الحكومات الظالمة
خمس رؤى إسلامية
الرؤية الثالثة
الحكومات الظالمة
تمسخ حاضر الإسلام
سورية الشامي
في مخطط أعداء الإسلام للقضاء على هذا الدين، محاور ثلاثة تتلاقى، في تناسق وتكامل عجيبين، فمن وجد نفسه على أحد هذه المحاور فليعلم أنه يعين أعداء هذا الدين على تنفيذ مخططهم، سواء أكان وجوده هذا بفعل يده أم دون تدبير منه، وليتذكر كل من وجد نفسه مع أعداء هذا الدين على نفس النهج (بحسن أو سوء نية) ثم لم يتراجع على الفور، أنه أداة من أدوات أعدائنا في حربهم علينا.
وحرب المحاور الثلاثة التي يشنها أعداء الإسلام عليه، تتمثل في طمس تاريخه (الذي يمثل نشأة هذا الدين وجذره العميق)، وكذلك في مسخ حاضره (الذي يمثل روحه النابضة وحركيته)، ثم في تشويه مستقبله (الذي يمثل ثمرة وجهود الداعين إليه).
حرب أعداء الإسلام عليه، شاملة عنيفة لاتقبل أقل من اقتلاعه من الجذور، وعلى المحاور الثلاثة أنواع وأشكال من الأدوات والخطط، تعمل معاً هنا وهناك وعلى كل صعيد، ومع الأسف أنك تجد في مقدمة أعداء هذا الدين على كل محور من يلبس لبوس الإسلام، ويدعي أنه من حماته.
قيادة المحور الأول تم إسنادها إلى (حركة التشيع) لطمس تاريخ هذا الدين العظيم، فقامت ولا تزال تقوم وسوف تبقى قائمة بهذه المهمة خير قيام.
أما أولئك الذين لم يذعنوا لترغيب أو ترهيب أصحاب هذا الفكر المقيت، ونأوا بعقولهم التي حررها الله من كل رجس أن تنتقص نبياً أو تؤله رجلاً أو تسجد لقبر أو تحمل حقداً على مسلم، هؤلاء الذين يمثلون غراس هذا الدين ونبته الطيب والنتاج الطبيعي لتاريخه العظيم المجيد، اعتبرهم أعداء الإسلام الخطر الأكبر، واستهدفوهم على المحور الثاني في حربهم الشاملة على الإسلام وأهله.
هؤلاء الذين فهموا هذا الدين حق الفهم، وتمثلوه في مختلف شؤون حياتهم، فهموه غاية وجود وهدف حياة، ورأوا في سلوكه والدعوة إليه رضى خالقهم ومنتهى حبهم، فحملوه فكراً حياً نيراً للبشرية جمعاء، يدعون إليه، سائرين على طريق الأنبياء والصالحين من قبلهم، جاهزين لكل تضحية، مستعذبين في سبيله كل عذاب.
ولئن كان حملة هذه الراية لايمثلون في الحقيقة كل المسلمين، ولكن (كل المسلمين) مهيؤون لأن يكونوا في يوم ما من الدعاة لهذا الدين لذلك كان لزاماً على أعدائه أن يتخذوهم عدواً، وبهذا يصبح كل المسلمين، نعم (كل المسلمين، نساءً ورجالاً وأطفالاً، بل حتى الأجنة في البطون) مستهدفين من قبل العدو، في حربهم الشرسة على الإسلام وأهله.
في خطة شيطانية بعيدة الأمد، وبكل هدوء وإصرار وإحكام، أعدت الخطة ونفذت بنودها (ولا تزال تنفذ)، بأساليب شتى حسب كل بلد وطبيعته، وحسب كل شعب وعاداته، لتؤدي في النهاية إلى نفس الهدف، (وبكل ذكاء) بدأ أعداء هذا الدين وبكل دقة لتحقيق البند الأول (والأهم) من بنود هذه الحرب، ثم تركوا تحقيق ما تبقى من بنود الخطة لغيرهم، الذين قاموا (بكل غباء) بتنفيذها بكل دقة وإحكام، بل في كثير من الأحيان بأعنف وأشرس وأرذل ألف مرة مما كان سيفعله العدو (الأساسي) بيده.
البند الأول: القضاء على الخلافة الإسلامية واحتلال أجزاء كبيرة من بلاد الإسلام
الخلافة هي أحد أسرار قوة هذا الدين، فهي الراية الواحدة والمرجع الواحد والرأي الواحد، وبالقضاء عليها، يتحول الجمع القوي إلى شراذم، وتتحول الأمة إلى دول، هذه الخلافة في تاريخها منذ عهد الخليفة الراشد الأول (أبي بكر الصديق رضي الله عنه) وحتى آخر خلفاء بني عثمان، تعرضت إلى محن شتى، إلا ان المحنة الأخيرة كان لها بعدان آخران لم يحدثا من قبل، وبحدوثهما كانت بداية الكارثة الكبرى.
البعد الأول .. هو أن خلافة الإسلام وإن تعرضت من قبل إلى محن شتى أضعفتها وهمشت دورها القيادي في حياة المسلمين العامة، إلا أنها في محنتها الأخيرة تعرضت إلى الإزالة والإلغاء التام من حياة المسلمين، وبهذا لم يترك لها أي مجال لتلملم نفسها وتظهر للوجود من جديد.
البعد الثاني .. هو أن الخلافة في سابق محنها كانت تتعرض للمحنة بما يشبه حرب الكر والفر، فإذا ما ضعفت وتراجعت تركها أعداؤها مكتفين بالنصر المؤقت، لكنها في محنتها الأخيرة، وبالرجوع إلى تجارب التاريخ ودروسه (التي وعاها العدو أكثر بكثير منا)، لم يتركها أعداؤها مكتفين بالنصر القريب المتمثل بإلغائها، بل أتوا بجيوشهم محتلين لمعظم وأهم بلاد المسلمين، وذلك ليضمنوا (بأنفسهم) وأد كل ملامح الخلافة من حياة المسلمين، ثم بعد ذلك أتبعوا نصرهم هذا بباقي بنود الخطة.
البند الثاني: زرع دولة اليهود في قلب العالم الإسلامي لتشطره نصفين
نعم (نصفين) بكل مالهذه الكلمة من معنى، فدولة اليهود شطرت العالم الإسلامي جغرافياً (وكنا نظن هذا فقط!)، ثم ها هو يتبين لنا كل يوم أنها شطرته (فكرياً) وهو الأخطر والأدهى، ونحن نرى رجوح كفة الفكر اليهودي، بازدياد عدد الموافقين عليه والمقتنعين به والراضخين له والمنتمين إليه علناً جهاراً نهاراً، ليبقى في الصف الآخر المنتمون لهذا الدين بحق، ليسهل فرزهم، ثم لتسهل حربهم بعد ذلك.
البند الثالث: تولية أمر المسلمين في كل بلد لكل فاجر وظالم وفاسق
حتى لايكون هناك أي احتمال لعودة نواة الخلافة للظهور في أية بقعة من بلاد المسلمين، ولكي يريح أعداء هذا الدين أنفسهم عناء مواجهة (كل المسلمين) أوكلوا هذه المهمة لشراذم من حثالة الناس في كل بلد قبل أن يغادروه، رفعوا شأنهم، وأوصلوهم إلى سدات الحكم بكل وسيلة، فما عدت ترى على كراسي الحكم إلا الفسقة، ولا في مرافق الدولة الأساسية إلا المنافقين الفجرة.
لذلك كان من الطبيعي أن تحصل المصادمة بين الحكام وبين الصالحين الشرفاء من أبناء كل بلد (وهذا هو المطلوب)، فحصلت بذلك (الهوة) بين المسلمين وبين الحكام، هوة لازالت تكبر وتتسع وتزداد عمقاً، حتى صار الإسلام يمثل عدواً ونداً لكل حاكم، يهدد حكمه وينازعه، فاستدارت الجيوش والأسلحة إلى داخل الأوطان بدل مواجهة العدو الحقيقي، وبنيت السجون بدل المصانع وزجت بها خيرة شباب الأمة، وتفوقت مراكز الاستخبارات عدداً على المدارس والجامعات، لمحاربة الشباب الواعي وحملة الفكر، زجاً في السجون أو نفياً من البلاد، أو دفناً تحت التراب، وأنفقت البلايين على جيوب المرتزقة والمنافقين والمجرمين بدل الإنفاق على التنمية، وباختصار شديد .. هم بضعة آلاف من أراذل البشر، يدعون الإسلام زوراً وبهتاناً، تولوا أمر المسلمين في بلدانهم، وأخذوا على عاتقهم تنفيذ كل خطط العدو، فأزاحوا مليار مسلم من ساحة الحياة إلى ما وراء الهوامش.
البند الرابع: إزالة كل مظاهر الإسلام من حياة الناس ووضع بدائل لها
يروى أن مصطفى كمال أتاتورك (الذي كان زوال الخلافة على يديه) أصدر مرسوماً يقضي بإلزام الرجال لبس غطاء الرأس الغربي (البرنيطة) ولما سئل عن السبب أجاب: "إذل لم يتم تغيير ما على الرؤوس لن يتم تغيير مافيها".
وعلى ذات النهج، مشى أتباعه ومقلدوه في حربهم على الإسلام وأهله، ولم يتركوا مظهراً من مظاهر هذا الدين إلا حاربوه ثم ألغوه أو شوهوه.
فبدءاً برجال الإسلام ودعاته والعاملين له من العلماء ومدرسي المدارس والجامعات وأصحاب الفكر ووجهاء المجتمع وأهل الرأي، تمت محارباتهم ثم إقصاؤهم بشتى الطرق عن التأثير في الحياة اليومية للناس، وقدمت أشباه الرجال لقيادة المجتمع من الحزبيين والماجنين والفنانين والفنانات والفسقة أصحاب كل فكر ساقط، وصار فرز الناس وتسليم مقاليد الأمور يعتمد المعايير الحزبية، بغض النظر إطلاقاً عن الدين أو الخلق أو الأهلية.
كما ألغيت كل مظاهر التجمع الإسلامي تحت أي مسمى، وأنشئت بدلاً منها أحزاباً ومنتديات تقدم للناس فكراً بديلاً عن الإسلام، يملأ رؤوس الناس بعد تفريغها من محتواها العقدي، ولا مانع إن كان بعض هذه التجمعات تحمل شيئاً من صور الإسلام المشوهة بل هذا يصب في مصلحة العدو بإظهار الدين على غير حقيقته.
وفي كثير من بلاد المسلمين، اتخذ هذا النهج مساراً واضح العداء للإسلام بشكل سافر، تحت عناوين شتى من (محاربة التطرف) إلى (تجفيف منابع الأصولية) إلى (نشر الإسلام الحضاري) فامتدت الأيدي المجرمة تختطف كل ذي لحية من الرجال، وتعتدي على كل ذات حجاب، وتلاحق كل من يشعل ضوء بيته عند صلاة الفجر، وتمنع حتى الأذان أن يرتفع في بيوت الله، ثم كانت خاتمة المطاف بتصفية أتباع هذا الدين جسدياً في سجون لاتمت إلى عالم البشر بصلة، سجناً وتعذيباً وإعدامات دون محاكمة .. كل هذا (فقط) لمجرد الانتماء الفكري للإسلام، وحين كان الأمر ينذر بنوع من نصر للإسلام ولو بأدنى صوره، لم يردع الحكام الفجرة أي رادع من ارتكاب حتى المجازر الجماعية بحق أبناء بلدانهم.
البند الخامس: استهداف النشئ الجديد من أبناء المسلمين وتغريبهم عن دينهم
لضمان نشوء جيل بعيد عن دينه منذ الطفولة، بإضعاف الاهتمام باللغة العربية (لغة القرآن)، ومراقبة ورصد نشاطات المساجد والدعاة لإيقافها، ونشر الميوعة والمجون والطرب بين أوساط الشباب وإلهائهم بكل أنواعها، وأشرعت الأبواب أمام كل ماجن، وأغلقت المنافذ أمام كل شريف، كل ذلك برعاية الحكام ودعمهم وإشرافهم ومباركتهم.
فماذا كانت النتيجة؟ جيل من الشباب والفتيات جاهل لايجيد حتى مجرد قراءة أو كتابة رسالة، همه لبس آخر صيحات الموضة، واقتناء آخر ألبومات الغناء، مدمن على التدخين والمخدرات، لاهث وراء كل تفاهات الدنيا، غافل تماماً عن دينه وأخلاقه وأعدائه ومقدساته، مسموح له أن يمارس أي انحراف.
وفي ذات الوقت تجد أولئك الأعداء الأصليين، تتقدم بلدانهم وتتطور، وتنتشر العلوم وترقى في مدارسهم ومعاهدهم، أما أذنابهم النامية في بلداننا، فقد وجدوأ أنفسهم أمام أحد خيارين، إما أن يتركوا لشعوبهم حرية الفكر والعقيدة ليكونوا أسوداً في أوطانهم، وإما أن يحولوها إلى قطعان من الأرانب المذعورة، فوجدوا أن بقاءهم على كرسي الحكم لايدوم بين الأسود، فاختاروا الخيار الأخر، راضين لأنفسهم أن يكونوا مجرد ذئاب تحكم قطعان الأرانب، ولا تمانع أن تتركها نهباً لكل الوحوش.
وللحديث متابعة ..