أيها السوري.. ماذا تعرف عن الجولان

د. إبراهيم درّاجي

منذ عدّة سنوات وبعد عودتي من الإيفاد وبدء تدريسي بالجامعة بدأت أحث طلابي على متابعة الأحداث السياسية ومناقشتها والاشتراك في الأنشطة العامة والوطنية والتفكير بأفكار خلاقة يمكن أن يقوم بها طلاب يدرسون القانون الدولي في وقت تكثر فيه الانتهاكات لهذا القانون وتكثر أكثر الانتهاكات التي تتم باسمه!!

وكنت ألومهم دوماً لضعف متابعتهم وقلة اهتمامهم في وقت فيه الكثير من القضايا الوطنية والقومية والدولية التي تستحق أن نفكر بها ونعمل لأجلها وأعطيتهم أمثلة على ذلك بالجولان والقدس وبغداد.. وكانت دهشتي عميقة عندما دمج بعض الطلاب ما بين الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة!!! واكتشفت لاحقاً أن معظم طلابنا وشبابنا عموماً لا يعرفون الكثير عن الجولان.. متى تم احتلالها؟ وكيف تم ضمها؟ ولم يسمعوا حتى بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 497 لعام 1981 الذي ألغى قرار الضم الإسرائيلي وأكد عدم مشروعيته!!

وبدأت أنتبه لحجم التقصير الذي نمارسه، نحن، بحق أهم قضية وطنية ينبغي أن تشغلنا على الإطلاق.. فما الذي علّمناه لطلابنا وما الذي نقلناه لمجتمعنا حتى لا ينسى هذه القضية بمرور الزمن والأيام.

فقد اعتدنا لسنوات طويلة، وبحكم تكويننا القومي في سورية، أن نتحدث عن الأراضي العربية المحتلة عموماً دون أن نخص الجولان بأي لفتة أو تخصيص، اقتناعاً منّا أن ما يسري على بقية الأراضي المحتلة سيسري على الجولان، وهذا ما كان سائداً وقت الحديث عن وحدة المسارات والعمل العربي المشترك، حتى إننا بكتاباتنا القانونية والسياسية لم نبرز قضية الجولان على الإطلاق وهمشناها مقارنةً ببقية الأراضي العربية المحتلة لدرجة أننا وفي كليات الحقوق السورية، سواء بالنسبة للتعليم العادي أم المفتوح، ندرّس مقرراً باسم القضية الفلسطينية ولكن ليس هناك كتاب واحد متخصص عن الجولان.. وتصوّر أنه يتعين على طلابنا أن يعرفوا كل شيء عن تاريخ القضية الفلسطينية وحاضرها ومستقبلها.. دون أن يعرفوا أي شيء عن الأطماع الإسرائيلية بالجولان ومدى مشروعية احتلاله والممارسات الإسرائيلية ضد مواطنينا هناك وتقارير لجنة تقصي الحقائق التي تزور بلادنا سنوياً بتكليف من الأمم المتحدة لرصد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان السوري في الجولان المحتل. ودون أن يعرفوا أيضاً تاريخ المقاومة الوطنية السورية في الجولان سواء ضد الانتداب الفرنسي أو الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما ُيبرر تلعثم بعض محللينا في وسائل الإعلام عندما يُسألون عن المقاومة في الجولان.. متجاهلين صفحات ُمشرقة في هذا الشأن وبصورة خاصة عندما سعت إسرائيل لفرض الهوية الإسرائيلية على مواطنينا هناك وهو ما ُيبرر وجود الأسرى والمعتقلين السوريين من سكان الجولان في السجون الإسرائيلية حتى الآن.

وقد سعيت منذ فترة لاقتناء ما هو موجود في المكتبات السورية عن الجولان وكانت النتيجة معيبة جداً باعتبار أنها لا تتجاوز عدد أصابع اليدين ومجملها تتحدث عن الجغرافية ونمط الحياة الاجتماعية وبعض الدراسات التاريخية ولا شيء أكثر من هذا!!! ولو أراد أي باحث في سورية أن يطّلع على تفاصيل عملية السلام المرتبطة بالجولان فسيجد بكل يسر وسهولة، في دمشق، وجهة النظر الأميركية كاملةً بدايةً بمذكرات الرئيس الأميركي بيل كلينتون مروراً بالكتاب الصادر عن وزيرة خارجيته مادلين أولبرايت وصولاً إلى التوثيق الدقيق لكل ما جرى في كتاب المنسق الأميركي لعملية السلام دينيس روس إضافة إلى عدّة كتب أميركية تعالج هذه القضية « من وجهة نظر أميركية طبعاً وإسرائيلية أحياناً « وبالمقابل فإن وجهة النظر السورية غائبة في دمشق باعتبار أن من شارك في مسار المفاوضات لا يستطيع أن يتحدث أو يكتب عملاً بالتقليد الوظيفي العربي الذي يجعله يلتزم الصمت تماماً وإلى الأبد خشية أن يتورط وُيتهم « لو أساء التقدير « بأنه قام بإفشاء أسرار الدولة العليا!!! وليس مألوفاً أيضاً أن يجلس بعض صانعي القرار لدينا مع صحفيين سوريين لتوثيق ما جرى من وجهة النظر السورية « علماً أنهم أحياناً يفعلون هذا ولكن مع صحفيين أجانب «!! ويبقى هناك خيار أخير هو أن تصدر الخارجية السورية كتاباً أبيض يعكس رؤيتها لكل ما جرى، وهو تقليد مألوف في أروقة العمل الدبلوماسي، لكننا لم نقم به أيضاً!!!

ولو سألت الآن أي مواطن سوري عن مساحة الجولان وعدد قراها والأرض التي حررت ومساحة الأرض السليبة حتى الآن... فكم جواب صحيح تعتقدون أننا سنحصل عليه! حتى من المتخصصين والمثقفين وأهل السياسة أيضاً!! وكم واحد منّا يتذكر أسماء أسرانا الجولانيين في السجون الإسرائيلية! للأسف نحن لا نعرف أحداً إلا عندما ُيستشهد في الأسر أو نناشد العالم لتوفير متطلبات العناية الطبية اللازمة له، كما نفعل الآن مع الأسير بشر سليمان المقت المعتقل في سجن الجلبوع منذ 22 عاماً ونيف والذي ترفض إسرائيل للآن السماح بإجراء عملية قسطرة قلبية جديدة لفتح أحد الشرايين، وماذا قدّمنا لعائلات هؤلاء الأسرى من أجل تعزيز صمودهم في مواجهة الُمحتل؟

أيضاً كم واحد منّا زار القنيطرة المحررة واستمتع بجوّها النقي واطلع على حجم الدمار الذي خلّفه العدو الإسرائيلي ولم يزل شاهداً على بربرية غير مسبوقة شملت كل شيء من المساجد إلى الكنائس مروراً بالمنازل وحتى المستشفيات!!

هل نحتاج أيضاً إلى علامات إضافية لكشف مقدار التقصير الذي مارسناه ولا نزال بحق أهم قضية وطنية تشغل سورية منذ حصولها على استقلالها وللآن... وربما لعقود قادمة!!!

وعلينا أن ننتبه هنا لأن القضية هذه ليست مجرد ترف سياسي أو إعلامي أو ثقافة عامة، كما قد يتصور البعض أو يتخيل، فالقضية هذه وطنية بامتياز وخطيرة لأبعد مدى لأن إسرائيل تراهن دوماً على الوقت، وهي تعتقد أن الزمن كفيل بأن ينسي أصحاب الحقوق حقوقها باعتبار أنه سيكون في المستقبل أجيال جديدة، تراهن إسرائيل، على أن هذه الأجيال ستكون أقل ارتباطاً بقضاياها الوطنية والقومية!! وهم يتحدثون علناً في إسرائيل أن الجيل الأول من العرب عاش القضية بكل تفاصيلها وبكل آلامها ومآسيها.. وهذا جيل لا فائدة من الحوار معه لأنه لن يتنازل عن أي من حقوقه وخاصةً أنه ما زال يحتفظ بمفتاح منزله وسندات ملكية أرضه التي احتلتها إسرائيل.. وأمّا الأجيال اللاحقة فسيكون التفاهم معها أيسر.. حتى يصلوا إلى أجيال تسمع بالجولان ولا تعرف عنه شيئاً وتتحدث عنه كأساطير الأولين التي لم تعد تعني شيئاً.. فكلّما طال الزمن سهلت المهمة على إسرائيل!! وعلينا أن نتصور الآن أن الطفل الجولاني الذي ُولد سنة 1967 وبقي تحت الاحتلال أصبح عمره الآن 41 سنة دون أن يزور سورية.. وربما دون أن يعرف عنها شيئاً.. وهذا ما ُتراهن عليه إسرائيل وهو ما ينبغي أن ننتبه له جيداً ونستعد للتعامل معه ومواجهته والرد عليه.

ويبقى السؤال الهام: ماذا ينبغي أن نفعل؟

أرى هنا أنه ينبغي أن نقرّ أوّلاً بخطورة هذه القضية وبعد ذلك هناك العديد من الخطوات التي ينبغي أن نلجأ لها ونبادر إليها دون أي تمهل أو تقصير بهدف إحياء قضية الجولان في الذاكرة الوطنية للجيل الحالي وللأجيال القادمة وهو ما يمكن أن يتم بعدّة طرق وأساليب إعلامية وتربوية وثقافية كإصدار المزيد من الكتب عن الجولان بحاضره ومستقبله وتشجيع إجراء الدراسات والبحوث الجامعية عن هذه القضية بكل أبعادها وتفاصيلها، ووضع مقرر خاص بقضية الجولان ُيدرّس لطلابنا في جميع مراحل التدريس المختلفة. وتنظيم رحلات إلزامية مجانية مكثفة ومتعددة لطلاب كل المدارس والجامعات السورية إلى القنيطرة الُمحررة ونقل حقيقة كل ما جرى بأسلوب إنساني يراعي المراحل العمرية المختلفة لكل المستويات وتزويدهم أيضاً بصور ومقتنيات تخلّد هذه القضية في ذاكرتهم للأبد.

إضافة إلى الاهتمام بالجانب الإعلامي ولكن بصورة إنسانية ليست مباشرة ولا فجة.. وإعداد المزيد من الأفلام، الدرامية والوثائقية، عن الجولان ليتم عرضها في المدارس والجامعات والمنتديات الثقافية. إضافة إلى الاهتمام بتوثيق درامي لبطولات أهلنا في الجولان الماضية والحاضرة وإدخال شخصية ابن الجولان في مسلسلاتنا الدرامية والاجتماعية بكل ما تتضمنه شخصيته من أبعاد إنسانية مؤثرة. وأتساءل هنا ألا يستحق كل واحد من الأسرى السوريين في السجون الإسرائيلية أن يتم تخليد بطولاته بكتاب أو مسلسل وبأكثر من هذا؟ وما مدى تأثير أن نستيقظ يوماً لنجد صوراً عملاقة في كل مدننا للأسرى السوريين الذين لا نعرف عنهم شيئاً رغم أنهم ضحوا بأحلى، وربما بكل سنوات عمرهم، لأجل الإصرار على سورية الجولان وعروبته.

ولماذا لا نجعل زيارة القنيطرة والاطّلاع على آثارها المدمرة ضمن البرنامج المقرر لأي ضيف أجنبي يزور سورية، كما يفعل الإسرائيليون في تخليدهم لضحايا الهولوكست، أو لنفكّر بنقل بعض الآثار المدمرة كما هي إلى دمشق ومحافظات أخرى وتخصيص ساحة ليطّلع عليها الجميع.. كل الوقت. فضلاً عن إنشاء متحف للجولان في كل محافظة سورية ليخلّد بالصور والوثائق حقيقة كل ما جرى.

وعلينا أن نفكر بكيفية تعزيز التواصل مع أهلنا في الجولان لتعزز قدرتهم على الصمود مع ما يتطلبه ذلك من توفير كافة متطلبات صمودهم المادية والقانونية والسياسية.

مع الإشارة هنا إلى أن هذا العمل يتطلب تضافر كل الجهود الرسمية والشعبية والخاصة أيضاً، مع إبراز دور خاص لرجال الأعمال السوريين في المبادرة إلى التفكير بأنشطة كهذه أو بأي مشاريع أخرى، كتخصيص منح طلابية باسم الجولان وجوائز للإبداع باسم أسرى الجولان...

ربما فكر البعض بأنشطة كهذه.. وقد يكون قد بادر لتنفيذ بعضها بالفعل... لكنني أرى أنه ينبغي أن نبدأ العمل بشكل جماعي وضمن مبادرة وطنية شاملة لأن قضية الجولان تستوجب حشد كل الجهود والإمكانيات حتى نتغلب على عنصر الزمن الذي يراهن عليه الإسرائيليون.. وإلى أن يحين الوقت الذي نسترد فيه الجولان ليعود كاملاً غير منقوص السيادة إلى الوطن الأم سورية.. وهو يوم ليس ببعيد بشرط أن نبدأ العمل، كل في مجاله واختصاصه، للوصول إلى هذا الهدف بإذنه تعالى.