الثقافة الجنسية من منظور إسلامي
(1)
عدنان عون
ثقافة أية أمة هي مجموعة العلوم والمعارف والفنون والأفكار التي تكوّن تفكير الأمة، وتصوغ تصورها الفكري والحضاري وهي تقوم بادئ الأمر على أساس من معتقدات الأمة وقيمها·
وكلما نمت الثقافة في أجواء من قيم الأمة ومعتقداتها، كلما لاذت بركن ركين، وحصن حصين، وأكسبها ذلك عمقاً وصلابة وقدرة على التحدي والتغلب على ما يعترضها من صعاب·
والثقافة الإسلامية هي التعبير عن هوية الأمة ومنهجها في الحياة ومن أهم خصائصها أنها إنسانية في نزعتها، نبيلة في أهدافها ومقاصدها، إيجابية في تأثيرها وعطائها كما أنها ذات أبعاد شاملة متنوعة، وهي في بعدها الجنسي ليست بغريبة ولا شاذة ولا بعيدة عن مفهوم الإسلام وتشريعه· فكم من إيحاءات جنسية هادفة في كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)·
فهاك بعضها فتأملها وتدبر مدلولاتها قال تعالى: " هو الذي خلقكم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به" وقال سبحانه: " فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها"·
واقرأ في سورة يوسف قوله: "قال هي روادتني عن نفسي" وقوله:"وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً" وقوله جل وعلا: "قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد روادته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن و ليكونا من الصاغرين "·
فتدبر ــ يا رعاك الله ــ هذه التعابير التي تنضح بالعفاف والطهر، ولا تجد فيها إلا النظافة والتصوير السامي للعلاقة الجنسية، والتي يريدها الإسلام أن تكون في دلالتها أبعد من مجرد التقاء جسدين وقضاء وطر·
وهذه سورة (يوسف) تعرض لإغراء الشهوة ممثلة في امرأة العزيز التي عاشت عشقها ليوسف "في صرع الشهوة التي تعمي عن كل شيء في اندفاعها الهائج الكاسح" دون أن تحفل بحياء ولا فضيحة، ولا مركز اجتماعي ومع ذلك هل تجد في تعابيرها هبوطاً أو إسفافاً كلا وما ذلك إلا لأن الأسلوب القرآني أبى أن يتخلى عن طابعه النظيف "حتى وهو يصور لحظة التعري النفسي والجسدي الكامل بكل اندفاعها وحيوانيتها" إنه يعرض الواقعية بكل صدقها وأمانتها ولكن بأسلوب طاهر عف نظيف·
لهذا فإن الحديث عن الثقافة والتربية الجنسية ليس من نافلة الثقافة في عالم باتت تحكمه وتتحكم به حضارة عجيبة قد أوتيت من وسائل القوة والإغراء والتشويق ما يجعلها أكثر تأثيراً في الترويج لثقافتها، وبث مفاهيمها، في واقع استطاعت فيه ثورة الاتصالات أن تقرب البعيد، وتأتي بالعجيب، وتجعل العالم كمدينة صغيرة تعيش كل عطاءات الحضارة الحديثة، بعجرها وبجرها، بإيجابياتها وسلبياتها·
وإذا كان ذلك كذلك فلابد والهجمة شديدة التأثير والإغراء، أن يكون للأمة موقف هادف صريح من كل القضايا، كيلا ينجرف بنا التيار أو يجرفنا السيل·
ومن ثم فالحاجة للثقافة والتربية الجنسية الهادفة ضرورة لابد منها لأمور:
ــ أن تضمن لأجيال الأمة تربية شاملة هادفة، يتلقونها في محاضن مأمونة، تتبنى تلك الثقافة في إطارها العلمي والشرعي، بعيدة عن الإثارة العاطفية، والإغراء الجسدي، محصنة بسياج من القيم السامية، والأخلاق الفاضلة وبذلك يأمنون خطر الانفتاح الحضاري، والغزو الثقافي، ويعيشون وهم آمنون أسوياء·
ـــ وأن نؤهلهم كيما يتكيفوا مع عصرهم، ويعيشوا واقعهم بعيدين عن الغربة فيه نائين عن الانحراف متمتعين بالسعادة والاستقرار وخاصة "وأن الاتجاهات المادية فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الطمأنينة والاستقرار للإنسان، وأن المدنية الحديثة ــ على كثرة منجزاتها العلمية والتقنية ــ لم تتمكن من سد الفراغ والجوع النفسيين في حياة الكائن البشري"·
وهذا ما جعل (جون ديوي) وهو مذهول يقول:
"إن الحضارة التي تسمح للعلم بتحطيم القيم المتعارف عليها ولا تثق بقوة هذا العلم في خلق قيم جديدة لهي حضارة تدمر نفسها بنفسها"·
بل استمع لــ (الكسيس كاريل) وقد ذهب إلى أصرح من ذلك فقال: "إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقياً وعقلياً"، ثم أشار بالحل لأزمة الحضارة بقوله: "يجب أن نعيد إنشاء الإنسان"·
يتبع ...