وجع القلب ..
وجع القلب ..
والطائرة النفاثة !
أ.د. حلمي محمد القاعود
في غمرة احتفالات العدو النازي اليهودي بمرور ستين عاما على اغتصاب فلسطين العربية المسلمة ، وأسره للمسجد الأقصى وقبة الصخرة ومسجد خليل الله إبراهيم وكنيسة المهد وغيرها ؛ استوقفني أمران أولهما : إصابة فخامة الرئيس آية الله محمود رضا عباس ميرزا بأزمة قلبية بعد جولات عديدة من مفاوضاته العبثية مع صديقه وحبيبه ومهجة قلبه السفاح النازي " إيهود أولمرت " ولقائه الوداعى مع " عرّاب " المفاوضات والمبشر بالدولة الفلسطينية المستحيلة ( جورج بوش ) في البيت الأبيض . حزنت وأسفت وتألمت لوجع قلب فخامة الرئيس في رام الله ، وكنت أتمنى أن يعلن الأسباب التي أدت إلى وجع قلبه ،وفي مقدمتها أن اليهود الغزاة ، وسادتهم الصليبيين ضحكوا عليه ، ولم يعطوه شيئا ، ولن يعطوه شيئا ، ثم يُعلن بشجاعة استقالته من المنصب الوهمي الذي يتقلده منذ سنوات بعد رحيل عرفات ، ويدعو الشعب الفلسطيني إلى حلّ سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود ، بعد أن حوّل الغزاة النازيون اليهود القتلة أرض فلسطين إلى سجن كبير لا تتوفر فيه أبسط شروط الحياة لمن تبقى من الشعب الفلسطيني ، ثم يطلب من فصائل المقاومة أن تتوحد في فصيل واحد تحت قيادة واحدة ، وتتابع عملياتها العسكرية وفق قدراتها وإمكاناتها ، ومن خلال إستراتيجية النفس الطويل التي تُنفذ على مراحل ، مع الاسترشاد بتجربة الغزاة أنفسهم وأساليبهم في السيطرة على فلسطين وطرد أهلها .
الأمر الآخر الذي شدّ انتباهي في الذكرى الستين لقيام دولة الغزو النازي اليهودي على أنقاض أرضنا المقدسة هو ما كتبه سفاح قانا " شيمون بيريز " رئيس دولة الغزو في يديعوت أحرونوت بهذه المناسبة يوم 7/5/2008م ، حيث تحدث بشيء من التفصيل عن قصة صناعة أول طائرة نفاثة بمعرفة اليهود الغزاة ، كنت أتوقع أن يحدثنا عن قصة إقامته للمفاعل النووي اليهودي وصناعة القنابل النووية في ديمونة ، ولكنه اكتفى بالحديث عن صناعة أول طائرة نفاثة ، أو خلق طائرة نفاثة " حسب تعبيره " ، وعن أجمل رائحة سيجارة شمها بعد تحليق هذه الطائرة !
ويصف هذا الإنجاز بأنه أعجوبة لا يمكن أن تحدث إلا في الكيان الصهيوني الذي قام على القوة والقهر ، بسبب التأليف الرائع (!) بين المتطوعين اليهود والعمال المخلصين والتصميم الشجاع الذي يتجاوز حدود الخيال !
شيمون بيريز يُفاخر بالمهمة التي أسندها إليه بن جوريون ، ومن أجلها سافر إلى الولايات المتحدة ، وأحضر إيلي شفيمر إلى الوطن المحتل ، بوصفه خبيراً نادرا ومتطوعا متحمساً في صناعة الطائرات ، ولقي تشجيعاً من قادة الكيان الصهيوني الغاصب ، وخاصة الحنان بشاي .. كان منهج بيريز في العمل يقوم على أساس أن الكيان في حرب دائمة ، وبن جوريون يقول : إننا بلا سلاح لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا ، ويحث على الحصول على السلاح بأي سبيل وتمت إقامة جبهة سرية للحصول على السلاح في الخارج ، وسريعاً تم بناء صناعة عسكرية أنتجت أول الأمر سلاحاً خفيفاً : رشاشات قذائف هاون ، ذخيرة . وفى أول الخمسينيات ابتدأ سباق صهيوني مجنون للحصول على فوائض أجزاء من طائرات الحرب العالمية الثانية ، وتم بناء أول طائرة واختبارها في كاليفورنيا .. واستمر العمل سنوات حتى تم اختبار الطائرة النفاثة ، وشم بيريز أجمل نفس دخان عقب إقلاعها !
في الذكرى الستين لاغتصاب الأرض المقدسة وإذلال الأمة الإسلامية في حروب متتالية ، وانبطاح قيادات عربية وفلسطينية وإسلامية ، يتأكد منهج واحد ، في مواجهة الغزاة النازيين اليهود القتلة ، هو الجهاد بكل أنواعه والجهاد المسلح في المقدمة منه .
وإذا كان بن جوريون يؤمن بالحرب سبيلاً للوجود ، فإن الأمة يجب أن تؤمن أن الجهاد هو السبيل إلى البقاء .
إيمان بن جوريون بالحرب وسيلة للوجود ينطلق من كونه غريباً يعيش في وطن لا يملكه ، سرقه من أصحابه ، أما نحن ، فأصحاب هذا الوطن الذي تنبغي استعادته تحقيقاً للعدل وانسجاماً مع الأخلاق ، والإبقاء على التمييز بين الحضارة والغابة ، والمدنية والوحشية ..
وللأسف ، فإن بعض أبناء الأمة ممن يركنون إلى المكاسب الشخصية ، والمنافع الرخيصة ، يؤثرون التنكر للعدل والأخلاق والحضارة والمدنية ، ويركعون في انبطاح رخيص أمام سيف القوة الهمجية الصهيونية الصليبية ، اعتقاداً منهم بأن النجاة تكمن في هذا الانبطاح الرخيص ؛ مع أنه يغرى حملة هذا السيف بالمزيد من الوحشية والقهر والسحق !
بن جوريون وقومه يؤمنون بالحرب والحصول على السلاح ، وقومنا المحترمون جادون في التخلي عن السلاح وقيم الحق والدفاع عنها ، فيعلنون أن حرب رمضان آخر الحروب ، وأن السلام هو الخيار الاستراتيجي ،ويدخلون في مفاوضات عبثية لا تنتهي ، ويوجهون جيوشهم لحماية الزعامات والقيادات ، وقهر الشعوب العربية الإسلامية إذا بدا لها أن تدافع عن قيم الحق ! وصارت بعض هذه الجيوش حارساً متطوعاً للغزاة القتلة ، تحرس حدودهم ، وتفتش عن عناصر المقاومة لتشل حركتها وتصادر سلاحها ، وتقدمها قرباناً للعدوّ النازي اليهودي المتوحش ، بدلاً من مساعدتها وتشجيعها أو إغماض العين عنها على أسوأ الفروض .
ضحكت حين تذكرت قضية تصنيع طائرات دون طيار ، المتهم فيها أستاذ جامعي اسمه الدكتور عبد الحى الفرماوى مع آخرين . قال القوم إنها جريمة إرهابية ! وتساءلت بيني وبين نفسي : على افتراض أن التهمة صحيحة فهل تقتضى محاكمة أمام أمن الدولة ؟ بن جوريون ورجاله الغزاة ، كان يسعون للحصول على السلاح بأية وسيلة ، كي يغتصبوا وطنا ليس لهم . أما هؤلاء المتهمون فيحاولون المقاومة والصمود حتى يستردوا وطنهم وحقوقهم بعد أن تخلينا عنهم ، وتركناهم للحصار والجوع والموت المجاني البطيء ؟
هناك مثل شعبي فيه تجاوز يقول : " ألا ترحم أو تترك رحمة ربنا تنزل ؟"
والمسألة ببساطة أن المثل يدور حول نصرة المظلومين ، أو تركهم يبحثون عن النصرة بمعرفتهم وهو ما لا يريد البعض فهمه أو تطبيقه ؛ بل يُصر على الدخول في دائرة كريهة ليس بحاجة إلى الدخول فيها .
إن الغزاة اللصوص القتلة يعرفون جيداً أن المقاومة ترهقهم وتشوش حياتهم وتعمق الفجوات الداخلية وتواصل تخفيض مكانتهم وأسهمهم في نظر الشعوب ، كما يقول " يسرائيل هارئيل " في ها آرتس 1/5/2008م ، ولذا فإنهم يُطالبون بما يُسمونه الانتصار الكامل على حدة ، بوصفه الوسيلة الوحيدة التي تزيل الخطر الاستراتيجي الذي تشكله حماس عليهم .
وهذا الانتصار الكامل لن يتحقق أبداً طالما كانت المقاومة مستمرة ، وتبدع أسلحتها وطرق بقائها في ظل حصار العدو والشقيق .. !
ومن المؤكد أن هذا الكيان الغاصب بكل ما يحمله في داخله من شرور ووحشية وقسوة ، لابد أن يتفكك في يوم ما بإذن الله ثم صبر المقاومة ومثابرتها حتى لو دعمها الصليبيون الاستعماريون المتوحشون بأسلحة العالم المدمرة والساحقة .