وَلْيَهْنِكُمْ شرفُ الجهادِ بعزّةٍ
وَلْيَهْنِكُمْ شرفُ الجهادِ بعزّةٍ..
سحر المصري
طرابلس - لبنان
[email protected]
سامي الحاج طليقاً.. لم يكد الخبر يصل إلى مسمعي حتى سجد القلب شكراً لله جلّ وعلا
أن خفَّف عنه وثبّته ورأى النور بعد أن غاب في غياهب السجون لأكثر من سِت سنوات..
وتراءى أمامي مشهد اللقاء مع ابنه الصغير وزوجه الصابرة.. فانتفضت مستذكرة أسرانا
الذين ما زالوا يلاقون أهوال الاعتقال.. أن متى يمنّ عليهم الرحمن جلّ وعلا بما
أنعم به على سامي..
لا ادري لِم كلّما كان يرِد اسم سامي الحاج كنتُ أقرن معه اسم تيسير علوني.. ولا
زلتُ أذكر كيف تعاطفتُ مع تيسير وشاركتُ – كما الكثيرين – في الحملات التي طالبت
بالإفراج عنه وتابعت قصته لسنوات.. وكيف كنا نلاحق أخباره وجلسات محاكمته الهزيلة
الهشّة.. أمام قضاة يدّعون صون الحريّات والدساتير والأوطان بينما تجرّدوا من كلّ
ضمير وإحساس وموضوعية..
في كلتا الحالتين كانت أدلة الاتهام مفقودة.. وبُنِيَت الأحكام على مجرّد "مزاعم"
ولا بأس في ذلك طالما أن المتّهمين من المسلمين الذين لا بواكي لهم..
والمُضحِك أن التّهم دائماً جاهزة: التعامل مع تنظيم القاعدة!
ولا أدري حقيقةً على أيّ شمّاعة كان سيعتمد هؤلاء لو لَم يهديهم التنظيم "غزوة
سبتمبر" لينطلقوا بعدها كالوحوش الكاسرة يمزّقون مصالح المسلمين في كلّ مكان مدّعين
أنهم يقضون على الإرهاب!
قالوا يومها أنهم يريدون إخضاع قناة "الجزيرة" لتمتنع عن عرض "إنجازات" راعية
الديمقراطية وناشرة العدالة في العالم أميركا.. فقد عمدت الجزيرة إلى نقل الأخبار
والصور من قلب الحدث.. فرأينا الصواريخ الأميركية كيف كانت تخلع الرؤوس عن الأجساد
للأطفال قبل الشيوخ والنساء.. تحت نفس العنوان: القضاء على الإرهاب.. وظهر للعالم
الوجه الآخر من البيت الأبيض الذي تحوَّل إلى قِبلة الشيطان يُملي فيه عليهم كيف
يحطّمون البلاد والعباد.. ولكنها لم تستطع أن تكسر شوكة الإعلام الحر.. فلا زال
هناك من يستعصي على أميركا ومن والاها..
وها هو تيسير بقلبه المريض عضوياً الثابت روحياً قابعٌ في السجون الإسبانية.. وكم
من تيسير تمتلئ بهم بطون السجون لأنهم رفضوا الخنوع والاستسلام.. وانتهجوا طريقاً
لا يُرضي ربّ الحقد الأكبر..
لقد ظهر وجه أميركا الحقيقي بعد غوانتنامو وأبو غريب.. ومن قبله ظهرت عورات الأنظمة
العربية التي حوّلت معارضيها إلى أطعمة تغذي بهم سجونها أو مدافنها بطريقة وحشية قد
تكون أعتى بممارساتها من تلك التي يعتمدها الأميركيون في غوانتنامو.. وقبل أولئك
جميعاً تفرّد الكيان الصهيوني بأساليب خسيسة وحقيرة لربما يكون أقلّها موجات
الاعتقالات التي طالت أغلبية الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.. حتى اشتهر معتقل
"المسكوية" في القدس للتحقيق مع الخارجين عن قانون الكيان والمنتهجين نهج المقاومة
الذين يمضون سنوات في الاعتقال من دون محاكمة حتى! وكيف يكون القاضي والسجّان
واحداً إلا في زمن الانبطاح والسلبية والهوان!
صرَّح سامي الحاج بعد خروجه وقال "إن المعتقلين في غوانتانامو محرومون من الصلاة
ويتعرضون لانتهاكات دينية كبيرة على أيدي الجنود الأميركيين الذين يزعجونهم على
الدوام ويدنّسون القرآن." تُرى هل بلغت هذه الكلمات مسامع من يمتلك بعض نخوة وقومية
حتى لا أقول بعض اسلامٍ فأُتّهم بالأصولية والارهاب؟! هل حرّكت الحميّة فيمَن
يتغذّى على فضائيات شعارها "معنا مش هتقدر تغمّض عينيك" أم أن الران قد كسى القلوب
فتقزّمت الإنسانية إلى حدٍ لم يعد بالاستطاعة بعده التخلي عن الزيغ؟!
طارق أيوب.. أطوار بهجت.. تيسير علوني.. سامي الحاج.. عماد غانم.. وغيرهم لا نعلمهم
ولكن الله يعلمهم..
رجال ونساء اختاروا أن يصدحوا بالحق في زمن الزيف والتيه.. فمنهم من قضى نحبه ومنهم
من ينتظر.. وما بدلوا تبديلا..
قد علموا أن شجرة الكرامة والعزّ لا تُروى إلا بدماء وعرق وجهاد وتحدّي..
ابتدأت بهم حكاية الحرية ولن تنتهي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. طالما أن
هناك محتل يعربد فوق الأرض.. أو فاجر يعيث فساداً في العِرض.. أو ظالم يقطف الخيرات
ويدنِّس المقدّسات..
اعتقد السجّان أنه سيطفئ جذوة الإيمان والكبرياء في قلوب هؤلاء الرجال.. ولم يدرِ
أنه يزكّي أوار الإصرار في قلوبهم ومَن خلفهم.. وهم يخوضون ملاحم الصبر بعزم وثبات
غير آبهين بسرقة أحلامهم وأمانيهم وأحبابهم منهم.. لأنهم وضعوا نصب أعينهم: الله
ونصرة الحق والدين والقضية
!
فتحية من عمق القلوب إلى هؤلاء.. وإلى من التهمهم السجن فأمضَوا سنوات عجاف دون أن
يقتل الألم الأمل في نفوسهم..
وليعلم الغافلون أن للإعلام سلطة أقوى من السياسة التي تدكّ عرش الأخلاق وتقود إلى
التبعية والانبهار بأقزامٍ تعملقوا!
وأن للكلمة ثمن لا يدفعه إلا رجالُ صادقون.. لا ينصاعون لمن خذلهم أو استأسد عليهم
طالما أن القافلة تسير والمصير محتوم!
والعمر ماضٍ.. فطوبى لمَن زيّنه بما يليق للقاء ربٍّ كريم..