في ستينية النكبة

في ستينية النكبة

ما نظرة "الإسرائيليين" إلى أنفسهم والمستقبل؟

هشام منور

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

في الوقت الذي تعيش فيه دولة الكيان الصهيوني الغاصب أجواء الاحتفالات بذكرى مرور ستين عام على اغتصاب فلسطين وإعلان نشوء دولة "إسرائيل" كتحقيق عملي لنبوءة توراتية مزيفة، ومنجز غربي إضافي على حساب حضارة وأرض وشعوب هذه المنطقة من العالم، لا تزال تخيم على المشهد الثقافي والسياسي العربي والإسلامي مشاعر "الحزن" و"القهر" والأسى على فوات واحدة من أهم بقاع أراضي العرب، بمسلميهم ومسيحييهم على حد سواء، ولا تزال تسود نبرة التشاؤم إزاء مستقبل حسمت فيه الأنظمة السياسية العربية زمام أمورها لصالح تغليب لغة "العقل والمنطق والمصلحة" ومسار التسوية والتطبيع، على علاته ومساوئه، على خطاب المقاومة والصمود ورفض أسلوب الهيمنة وفرض الحقوق بالقوة على أصحابها.

وفيما يبرر "المعتدلون" ما يقومون به لجهة التأقلم من الواقع وعدم المناكفة أو التعالي على الجراح التي أثخنت الجسد العربي على مدى ستين عام من المقاومة والنضال لاسترداد الحقوق والأرض، ينسى أبناء جلدتنا أن الكيان الصهيوني نفسه، وعلى الرغم من نشوة الانتصار الزائفة التي يتغنى بها، يعاني هو الآخر من سلسلة طويلة من المآزق البنيوية والإستراتيجية، ابتداء من القنبلة الديمغرافية التي بات انفجارها وتشظيها وشيكاً، إلى استنزاف حلفاء الكيان الصهيوني وسأمهم من بذل الدعم المتواصل للحفاظ على وجوده وتفوقه على أعدائه في المنطقة، إلى فشل "إسرائيل" في القضاء على نمط وأسلوب المقاومة الشعبية المتفاقمة والمتعاظمة إزاءها، مروراً بنضوب خزان الهجرة إليها في ظل توتر الأوضاع داخل الأراضي المحتلة وفي المنطقة بوجه عام.

ولعل ثالثة الأثافي، إن جاز لنا التعبير، يكمن في المشاكل الداخلية المتكاثفة والتي تفاقمت وانكشفت للعيان إبان حرب تموز الفائتة، إذ بانت تلك الحرب عن هشاشة الوضع الداخلي الإسرائيلي وسهولة ضعضعته أمام أي هزة أو تحد قد يواجهه، مما كشف عن عمق الأزمة الداخلية التي بات المجتمع السياسي والعسكري يخشى انكشاف عوارها أمام أي تحد مستقبلي قد يكون أكبر مما واجهه في صيف عام 2006.

ففي استطلاع للرأي أجراه معهد "داحاف" بإشراف الدكتورة (مينا تسيمح)، في سياق الذكرى السنوية الستين لقيام دولة "إسرائيل"، ونشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) بتاريخ 5/5/2008م، عبّر 52% من الإسرائيليين المستطلع آراؤهم أنهم لا يستبعدون الهجرة من دولة الكيان الصهيوني والانتقال للسكن في دولة أخرى. وقال 10% من المستطلعين إنهم واثقون من أنهم سيفعلون ذلك، فيما قال  12% إنهم سيدرسون ذلك الأمر بإيجاب، وقال 13% إنهم (ربما) يفعلون ذلك، وقال 16% إنهم قد لا يقدمون على خطوة كهذه مع إمكانية التفكير بها، فيما نفى 48% إمكانية الانتقال للسكن في دولة أخرى.

وفيما استغرب 32% هذا السؤال، وقالوا أنه لا شيء يمكن أن يدفعهم إلى مغادرة "إسرائيل"، صرح 24% بأن ما يمكن أن يدفعهم للمغادرة هو "فقدان الثقة بمستقبل الدولة أو القلق على مصير أولادهم". وقال 12% إن الوضع الأمني المتدني والخوف من حرب يدفعانهم للتفكير بمغادرة البلاد، فيما اعتبر 10% وجود عرض عمل مغر سيجعلهم يغادرون. ورأى 8% أن الإكراه الديني سبب يمكن أن يدفعهم لمغادرة "إسرائيل"، فيما قال 5% إن أزمة اقتصادية كبيرة ستدفعهم للقيام بذلك. وقال 5% إن نظام حكم يتعارض مع أفكارهم السياسية سيدفعهم للمغادرة.

وفي سؤال عن مستوى وماهية شعورهم بالعيش داخل الكيان الصهيوني، أجاب 39% بأن شعورهم جيد جداً، وقال 52% بأنه جيد بصورة كافية، وقال 6% إن شعورهم ليس جيداً، و3% إن شعورهم ليس جيداً على الإطلاق. وقال 30% إنهم يشعرون بالخجل من كونهم إسرائيليين وذلك بنسب متفاوتة الشدة والأوقات، وبيّن الاستطلاع أن السبب الأول (32%) لهذا الشعور هو مستوى السياسيين، فيما ردّ 20% شعورهم بالخجل من إسرائيليتهم إلى انتشار العنف في المجتمع، وقال 15% إن السبب هو السائق الإسرائيلي، وقال 13% إن السبب هو العنصرية في المجتمع الإسرائيلي. وأكد 5% أنهم يشعرون بالخجل من كونهم إسرائيليين بسبب الاحتلال.

وحول مستقبل إسرائيل قال 36% إن الدولة ستتغلب على جميع المصاعب وستبقى للأبد، ورأى 27% أنها ستتغلب على بعض المصاعب، و14% أن الوضع سيبقى على حاله كما هو اليوم. وقال 14% إن مستقبل إسرائيل سيتدهور تدريجياً، وقال 4% إن إسرائيل ستتدهور بسرعة حتى تزول.   

أما بالنسبة لأكبر "إنجاز" حققته "إسرائيل" منذ قيامها، فأشار 31% إلى "حرب الأيام الستة" عام 1967، وأشار 24% إلى اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن، وقال 23% إنه المفاعل النووي في ديمونا، وأشار 12% إلى الأقمار الاصطناعية الإسرائيلية في الفضاء، و3% إلى فوز إسرائيل بكأس أوروبا بكرة السلة، و1% إلى فوز إسرائيل بمسابقة (الأوروفيزيون) الغنائية، و1% إلى الفوز بميدالية أوليمبية. ولفت معدو الاستطلاع الانتباه إلى أن جيل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً هم الذين رأوا في حرب 67 الإنجاز الأهم، فيما أبناء (65) عاما فما فوق هم من رأوا أن الانجاز الأكبر هو مفاعل ديمونا.

والحال أن نتائج الاستطلاع المتزامنة مع صخب الاحتفالات بذكرى نشوء الكيان الصهيوني قد شكلت صدمة قاسية للوعي الإسرائيلي لم تخفف منها مشاركة معظم دول العالم في هذه الاحتفالات، ولا حتى زيارات الرئيس الأمريكي بوش إلى المنطقة وخطابه الخطير في الكنيست، وكيله للوعود والتعهدات بالحفاظ على وجود "إسرائيل" و"شعبها المختار" واستمراريتهما، فهل بات زوال دولة "إسرائيل" أمراً مقضياً ينتظر حدوثه حتى بالنسبة لقاطنيها ومستوطنيها، في الوقت الذي يراهن فيه البعض على عقد تحالفات معها لضمان بقائهم واستمراريتهم؟؟.