الأخوان المسلمون في الأحداث الماضية والحاضرة

الأخوان المسلمون في الأحداث الماضية والحاضرة

م.نجدت الأصفري

[email protected]

نشأت منذ طفولتي أسمع المناقشات السياسية الحادة في أمور العالم كله على لسان جيل جدي ثم جيل والدي من بعده وانتقل إلينا ، من عجب أن المناقشات كانت واسعة وتشمل الساحة العالمية من الهند (غاندي ، ونهرو)إلى الباكستان ( جناح) إلى تركيا ( مصطفى كمال – اتاتورك) إلى ألمانيا (هتلر )

إلى انكلترة (إيدن)، إيطاليا(موسوليني) ،إلى روسيا (ستالين ولينين)،إلى هولندة ،  للحرب العالمية ، (جنق قلعة ) .... إلى مشكلة الحربين العالميتين وثورة الشريف حسين ، ثم خداع الحلفاء له بعدها جريمة سايكس بيكو في تقسيم البلاد وآخرها جريمة وعد بلفور الذي خلق إسرائيل في قلب العالم العربي/ الإسلامي وغيرها من أمور الدنيا مع العلم أن وسائل الإتصال كانت معدومة ، والإذاعات محصورة وضعيفة لكن التواصل والتحليلات بعفوية  وجرأة وبدون قيود أورثت الشعب السوري خبرة سياسية جيدة جعلته في قمة السياسيين بين شعوب المنطقة .

في هذه التقلبات نشأت فكرة الاخوان المسلمون منتقلة كفكر (ديني سياسي) من الشقيقة الكبرى مصر

(الشيخ حسن البنا- ر)  وانتشرت الفكرة السياسية بين شعب متدين بالفطرة وسياسي بالممارسة عبر  حامل الفكرة (الدكتور مصطفى السباعي – ر)

المقدمة هذه كان لابد منها لنصل إلى تنظيم ديني /سياسي انتشر بسرعة ، حيث لم يكن يتوقع من شعب متدين أن يرفض أو يعادي هذا المبدأ والشعار أو يبتعد عنه ، مع ذلك كان بعض الشباب المراهق من عشاق حرية ( الفرنجة ) الذين سحرهم مظهر الحرية والتحرر الغربي وناقشوا بعناد عشقهم وغرامهم لاسلوب ونمط الحياة الغربية حتى أن بعضهم خرج على الطربوش الموروث من الحكم العثماني واستبدله بالقبعة الفرنسية( الشابو) .حتى هؤلاء لم يكونوا من الخارجين عن تعاليم الإسلام وطقوسه .

ضمن هؤلاء من سحره بريق الشيوعية والإشتراكية وما انتشر في أبواق دعاياتها من تنمية الثروات والعدالة في التوزيع على أفراد الشعب ( كل يأكل بمقدارما ينتج ويعمل بمقدار ما يستطيع)، ودخل العالم بشقيه الرأسمالي والإشتراكي منافسة دعائية رهيبة فقسمت العالم إلى شقين بين مؤيد ومعادي . ومنه أنطلقت تسمية الحرب الباردة .

في هذا الجو العالمي نشأ تنظيم الإخوان المسلمون ، وكان امتدادا لتنظيم مصر وفلسطين والأردن والعراق والسودان ...حتى إذا وقعت مشكلة (منشية البكري ) خلقت خلافا حادا دمويا بين السلطة التي يقودها الضباط الأحرار ( عبد الناصر وزملاؤه) متهما الإخوان بمحاولة قتله. فحظر التنظيم ولوحق أعضاؤه وتم إعدام ثلة منهم ( سيد قطب وصحبه) فكان ذلك مدعاة لإنتشار فكرة العداء للإخوان وامتدت إلى سوريا (؟) وبدأ التآمر المخفي والمبطن والموجه بأياد خارجية يحاك ضد الجماعة خاصة وأن هذه الجماعة بجميع مواقعها الجغرافية كانت رائدة الجهاد ضد الغزو الصهيوني لفلسطين وكان معظم أفرادها وقيادتها ضمن جيش الإنقاذ المتطوع لتحرير فلسطين من المغتصبين الصهاينة تحت غطاء ديني يهودي( كثير من هذه المعلومات يمكن الرجوع إليها في كتاب لعبة الأمم (كوبرلاند) ولتحقيق هذا المخطط وجدت سوريا نفسها في عين العاصفة .

كان مخطط الطابور الخفي الذي يرسم المؤامرات قصيرة وطويلة المدى يعمل بلا ملل على خلق جو تآمري رهيب على مساحة جغرافية كبيرة تمتد عبر العالم الإسلامي /العربي بعمومه فمن الهند والبكستان خلقت بينهما (مشكلة كشمير) ثم مصر واسودان ، ثم سايكس بيكو الذي قسم سوريا الكبرى بخطوط حمراء ومسطرة مستقيمة ، فقسمت العائلات والقبائل والعشائر ونصبوا على رأس كل قطعة رئيسا خدعوه بعدما أغروه المهم أنهم مزقوا البلاد وفرقوا العباد وأوقدوا نار الكراهية بين االدويلات الجديد حتى لا تلتحم مرة أخرى... 

الشعوب التي عاشت هذه الفترة لم تكن على مستوى الدراية والعلم بأساليب التآمر وحياكة المخططات كما لدى أعدائهم المتمرسين بهذا الحقل فقد جاء في بعض المراجع أن حاييم وايزمان زار الخليفة العثماني عبد الحميد الثاني 33 مرة يعرض عليه عروضا سخية تختلف في كل زيارة عن العروض التي سبقت حتى وصلت بعض عروضه لدفع كافة ديون الأمبراطورية العثمانية ليعطيه الحق في إقامة دولة صهيونية لليهود في فلسطين ، فلما أخفق في الحصول على وعد بما يريد خرج يقول الآن لم يعد أمامنا إلا اسقاط هذا العنيد.القصة كما رويت توضح أن العالم الإسلامي كان في سبات عميق بينما المتآمرون يخططون ويرسمون ودليل آخر أن الصهاينة ما أن أخذوا الضوء الأخضر من بريطانيا العظمى بالمساعدة على انشاء وطن لليود في فلسطين حتى تهافت على الأرض المقدسة عصابات الأرغن والهجنا فكانوا مدربين ومنظمين ومسلحين مما يعني أن التخطيط كان مبتدئا  منذ زمن بعيد.

لعبت يد التآمربالشعب والوطن كما تريد فنصبت الرؤساء والوزراء وعزلتهم بعدما استنفدت منهم ما تريد ، حتى إذا لم يبق لديهم ما يقدمون استبدلوا بغيرهم وكانت سوريا مسرحا لهذه الألاعيب حتى ضرب بها المثل في كثرة الإنقلابات .

فهم المتآمرون المخططون على أن الدين الإسلامي هوالرابط والوازع الأخلاقي والقيمي للمجتمع وهو حصنه وقلعته ضد كل معتد أثيم فصوبوا إليه سهامهم يريدون مقتله وكان لا بد أن يكون الإخوان المسلمون هو الدريئة التي يوجهون لها ضرباتهم باعتبارهم يمثلون تنظيما سياسيا يحمل أسم الدين وشعاراته فنالهم القسط الأكبر من التهديد والوعيد ، وغالبا ما افتعل الحكام خلال الفترة الماضية نعرات وحكايات تنتقص من هذا التنظيم لتوقع به حتى كان عهد حافظ أسد فبدأ يثيرهم ويستدرجهم فلم يعد أمامهم من حل سوى الدفاع عن النفس أمام هذا التحريض والتهييج ، حتى أصبح يقال أن كل مسلم متهم بأنه من التنظيم وعرضة للملاحقة ، في نفس الوقت يمكن البرهان على أن الأخوان لم يكونوا المبتدؤن بما حصل لسبب بسيط ووجيه ، هو ، لو أنهم كانوا يخططون له لكان أول عمل يجب القيام به هو تجهيز أنفسهم للمواجهة من حيث التدريب والتسليح ، لكن ذلك لم يحدث ففاجأهم المخطط فكان على كل من يشعر أنه هدف  للملاحقة ومطلوب حيا أو ميتا ، أن يحاول الحصول على سلاح بسيط يدافع به عن نفسه ، فكان الحصول على مسدس هو غاية ما يستطيع الحصول عليه رغم علمه أن المسدس لا يجدي شيئا أمام الدبابة والمدفع والطائرة الحربية المعدة ضده وضد أهله .

لم يكن في يد الإخوان وسائل دعاية وأعلام يشرحون للناس ما يحدث ولا الأسباب التي أدت إلى المعضلة إلا ما يتناقله الناس ( قيل عن قال) وسيبقى سجل الأحداث الحقيقية المثبتة للحقائق غائبا حتى يتاح للمسؤولين عن هذا التنظيم ممن لا يزالون على قيد الحياة أن يصدروا الحقائق التي عاشها الشعب والوطن وما جرّت على الجميع من ويلات وكوارث اجتماعية لا تزال في طي الغيب ، فقد أحكم الحاكم قبضته على كل شيء حتى أن أحدهم أخبرني أنه فكر في شراء ألة تصوير مستندات من وكيل لها ، وما أن رجع إلى بيته حتى فاجأه عناصر الأمن يفتشون منزله ومكتبه بسبب محاولته شراء آلة نسخ ؟ ولولا أنه كان محاميا يحتاجها لمكتبه( ولم يشتر) لكان من الموقوفين  أو المقتولين.

لم يقتصر التضييق على آلة تصوير المستندات فقد أرغم المواطن على الحصول على ترخيص من دوائر الأمن عن كل عمل يريد مزاولته حتى بيع أوراق اليانصيب أو بيع تذاكر السينما  أو صبغ وتلميع الأحذية ، وقد علق السيد فيصل القاسم في برنامجه الإتجاه المعاكس على قناة الجزيرة القطرية باسلوب ساخر عن أن دوائر الأمن السورية قد خففت من قبضتها واستثنت 85 حرفة بسيطة من ضرورة حصول أصحابها على موافقات دوائر الأمن منها ما عددته آنفا.

هذا الجو الذي سيطر على الوطن ، ومن جرائر ما ذكرته مما عشته  يتبين أن الأخوان كانوا مقصودين بالإستفزاز المبيت ليس بدأ من المشكلة الأخيرة بينما بدأت منذ أن قصم ظهر الأمبراطورية العثمانية (الرجل المريض في زعمهم) وفصفصت الأمة الإسلامية تمزيقا وتفريقا بشتى الوسائل والنعرات.

لم أقصد في هذه الكلمة أن أدافع عن شخص بعينه ، كما لا أدع أن كل ما كتبته مؤصل مثبت البراءة والصدق ، لكنني أقول ما سمعته وعلمته وشاهدته وعشته على مدى عمر مديد  فإن أصبت فالفضل في ذلك لله ، وإن فاتتني الحقيقة وجانبتني كان مما جبل عليه البشر من الخطأ وأستغفر الله.