نجاحك في سعيك
نجاحك في سعيك
عبد الواحد استيتو
اسمه عبد العزيز، هو صديق عزيز بالفعل، لكنه كان أكثر الأصدقاء إزعاجاً للأسف, قصة هذا الصديق أن رزقه ضيق، وهو في الحقيقة لا يبالي بهذا كثيراً بقدر مبالاته بأن الآخرين أوفر منه رزقاً و"حظاً", فهو دائم الشكوى، كاره مَن حوله، حاقد عليهم، يرى أنهم أخذوا كل شيء ولم يتركوا له شيئاً.
يقول لي: "ها أنت ترى, لدي ثلاث بنات، إضافة إلى أمي التي تعيش معي في البيت، وعليَّ أن أتكفل بهنّ جميعاً، والحالة المادية في الحضيض, لا بد أن أغادر هذا البلد, لأبحث عن رزقي في مكان آخر".
وكنت دائماً أخجل من أن أقول له: ولماذا لا تفعلها؟ ذلك أن صاحبنا كان يقوم بعمل جليل طوال اليوم, وهو الوقوف إلى الجدران! كنت أستغرب سرّ شكواه الدائمة من سوء الحال، وهو الذي لا يحرك ساكناً، وكنت متأكداً من أن حاله لن يتغير أبداً ما لم يبدأ بالسعي الحقيقي.
وبالفعل -وبعد تشجيع من عدد من الأصدقاء- استطاع أن يحصل على رخصة قيادة سيارة، وبدأ يعمل سائق تاكسي، وتحسنت أحواله المادية والنفسية، وتغيرت طباعه تماماً, بل إنه فعلها مؤخراً وهاجر خارج البلاد دون كثير ثرثرة.
قصة عبد العزيز مثلها مثل قصص ملايين الشباب العاطلين عن العمل في عالمنا العربي، الذين ينتظرون دون أن يسعوا، بالرغم من أنهم لو بدؤوا فسيوفقهم الله, وعلى الرغم من أن رزق كل إنسان مقدر وثابت.. فإنه مشروط بالعمل والسعي، وما لم يتحقق هذا الشرط فلن يتحقق المشروط، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى}.
إن السعي يولِّد في الإنسان ذلك التوازن النفسي والعقلي المريحين.. فمتى انتابك شعور بأنك تقوم بما يجب عليك وأنك تجتهد, شعرتْ نفسيتك بمزيد من الطمأنينة والصلابة تجاه الأحداث، التي قد تشمل الفشل في أحيان كثيرة منها!
لكن: ما الأدوات التي على الإنسان أن يمتلكها كي يسعى ويترك النتيجة على الله؟
*العلم والمعرفة
مما لا شك فيه أن مَنْ يمتلك العلم والمعرفة في هذا العالم يَسُود دون أدنى منافس، وبدونهما يصبح المرء كَلًّا على الآخرين، معتمداً عليهم في طعامه وتسيير أموره ما دام لا "يعلم" كيف يقوم هو بذلك!
ومن نعم الله أن العلم مِلْك الجميع, الضعيف منهم والقوي، والغني والفقير.. لذا فلا حُجة لمن بقي دون تعلم، خصوصاً في هذا العصر, حيث أصبحت وسائل التعلم والمعرفة أقرب وأسهل في الحصول عليها من ذي قبل.
كيف أحصل على هذه المعرفة؟
يلخصها لنا الكاتب "فيلكس جاكبسون" في نقطتين:
يجب أن تحدد نوع المعرفة المتخصصة التي تطلبها وتحتاج إليها، والهدف من امتلاكها, وسيساعدك هدفك الرئيسي في الحياة، والهدف الذي تعمل من أجله -إلى حد كبير- في تحديد نوع المعرفة التي تحتاج إليها, وبعد الإجابة عن هذه المسألة تتطلب خطواتك التالية امتلاك معلومات دقيقة فيما يخص المصادر الموثوقة للمعرفة, وأهم تلك المصادر هي:
• تجاربك الذاتية ومستوى تعليمك وثقافتك.
• التجارب والتعليم المتوافر من خلال الآخرين.
• المعرفة المستمدة من مراكز التعليم.
• المكتبات العامة وكل وسائل الإعلام.
• برامج أو دورات تدريب خاص.
ونضيف نحن من جهتنا: الكتاب والسنة, باعتبارهما المرجعَين الرئيسين لدينا كمسلمين في كل شيء.
المعرفة ضرورية، ليس للنجاح فقط بل للحفاظ على النجاح أيضاً, ولدينا أمثلة كثيرة لأناس استطاعوا تحقيق نجاح مرحلي، لكنهم ما لبثوا أن فقدوه بسرعة، وطالهم ونجاحَهم النسيانُ, وإلا فكيف نفسر موقف هؤلاء المخترعين والمبدعين الذين قدموا للعالم أعمالاً واختراعات خالدة، لكنهم ماتوا وهم لا يجدون ما يقتاتون به؟
*الموهبة
لكل منا موهبة ما، قد تكون دفينة ولا ندركها، لكنها بالتأكيد هناك في مكانٍ ما, وكثيرون منا قاموا بدفن مواهبهم متذرعين بأسباب عدة، لكنها للأسف غير مقنعة, فالذي يريد أن يصل سيصل حتماً، والذي يسعى ينجح, والموهبة من بين وسائل السعي المهمة، وإن كانت ليست ضرورية دائماً للنجاح, فهناك مَن تمكَّن من تحقيق ذاته دون أي موهبة تذكر.
لكننا -والحالة هذه- نوجه حديثنا لأصحاب المواهب الذين آثروا أن يدفنوها تحت الرمال بداعٍ أو بدون داع.. نقول لهم: إن الموهبة وسيلة مهمة جداً للسعي، وقد تكون مصدراً للرزق في كثير من الأحيان, وأمامنا في عالمنا المعاصر ما لا يحصى من الأمثلة, من فنانين وكتاب ونحاتين ولاعبي كرة..إلخ.
ويجب ألا نغمط موهبتنا حقها، وإن كنا نشعر أننا ممن لا موهبة لهم.. وجب البحث عنها بكل دقة, فأحياناً -وبفعل الظروف- تختفي هذه المواهب، لكنها -لحسن الحظ- لا تموت تماماً.
معوقات السعي
يواجه الإنسان عوائقَ كثيرةً وهو يسعى إلى رزقه وعليه أن يتخطاها، وليس أفضل من حديث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لسرد معوقات السعي كاملة مكتملة: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهم والغم، والجبن والبخل، وغَلَبة الدين وقهر الرجال".
وباعتبار أن غلبة الدين وقهر الرجال قد لا تكون من فعل الإنسان بصفة محضة، يمكن القول: إن باقي الأمور في حديث الرسول هي عوائق مباشرة للسعي.
*العجز
إنه هذا الشعور الدائم الذي يعانيه المرء، بأنه غير قادر على فعل كذا وكذا، متعللاً بألف سبب وسبب، والحقيقة أنها صفة دميمة في المرء لا علاقة لها بالمؤثرات الخارجية, بل هي نتاج خمول وفشل داخليين ناتجين عن رغبة دفينة في الفشل، لا يدركها المرء. (راجع مقال: حيَّ على الفشل)!
*الكسل
كارثة هدامة لا مثيل لها، وهي ميزة الفاشلين بلا منازع, وعقل الكسول -كما يقولون- هو معقل الشيطان, ويقول شكسبير: "المتعَب ينام على وسادة من الحجر ليستريح، أما الكسلان فلن يجد الراحة فوق وسادة من الريش".
*الهمُّ والغمُّ
هما بمثابة "كلبشات" تمنع المرء من الحركة وتقيده، وتجعله عاجزاً عن النظر إلى الحياة نظرة حقيقية مبنية على الإيمان، وتملأ حياته باليأس والقنوط والكآبة, ولا أجد هنا أفضل مما نشرته مجلة (الأبعاد الخفية) الكويتية في عددها الرابع والثلاثين، حيث يضعنا كاتب المقال أمام أهمية تجنب الحزن فيقول: "... لا تحزن... وإذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت، وإذا وقعت في مصيبة وحلَّت بك نكبة، وإذا أوصدت الأبواب أمامك فنادِ وقل: يا الله".
*الجبن
الجبن هو عدم الإقدام في مواقفَ كان يجب على الواحد منا أن يقول الحقَّ فيها أو يفعله أو يُنجزه.. وهو نقيض التمهل تماماً، ويجب عدم الخلط بينهما, فالجبن مَعيب، بينما التمهل محمود.
يقول فيلكس جاكبسون: "توجد ستّة مخاوف رئيسة يعانيها الإنسان، فردية أو مركبة في أي وقت من الأوقات, هي: الفقر, وانتقادات الآخرين, والمرض, وفقدان أشخاص نحبهم, والتقدم في السن, والموت. وليست المخاوف أكثر من حالات ذهنية، والحالة الذهنية لكل إنسان خاضعة للسيطرة والتوجيه".. فالرد على الجبن هو التحلي بالشجاعة والإقدام دون تهور.. والشجاعة صفة محمودة، وهي من صفات المؤمن القوي، الذي هو أحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف.
أتذكر أنني في زمن الدراسة الابتدائية كنت أعرف إجاباتٍ عن أسئلة عديدة، لكن الخوف كان يمنعني من أن أرفع إصبعي للإجابة، فبقيت دائماً مهمّشاً من طرف معلمي، وبعد أن فقهت الدرس، وانتقلت إلى المرحلة الإعدادية قررت مواجهة خوفي وترددي, بأن أخوض الأمر مهما كانت النتائج، فبدأت أجيب دائماً بغض النظر عن خطأ الجواب أو صحته.. واستطعت فعلاً بعدها أن أحقق ما كنت أصبو إليه من اهتمام وتشجيع من طرف أساتذتي.
*البخل
لعلّ البخيل من الأشخاص القلائل الذين يعتقدون أن ما يقومون به هو نوع من السعي -وهو يكنز الذهب والفضة- دون أن يعلم أنها ستكون وبالاً عليه, في المقابل فإن الإنسان المنفق على الخير يوسع الله عليه في رزقه ويبارك له في ماله.
إن هذه المعوقات تحتاج إلى شخص صلب ليتخطاها، فقررْ أن تكون كذلك، وقم واسعَ إلى رزقك.