، إن الفعل ترجمة وتعبير عما تنطوي عليه النفس، نعم إذا كانت الأفعال حسنة، كان الخلق حسنا وإذا كانت سيئة كان الخلق سيئا والفعل الحسن هو الذي يوصف بأنه خير والعكس صحيح، والخير هو ما حبب الإسلام فيه ودعا إليه والشر ما حظره ونهى عنه، وهذا هو مقياس صحيح تقاس به جميع الأفعال" من كتاب (عناصر القوة) ص 46.
واعتقد أن الأستاذ يوسف عدس يكتب من خلال منهج أخلاقي قائم على التصور الحقيقي للعلاقة بين (الله – الكون – الإنسان) وهي العلاقة التي يحاول البعض كسرها وتقديم البديل الغربي ووضع الإنسان في مواجهة القدر الذي هو الله وأن الصراع هو الأساس !! وهذا التصور الأخرق مرفوض تماما ولا علاقة لنا به وقد جاءت مؤلفات يوسف عدس تؤكد هذا المنهج بكل تفاصيله. إنه يتناول قضية الإنسان المسلم في هذا العصر تراه لا يخرج عن حدود الحق والعدل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة: 8.
ويدافع يوسف عن مطلق الإنسان فيقول: "التحكم في سكان الأرض كان دائما حلم الطغاة أمثال هتلر وموسوليني ولينين وستالين وهذه النخبة الخفية بالتأكيد تتمتع بعقلية الطغاة فهم لا يقفون على حد في سعيهم الرهيب للتحكم في حياة البشر وتشكيلها وفق أطر وقوالب يساعدهم في صنعها مجموعة أخرى من الخبراء أو أنصاف آلهة لأنهم يستطيعون في معاملتهم تطوير وسائل وتكنولوجيات للتحكم في الجينات واستنساخ الحيوانات والبشر والتأثير على صحة الإنسان سلبا أو إيجابا ويعتقدون مثل فرعون أنهم يهبون الحياة أو يسلبونها وفق مشيئتهم وأهوائهم هذه النخبة أو العصابة الشريرة تعتنق إيديولوجية لا إنسانية ولا أخلاقية" ص 12 من كتابه (الشيطان طبيبا)
ويقول أيضا: "كان تحديد النسل هو الشغل الشاغل للنخب الأمريكية والأوربية خلال القرن العشرين وقد أنشأ (جون روكفلر) الثالث سنة 1952 (مجلس السكان) بصندوق النقد الدولي وإلى جانب ذلك هناك مؤسسات تعمل تحت غطاء الأعمال الخيرية في مجال التحكم في النسل بنشاط لا يفتر من أبرزها (مؤسسة فورد) و(مؤسسة روكفلر) وهي تصب ملايين الدولارات لتحقيق هذه المهمة ثم تتجلى عبقرية الشر في الترويج لهذه المهمة من خلال الإعلام العالمي بأنها اهتمام عالمي بموارد الأرض والتلوث البيئي وبحقوق النساء، والصحة الإنجابية، وتنظيم الأسرة إلى آخره من هذه الشعارات البراقة" ص 13 من كتابه (الشيطان طبيبا)
وقد كتب الدكتور "فوزي محمد طايل" كثيراً حول هذه الأمور في كتابه (كيف نفكر إستراتيجيا) التي صدر بعد وفاة رحمه الله رحمة واسعة.
ويستطرد الأستاذ يوسف عدس قائلا: "إنهم تحت هذه الشعارات والعناوين المشهورة المرغوبة ينفذون أهدافا وخططا أخرى عنوانها الحقيقة المستنيرة من أهمها:
1- تقليص عدد سكان الأرض في العالم الثالث.
2- تخفيض مستوى الذكاء عند عامة الناس باستثناء النخب الحاكمة.
3- التحكم في العقول لتيسير التلاعب بها وتوجيهها فيما يعرف بصناعة الرأي العام.
زيادة الفقر.
نشر الأمراض في دول العالم الثالث.
التمكين لاحتكارات صناعة الأدوية.
وكلها كما ترى قضايا غير أخلاقية. ص 14 (الشيطان طبيبا)
ونمط آخر من الأنماط الغير أخلاقية يورده لنا الأستاذ يوسف عدس متسائلا أين تمكن السلطة الحقيقة في الولايات المتحدة ؟ ويجيب بالآتي: "يجب أن نفهم أن السلطة الحقيقية في الولايات المتحدة يملكها أصحاب الثروة الذي يمتلكون المال والإعلام ويملكون الصناعات الكبرى العسكرية والدوائية والطاقة ويملكون بذلك رقبة السياسيين ويسيطرون على السياسية الخارجية وعلى قرارات الحرب والسلام كما يجب أن تفهم أيضا أن أيضا أن في قلب مؤسسة الثروة هذه تقع آسرة روكفلر وشبكاتها الأخطبوطية في العالم" ص 38 من كتابه الشيطان طبيبا.
هذه هي صورة الأخلاق الغربية، يقدمها لنا كاتب كبير عاش أكثر من نصف عمره في الغرب وعمل في بعض دوائره الثقافية (منظمة اليونسكو) ثم استقر به المقام حاليا في القارة الأسترالية.
وعن أسلحة الدمار الشامل الأمريكية يقول الأستاذ يوسف عدس: "تحيط أمريكا دائما ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل وجهودها في تطوير أسلحة الدمار الشامل بنطاق من السرية الكامنة وتعتبر من يغش سرا منها أو يبدي اعتراضه عليها خائنا للوطن وتعمد إلى تصفية في صمت خصوصا إذا كان من العلماء المنخرطين في أبحاث أو في تطوير هذه الأسلحة السرية وقد تم اغتيال ستة علماء منهم في ظروف غامضة بالغة الغرابة وانتهت تحقيقات رجال الشرطة دائما إلى إغلاق ملف القضية دون الوصول إلى نتيجة وتلك خصوصية أمريكية في أشهر جرائم الاغتيال التي استهدفت شخصيات أمريكية كبير مثل الرئيس جون كينيدي، والزعيمين الأسودين مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس" ص 48 من كتابه الشيطان طبيبا.
إن الأستاذ "يوسف عدس" يكتب من خلال منهج أخلاقي شكلته العقيدة وحددت معالمه ونستطيع أن نلمس بوضوح معالم هذا المنهج وهو يتحدث عن علي عزت بيجوفيتش وأقرأ معي:
طراز فريد من الشخصيات، فهو بسلوكه وقيمه وأخلاقه يضرب أمثلة في القيادة والحكم فمنذ توليه رئاسة الجمهورية لم ينتقل إلى القصر الجمهوري ليسكن فيه، وإنما بقي مقيما في شقة متواضعة بإحدى عمارات سراييفو مع جيرانه السابقين، ويأبى أن يختص بطعام وشعبه يتضور جوعا فكان يشارك جيرانه فيما يقدم إليهم من طعام متواضع، يأتيهم ضمن مواد الإغاثة الدولية ورفض تعليق صورته في الشوارع أو الإدارات والمكاتب وسؤلت ابنته (سابرينا) ماذا يفعل الرئيس عندما تبدأ الغارات الصربية؟ فقالت أن أول ما يفعله أبي أن يقف حتى يطمئن أننا جميعا قد نزلنا أسفل العمارة نتحصن هناك من الشظايا ثم يذهب هو إلى مكتبه فيجلس وحيداً يقرأ القرآن حتى تنتهي الغارة" ص 172 من كتابه (الإسلام بين شرق وغرب)
واستكمالا لهذه النقطة بالذات قالت ابنته" كان أبي يجلس دائما إلى ترابيزة صغيرة عليها أباجورة يقرأ في نورها الخافت كتاب الله"
أخلاق جيل عرفناه باسم (الجيل المتفرد) صاحب أخلاق المجتمع الإسلامي وهل يمكن التعرف على الروابط الأساسية بين محمد يوسف عدس وعلى عزت بيجوفيتش ؟ أقول بوضوح نعم يمكن هذا. إنه الرابط الأول وهو رابط العقيدة كما يعرضها القرآن الكريم والسنة النبوية وكما فهمها الجيل المتفرد الذي عايش نزول الوحي. هذه هي الصلة الحقيقة بين على عزت ويوسف عدس الذي يقول "لم يكن بيجوفيتش فحسب هو الرئيس الأسبق لجمهورية البوسنة والهرسك ولا زعيمها الأوحد ولا قائدها الفكري والروحي الذي واجه بها ومعها أيشع حرب عدوانية دموية وقعت في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية. حرب كان يقصد بها إبادة شعب فيما سمى بحرب التطهير العرقي (انظر كتاب البوسنة في قلب إعصار) ليوسف عدس، لم يكن على عزت كل هذا فحسب وإنما كان صاحب اجتهادات بالغة الأهمية في تفسير ظاهرة الإنسان في تركيباتها الفريدة وارتباطها المبدع مما سماه بيجوفيتش بثنائية (الإنسان والطبيعة) هذه الظاهرة هي نقطة انطلاقه الفكري. ص 270 من كتابه (مشروعات الإصلاح والنهوض بالعالم الإسلامي في فكر على عزت بيجويتش).
والحقيقة الواضحة أن العلاقة بين المترجم والمترجم له علاقة صلة العقيدة التي تعلون فوق كل صلة بيد أنها تتميز في هذا الخصوص بالرجوع إلى مزايا (الجيل المتفرد) والاقتراب منها وإلا ماذا يعني المقطع الذي ذكرنا من قبل عن حياة بيجوفيتتش ؟
إن تفاصيل الحياة اليومية للشخص تدل على كثيرا من خصائصه النفسية ويمكن تفسير سلوكه العام من خلالها هذا ما اعتقده وأرجو أن يكون الصواب فيه أكثر من الخطأ، ثم لماذا يكتب يوسف عدس عن على عزت بيجوفيتش ويترجم له.
أخطر كتاب وهو (الإعلان الإسلامي) الذي كتبه بالصربية والذي عانى مترجمه معاناة مؤلفه ! ثم ترجم كتابه (الإسلام بين شرق وغرب) أيضا، إنها قرابة الفكر وليس أي فكر أنه الفكر القائم على العقيدة الصحيحة كما قدمها القرآن الكريم والسنة النبوية والتي نفذها كما هي (الجيل المتفرد) الذين عاشوا عصر نزول الوحي رضى الله عنهم وأرضاهم.
عرضت فيما سبق لملامح المنهج الأخلاقي القائم على الإتقان الذي هو العنصر الأساسي في قيمة (العمل) الذي إذا فقد الإتقان فنحن عندئذ نلهو ونلعب وفي النهاية نكون في ذيل الأمم وهو واقعنا بلا خجل !!
أعرض الآتي لمسألة اهتمام الأستاذ يوسف عدس بقضايا الأمة الكبيرة من الفلبين إلى البلقان وهو في هذا يشكل نموذجا متفرداً قد سبقه في هذا المجال كتابات متقطعة هنا وهناك لبعض العلماء من أمثال عبد الجليل شلبي، وغيره من رجالات الأزهر الذين اهتموا بقضية الأقلية المسلمة في العالم. صحيح أن هناك منظمات وندوات تعقد هنا وهناك ولكن الحصيلة دائما صفرية !! لا أحد يستمع لأمه تلعب ولنا فيما حدث (لإبراهيم راجونا) الألباني العظة والعبرة ولكن الترف الجنوني والاستسلام لملذات الحياة أسكت فينا القدرة على الكلام والحركة !!
وقد اسقط على عزت بيجوفيتش الترف من حسابه فصارت هناك دولة مسلمة في قلب أوربا العنصرية ولحقت بها أيضا "كوسوفا" حاليا، إنها ثمرة التنازل عن الترف والمجون والاستعلاء والصخب !
في حدود علمي لم يكتب (جيل البعث) كما يطلق عليه البعض عن قضايا الأمة الكبيرة، لم يكتب الدكتور طه أو الأستاذ العقاد أو الدكتور أحمد أمين أو غيرهم ممن يفتحون إلى ذلكم الجيل عن قضايا الأقليات المسلمة. لم يجرؤ أحد منهم أن يكتب عن مجازر (لينين) أو مجازر (تيتو) في البلقان لم نسمع صوتا لكتاب (البعث) إلا فيما يتعلق بأبي نواس وابن الأشعت وغاندي الذي كتب له الأستاذ العقاد كتابه (روح عظيم) محنة عقلية كبيرة وإن تعجب فعجب أن تقرأ الآتي للأستاذ عباس محمود العقاد:
"لم يوجب القرآن على المسلم مقدارا محدودا من السنين لخلق الكون أو لخلق الإنسان، ولا نعلم أن ديانة من الديانات الكبرى التي تؤمن بها أبناء الحضارة عرضت لتاريخ الخليفة عبر الديانتين البرهمية واليهودية" ص 70 من كتابه (الإنسان في القرآن)
ويقول أيضا: "إن عقيدة الإنسان شيء لا يأتيه من الخارج فيقبله مرضاه للداعي أو ممتنا عليه، ولكنها هي ضميره وقوام حياته الباطنية يصلحه وهو لا يمن عليه ولا يرى أنه عالج نفسه لمرضاته. فالعقيدة مسألة الإنسان لا شأن للأنبياء بها إلا لأنها مسألة الإنسان وعليه إذا عالج إصلاحه أن يعالجها كما يعالج قوام نفسه …" ص 236 من كتابه حياة المسيح.
ولا تعليق على هذا الكلام إلا بما يلي:
هذا الكلام هو من كلام كتاب (البعث) الذين تركوا "تيتو" يقتل الملايين من أهل البوسنة والهرسك إنه (جوزيف بروز تتيتو) قال صلى الله عليه وسلم (من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم)
ماذا نقول عن الذين وضعوا (بكتاب البعث) !! قدم (سلامة موسى) كتابه (هؤلاء علموني، ضم الملاحدة وكان يتسابق لشراء الكتاب أهل (الثقافة) ! كما قدم (على أدهم) و(إسماعيل مظهر) ألوان أخرى من الثقافات الوثنية ! في حين أنحسر وحوصر دور شخصيات مثل سعيد العريان، ومحمد عبد الله عنان، ومحمود شاكر، وغيرهم من نهجوا نهجهم وساروا مسيرتهم.
إذن اهتم الأستاذ يوسف عدس بقضايا أمته الكبيرة في الوقت الذي راح كتاب البعث وراء سارتر ونيتشه !!
كتب الأستاذ يوسف عدس كتابه عن (البوسنة في قلب إعصار) وكتب (كوسوفا بين الحقيقة والأساطير) وترجم كتابه (الدولة اليهودية) لهرتزل بمقدمة رائعة للأستاذ الدكتور عادل غنيم الذي قدم له كتابه (الإمبريالية الأمريكية بين الغطرسة حتى الانهيار) لا نقول أن الأستاذ يوسف عدس وهو وحده الذي اهتم بقضايا الأمة لا فهناك الكثير من كتاب التاريخ كتبوا ولكن ما يميز الأستاذ يوسف عن غيره هو ربط القضايا بالعقيدة كذا بالدافع، والذين فعلوا فعله فلة نذكر منهم مولانا الشيخ محمد الغزالي في كل ما كتب واللواء أ/ح الدكتور فوزي محمد طايل، أستاذ الإستراتيجية الشاملة (1942-1996) صاحب كتاب (كيف نفكر إستراتيجيا) وهو من الذين تلقوا العلم على يد العلامة (حامد عبد الله ربيع) رحمه الله.
هذا هو الفارق بين الذين كتبوا عن الأقليات المسلمة من منطلق عقيدي وغيرهم من الذين تناولوا المسائل من ناحية السرد التاريخي العام دون التفات لموضوع العقيدة.
ويوضح الأستاذ يوسف عدس هذا الأمر بقوله:
"إن الجدال العلماني العقيم ضد النظام الإسلامي هو نوع من الجنون، يرتكبه العلمانيون المتطرفون الذين قطعوا جذور الاتصال بثقافتهم الإسلامية الأصلية وأهالوا التراب بجهلهم وحماقاتهم على أعظم كنوز هذه الأمة حتى أصبح الواحد منهم عاجزا عن فهم صفحة واحدة في أصول الفقه، عاجزا عن الاتصال باجتهادات أئمة الفقه وعلمائه القدامي والمحدثين،عاجزا عن قراءة آية واحدة من القرآن الكريم قراءة صحيحة ثم يخرج علينا بعد ذلك متبجحا بفتاوى ونصائح فيما ينبغي ولا ينبغي في أمور السياسية والدين والحياة فهل يمكن أن يؤتمن أمثال هؤلاء الحمقى الجهال بثقافة الأمة على مستقبل هذه الأمة ومصيرها" ص 13 من كتابه (سقوط الأكاذيب)
لقد تصدى (لكتاب البعث) أقلام كبيرة فتصدى الرافعي لطه حسين، وللعقاد وتصدى محمود شاكر أيضا لطه حسين وتصدى محمد الغزالي للهجوم القادم من الغرب بكل أشكاله ولم يتفرج على سيرك (كتاب البعث) لا نريد أن نبتعد عن موضوعنا وهو قراءة في فكر يوسف عدس الذي هو امتداد طبيعي لهذه المدرسة الكبيرة - امتداد للطاهر بن عاشور، امتداد ليوسف القرضاوي، امتداد لمحمد الغزالي وهم الذين ذكرهم على التحديد في كتابه (سقوط الأكاذيب)
ذكرهم لأنهم القادة والعلماء والمشاعل. إنها ثقافة العباقرة وليست ثقافة المهازيل.
ولابد للامتداد أن يكون من الفرع الأصيل، فمدرسة الرافعي لها روادها وعشاقها لارتباطها بالعقيدة شكلا ومضمونا بعيدا عن الترهات والأباطيل التي عاشها ما يطلق عليهم (كتاب البعث) إن الأستاذ يوسف عدس استطاع أن يجد لنفسه مكانا بارزا بين هؤلاء جميعا فهو يشرب من نفس الكأس الذي يشرب منها أولئك النفر الطاهر بن عاشور، ويوسف القرضاوي، محمد الغزالي، محمد عمارة وغيرهم خط الدفاع عن الشريعة، وانظر إلى عنوان كتابه (سقوط الاكاذيب تفنيد شبهات العلمانيين حول الشريعة الإسلامية) نعم، إن محمد يوسف عدس ينضم بجدارة إلى جنود خط الدفاع الأول عن الشريعة.
لم أبالغ ولم تدفعني العاطفة إلى تجاوز الحقائق كما حذرني الأستاذ يوسف عدس في رسالة لي على الفيس بوك.
ويقول الأستاذ الدكتور عادل حسن غنيم عن صديق عمره يوسف عدس: "ترجع علاقتي به (أي يوسف عدس) إلى أربعين عاما خلت عندما كنا طلابا بالمرحلة الثانوية وخلال تلك السنوات كان نموذجا طيبا للمثقف الذي يحمل بين جنبيه حبا لوطنه والتزاما بمسؤلياته وخدمته لقضايا أمته" ص 47 من كتاب الإمبريالية الأمريكية.
نعم خدمته لقضايا أمته وهو فعلا مثال يحتذى في خدمة قضايا أمته الكبيرة، لذا فهو كاتب يترقب القارئ ظهور مقالاته بشغف وشوق كما يصف الأستاذ الدكتور حلمي القاعود الكاتب الناجح وأنقل لكم نص كلمة الدكتور القاعود يقول:
"الكاتب الناجح هو الذي يعرض موضوعه بوضوح أو براعة، ويجعل من القارئ صديقا حميما له يترقب ظهور مقالاته أو إنتاجه الأدبي بشغف وشوق بل ويسعى إليه حيث ينشر ويكتب" من كتابه النثر الفني ص 156.
والآن أسأل نفسي:
هل يعد الإتقان منهجا ؟
إذا كان الإتقان تشريعا أفلا يكون منهجا ؟
وإذا كانت الحرية وتقديس المسئولية هما معا مفتاح شخصية على عزت بيجوفيتش – كما قال يوسف عدس فإنني أضيف الإتقان للعنصرين السابقين وبذلك يتكون للباحث ما يحفزه على مواصلة جهده في البحث عن العناصر المكونة لمنهج الإتقان الذي هو مفتاح شخصية الأستاذ محمد يوسف عدس.
والحمد لله رب العالمين.