الكتابة المفيدة والمؤثرة

هي:

تلك التي تكون في ظلال الموضوعية*

محمد قاسم

[email protected]

في شرقنا ثقافة يقال ان "الروحية" فيها غالبة –كمزية- مقابل  غلبة المادية- كمثلمة- في ثقافة الغرب..

وطبعا يفتخر القائلون بهذا..فنحن في نور ساطع، وهم في ظلام المادة القاتمة يرتعون بأساليب اقرب إلى الوحوش.. بلا مراعاة لفطرة البشرية..فيما نحن أشبه بالملائكة تمشي على الأرض..!!

هم ينشغلون بالماديات و"نحن –بنعمة الله- نستثمر إنتاجهم بارتياح، ودون مشقة هم يكابدونها"باللفظ قالها أحد الذين يرون أنفسهم أئمة الناس.وهم بهذا المعنى مسخّرون لنا.

مؤسف ان هذه النظرية تتسع في مداها إلى درجة تصبح الحقيقة مذبوحة،ويصبح الزعم والظن غالبا في الموقف؛ في تأسيس بنية ثقافة راكدة، لا تغيير فيها سوى بعض الانفعالات؛ بمسميات شتى، تسوّد الورق بالأحبار،والمجالس بالصخب والوعظ الروتيني بلا مردود على الأرض-وفي الواقع..!

فالسمة العلمية المفترضة والمنهج المنطقي المفترض يذبح على سفر الكلام على عواهنه،وكلما كبرت مرتبة المتكلم –كما يبدو- زاد جنوحه عن الحق،وتوهم انه الذي يصنع الحق بما يقول..

هكذا يشهد البعض على بعض يزورون حقائق التاريخ..!

هكذا يرى البعض ان البعض قوّالون لا فعّالون..!

هكذا يرى البعض ان البعض استبدل الفعل بالقول ،والقلم المسؤول بقصبة ترشح الشين ...!

 وأصبح الآن أغلب السياسيين-وخاصة المتحزبين- ومنهم المتحزبون الكورد طبعا-  وشرائح أخرى منها المثقفون المرتزقة أو المنحرفون أو ...الخ. أصبحوا في الغالب؛ أكثر الناس حديثا بما لا يؤمنون به في أعماقهم. فيكثرون الحديث المنمّق –ويعتقدونها دبلوماسية وربما شطارة-  ويقللون العمل المثيل.بل يجعلون الكلام بديلا عن الفعل..!

 وكما يقول المثل الكردي" لا تضاريس أمام اللسان " أو ان الحديث لا جمرك عليه"  كما في المثل الشعبي المشترك.

وإذا كان البعض؛ بحكم النشأة بشكل ما،أو بحكم الغربة بشكل آخر،أو  بحكم الحيرة بشكل ثالث.. أو بحكم اللامبالاة بشكل رابع...أو بحكم...الخ.

 إذا هذا البعض لا يؤمن كثيرا بالنظرية الروحية –في الشرق- فإنه منساق إليها،  محكوم بتداعيات القبول بها؛  بحكم التنشئة الاجتماعية،و الثقافة السائدة،والخلل في الذات- الشخصية ..بشكل ما-قنع أم لم يقنع-

ففي مساحات اللاشعور أشياء كثيرة تدفع بنا نحو اتجاهات ومواقف وأفعال لا نكتشف  طبيعتها إلا متأخرين-

-                        إذا كنا ممن يحسنون الكشف أو يحرصون عليه..

-                        إذا كنا ممن يحاسبون أنفسهم  قبل ان يحاسبهم  الناس و الله.

 ولا ننسى أننا جميعا في الشرق  -وفي الغرب – نكابد ما يسميه علم النفس "الكبت" و"العُقد" ما لم نكن من الذين يعانون من الأمراض النفسية –وقد تستعصي على العلاج..أحيانا..!

فالمسؤولون الكبار- اجتماعيون أو سياسيون أو عسكريون أو..الخ. غالبا ما  ينطلقون من السادية أو الشيزوفرينا في اضطهاد مواطنيهم.

وكذا الآباء والأمهات وغيرهم ...

لذا.. فالتفكير –غالبا ما-غائب..في المحادثات-إذا كانت صحيحا-هي محادثات..!

و في النقاشات-إذا كانت صحيحا- هي نقاشات..!

وفي الحوارات-إذا كانت صحيحا- هي حوارات..!

بل يغلب على الجميع  دوافع مردّها؛ بؤرة النفس المظلمة –إذا جاز التعبير..-

 تنساق لقوة غاشمة تستعبد العقل، وتتحكم في فاعليته دون آبهة لصحة ما تفعل، أو ما تتداعى من نتائج لما تفعل. !

مضطرون –دوما- للتذكير بأننا لسنا معصومين كبشر...ولكننا مدعوون إلى بذل الجهد الواعي-ا -لعقلي المتحرر- لنتجنب الأخطاء..

وإذا وقعنا في الخطأ؛ فالتراجع خير وسيلة للتحرر منها ومن تبعاتها..ولقد أحسن المهاتما غاندي عندما قال:

"ليس في حياة الأفراد والشعوب خطأ لا يمكن إصلاحه، فالرجوع عن الخطأ هو إصلاح له"

يبدو ان أي عمل لا بد له من مقدمات،وكذلك الكتابة..مقالا كان، أم دراسة، أم كتابا -صغُر أم كبُر- ولهذا فقد كانت هذه المقدمة لأقول:

بوركت جهود كل الذين وَمَضت في أعماقهم وِمضة الشعور بالأذى والظلم –"والظلم ظلمات يوم القيامة"-الحديث-.

فقرروا التفاعل مع الواقع المؤلم للإنسان - فردا كان أم جماعة-على مستوى اجتماعي، أم على مستوى سياسي، أم ثقافي..أم فني...الخ.

بوركت فيهم الروح المتوثبة إلى محاولة  الفعل من وحي الشعور بالمسؤولية في الحياة، وتحمّل بعض ما يرونه ممكنا من قبلهم..وقد يدفعون الثمن غاليا أحيانا بسبب ذلك..!!

بورك في كل حس إنساني – وفي أي مستوى ،وفي أي فرد،وفي أي شعب،وفي أية حكومة...الخ؛ عندما يكون تناول القضايا الحياتية بروح العمل على:

-  كشفها

-  تصحيحها

-  استثمارها

- إنتاج المتجدد فيها

-إبداع فيها...الخ.

بورك في كل من يحاول ان يساهم في التأسيس لحياة مبهجة لساكنيها، من جميع الأعراق، والأديان، والطوائف، والمذاهب، وشتى الاختلافات...ودون ان ينزلق الى إهانة ذاته في انتمائها وخصوصيتها ..

وخير وسيلة  -كما يجمع عليه المتاملون بجد ؛هو ان نتقن مهنة الحوار على أرضية الإيمان بالخير للبشر جميعا..وترك العقوبات والمحاسبات لمن خلقهم على انحرافاتهم وأخطائهم وشرورهم ما لم تنلنا كبشر، وتستهدف كوننا وأرضنا.

ولذلك في الأرض قوانين يفترض ان نحسنها باستمرار.

 ولننجح فمن المفترض ان نقدر المبدعين والمفكرين والفلاسفة والمتميزين وان خالفونا في منهج الرؤية للحكم وخلافه..هؤلاء ملح الأرض..ودماء شرايينها.

ماذا كنا سنفعل لو ان مخترع الكهرباء قتل على يد حاكم؟!

 وماذا كنا سنفعل لو ان مكتشف الجراثيم قتل على يد لص أو قاطع طريق والأسوأ على يد حاكم؟!.

هؤلاء وأمثالهم هم الذين أضاؤوا ومهدوا وجمّلوا  طيّبوا ...الحياة..!

فلندع لهم بعض خصوصيات وان لم  تلائمنا، دينا أو سياسة أو غير ذلك.

يمكن ان توجد معسكرات لهم تراعى فيها كل ما يمكنهم من فعاليتهم ويجنب الناس ،المحتمل من إساءاتهم.!

لكن...-وأرجو ان نتذكر أن ولكن- في اللغة العربية- هي للاستدراك..!

استدراك ما فاتنا ولم نذكره..!

وهنا نستدرك امرأ لم نذكره وهو الدافع -أصلا لهذه الكتابة بمقدمتها الطويلة، وبما ورد في المتن مما قد يراه البعض –تفلسفا- وقد يراه البعض فذلكة..! لا يهم هذا..

المهم إنني أود ان أستدرك أمرا مهما - كما أرى-

 وليس ضروريا ان تكون رؤيتي هي الصحيحة فحسب..- هذا الأمر هو تجنب الإغراق في الروح الذاتية، والقفز فوق ضرورة "الموضوعية"..

للأسف هذه  حالة غالبة في معظم كتاباتنا- وسلوكنا عموما- في الشرق –عند العرب-في الثقافة العربية والعروبية بشكل اخص- وعند الكورد- في الثقافة الكوردية والحزبية بشكل خاص. أيضا..

وإذا كان بين العرب من يفترض به المسؤولية عن تنبيه بني قومه بحكم تقاسم المسؤولية كما في الآية: " انذر عشيرتك الأقربين". فإنني أتوجه  أيضا–هنا-وبالدرجة الأولى إلى "عشيرتي الأقربين" وهي الكورد..واخص المثقفين والكتاب والفاعلين عموما، أولا.. وكذا كل من نتشارك العيش في وطن واحد يفترض انه للجميع ولا يتميز فيه احد غلا بقدر ما يعطيه بعلامات تؤكد صدق وصحة العطاء..!

ولأذكّر بكتابات المتقدمين علينا في الغرب والشرق ..سنلاحظ الغالب فيها أنها كتابات تعتمد المراجع،وتوثق المعلومات ، وقبل ذلك تبحث عنها من مصادرها بتوثيق –كما أسلفت..وتجلي المصطلحات ..

ففي الإسلام مثلا هناك المستوى اللغوي له، والمستوى الشرعي، ثم المستوى الاصطلاحي.. ولذا فقد أسسوا الفهارس والكليات والشروح التفاسير والتحديدات بطرق شتى ومن علماء شتى..

الغاية كلها وحدة الفهم للأفكار التي يمثلها الكلمات تعبيرا، وعدم الاختلاف فيها مع ما تميز به الكثيرون منهم من مستوى أخلاقي عال : " ما أعتقده صوابا يحتمل الخطأ، وما اعتقده خطا عند غيري يحتمل الصواب".

كما يقول الشافعي.وله أيضا: "الاختلاف في القضية لا يفسد للود قضية".

وأذكّر-وربما نفعت الذكرى..- بان العقل –أي عقل بشري، وفي أي فرد ومجتمع- يبحث عن الأدلة، والمراجع، والمصادر، والوثائق ...ومدى توافق المعروض من الأفكار والقضايا مع النهج المنطقي-العلمي،  وهو ما يسمى بـ"الموضوعية". حيث تغليب روح الحياد –أي التحرر من الانفعال والانحياز بلا موجب؛ في طرح قضايانا..لكي نقنع الآخرين بها، ونقدم لهم الطرق والمساحات التي تتوضع الحقائق –المفترضة- فيها، فيبحثوا بسهولة بدلا من الشعور بالملل عندما يقرؤون عبارات ذات صخب ولكنها لا تقدم الحقيقة موضوعيا.

لا يهم أحدا بكاؤنا؛ ما لم يعرف حقيقة أسبابه، والأسباب لا تقدّم عبر تعبيرات إنشائية،  انفعالية،شاتمة،شاعرية...الخ.

 بل قد يجعل ذلك، ان ترتد إلينا سهامنا، وفي نحورنا..بأية طريقة كانت..!

-  القوانين تبحث عن الأدلة المادية، لا المشاعر، والعواطف، والانفعالات عموما..

-  المنطق يبحث عن تماسك الحجج، والبراهين، تتناسق نتائجها مع مقدماتها..

-  العلم لا يؤمن بقضية ما لم تكن مؤكدة تجريبيا.

هذا في الموضوعية..

أما في جانب الحالة الذاتية..وينبغي ان نعرف كيف نقرنها مع الموضوعية بنوع من التقبل، يجعلهما متآزرين لا متناقضين ومتصارعين.

ولعل العامل الذاتي المهم هنا هو:  الانتباه إلى "المصالح –كل أنواعها المعنوية والمادية-..فلا احد يرضى ان يهدر مصالحه-خاصة في الميدان السياسي- من اجل قضية نؤمن بها –بغض النظر عن طبيعتها - .!

فهل نحن أيها ألإخوة الكرام واعون لهذا..؟!

وإذا كان هناك ما لم أستدركه فأنا في انتظار الذين يعينونني عليه بتقدير وامتنان.

.......................

· من وحي ما أقرأ من مقالات كثيرة تخلو من تثبيت المعلومات والإشارة إلى مصادرها عند ذكرها،وغلبة الطابع الإنشائي فيها.وإذا كان البعض يتقصد البعد الفكري أكثر فهذا لا يعفيه من مسؤولية الوضوح والتحقيق في المصادر والمعلومات عموما، فضلا عن النهج المنطقي-العلمي ضرورة..على قدر الاستطاعة .ولكل قدر منها.ولكن يمكن للجادين ان ينالوا كثيرا ..!

· ملاحظة.

فيما كنت انتهي من المقال قرأت في النت ان بعض مسجوني إعلان دمشق والقيادي في حزب يكيتي السيد معروف ملا  وربما غيرهم؛قد أفرج عنهم والباقون ينتظرون إفراجا قريبا.. كما تقول الأنباء.فليتقبلوا مني -جميعا-تهنئة على ذلك ودعاء باحتساب الأجر لهم عند الله والناس..وأتساءل -كما فعلت تكرارا- لماذا سجن المختلفين؟!

البحث عن فتح النفوس والقلوب للرضا خير من بذر الكراهية والخصومة فيها..ولا يعيا الجادين وسائل لتحقيق ذلك..خاصة الحكماء في الحكام. وبطانتهم.

وأتساءل هل هناك سجين واحد من اجل رأيه واتجاهه السياسي في الغرب الأوروبي؟!