من أساليب التربية النبوية 22
من أساليب التربية النبوية
أدوات الاستفتاح والتنبيه والتوكيد (22)
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
هذه
الأدوات تطرق سمع المخاطب ، فتنبهه إلى ما سيكون بعد ذلك فلا يضيع عليه من كلام
القائل شيء وقد عرف العرب كثيراً منها ، فهناك على سبيل المثال :
1 ـ ( همزة الاستفهام ) :
وقد وردت في أحاديث المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بوفرة ، ومن هذه الأحاديث ما
رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
((
. . . . . ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع الدرجات ؟ . . . )) ( إلى
آخر الحديث )(1)
فأوردها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتلفت انتباه المسلمين ، ثم أتبعها ب (
لا ) النافية (( ألا أدلكم )) فلما أصبح استعدادهم كاملاً أجابوه بالإيجاب .
2 ـ ( النداء بـ أيها الناس ) :
وهذا يستدعي تحويل الرؤوس إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وتصويب نظراتهم نحوه ،
وفتح آذانهم ، والإصاغة باهتمام لما يقول ، ويوردها رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ حين يكون الجمع حاشداً ، كما حدث في خطبة (( حجة الوداع )) إذ :
أ ـ
أوردها عدة مرات للتأكيد على وجوب الانتباه ، لما للأمر من أهمية .
ب ـ
ذكرها في بداية كل فقرة ، للإشعار بأنه يقول شيئاً جديداً(2)
.
3 ـ ( أداة النداء : يا ) :
أ ـ
لنداء الخاص أحياناً ، كالحديث الذي رواه أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا أبا ذر ، إذ طبخت مرقة ، فأكثر ماء المرقة ،
وتعاهد جيرانك ، أو اقسم في جيرانك(3)
.
ب ـ
لنداء العام أحياناً : كالحديث الذي رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ
صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : يا نساء المسلمات ، يا نساء المسلمات ، لا تحقرنَّ
جارة لجاراتها ، ولو فرسَنَ شاةٍ(4)
.
ومن
الملاحظ أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ندائه أبا ذر ـ وكان وحده ـ ناداه مرة واحدة
، وحين نادى عامة النساء كرر وذلك لبعد الزمان والمكان .
4 ـ ( إن وأمثالها ) :
فهي
للتوكيد والتثبت ، ومثالها : ما رواه أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن أعظم الناس أجراً في الصلاة ، أبعدهم إليها
ممشى ، فأبعدهم(5)
.
فأكد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن البعيد عن المسجد ، الملتزم بالصلاة فيه
أكثرُ أجراً من القريب منه .
5 ـ ( أدوات الشرط بأنواعها ) :
ففيها معنى الحثُّ والترغيب و . . ومثالها ما رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :
من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره ،
ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ،
ومن
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت(6)
.
6 ـ ( ما النافية مع إلا أداة الحصر )
: وهذا يسمى في عرف البلاغيين : أسلوب القصر ، ومثاله : ما رواه أنس بن مالك ـ رضي
الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ما أكرم شابٌ شيخاً لسنه
إلا قيَّض الله له من يكرمه عند سنه(7)
.
7 ـ ( إنِّما الكافة المكفوفة ) :
وهي
من أساليب القصر أيضاً ، ومثالها : ما رواه أبو موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ عن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : إنَّما مثل الجليس الصالح وجليس السوء ،
كحامل المسك ونافخ الكير . . . إلى آخره(8)
.
فنبَّه بأسلوب القصر إلى مكانة الجليس الصالح ، ومهانة الجليس السوء .
وأمثال هذه الأدوات عديدة يتنبه إليه النبيه .
وبعد . . . فهذا غيض من فيض من طرائق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التربية
والتعليم ، سلوكاً وأسلوباً ، عملاً وقولاً . أرجو أن يكون عملي هذا لبنة في صرح
التربية الإسلامية ، راجياً ثواب الله تعالى .
فما
كان من خير وصواب فمن الله تعالى وفضله ، وما كان من هَنَة وتقصير وضعف فمنّي .
أسأل الله تعالى القبول فإنه أكرم مسؤول .
اللهم : اغفر ذنبي ، واستر عيبي ، واختم بالصالحات أعمالي .
(1)
رياض الصالحين ( باب فضل المشي إلى المساجد )،
رواه مسلم .
(2)
سيرة ابن هشام ، الجزء الرابع ص / 184 / ، طبعة
مكتبة الرياض ، نقلاً من مكتبات الكليات الأزهرية .
(3)
الأدب المفرد الحديث / 114 / .
(4)
الأدب المفرد الحديث / 123 / .
(5)
رياض الصالحين ، باب فضل المشي إلى المساجد ،
رواه مسلم .
(6)
رياض الصالحين ، الحديث / 306 / متفق عليه .
(7)
&n رياض الصالحين الحديث / 357 / رواه الترمذي وقال
: حديث غريب .
(8)
رياض
الصالحين الحديث / 361 / متفق عليه .