من أساليب التربية النبوية 20
من أساليب التربية النبوية
القسَم ( 20 )
د.عثمان قدري مكانسي
[email protected]
إنه من أشد أنواع التأكيد(1)
، فالمسلم يقسم بخالق الكون وبارىء النسم أن ما يقوله أو يقرره صدق لا جدال فيه ،
سواء أكان ذلك سلباً أم إيجاباً .
والقسَم طريقة من طرائق الإقتناع
والوصول إلى إرضاء المخاطب والدخول إلى نفسه ، وجلاء الشك فيه .
وقد سلك رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ هذه الطريقة لإقناع المسلمين ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( . . . والذي نفسي بيده ، لقد هممت أن آمُرَ بحطب
فيُحتطب ، ثم آمُرَ بالصلاة فيؤذنَ لها ، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس ، ثم أخالفَ
إلى رجال فأحَرّقَ عليهم بيوتهم
(2) . . ))
فالرسول الكريم يوضح مكانة صلاة
الجماعة ، وينعى على الذين يهملونها كسلاً ، ويؤكد أنه همّ عدة مرات أن يعاقبهم ،
فأقسم بالله سبحانه وتعالى ـ وهو الصاق الصدوق الذي لا يحتاج إلى القسم ـ أنه كاد
يعاقبهم على تخلفهم عن صلاة الجماعة .
وأقسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ القسم نفسه على شدة هول يوم القيامة ، وما أعد الله للكافرين من العذاب ، وذكر أن
الناس غافلون عنه ، فقد روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على
رهط من أصحابه يضحكون ويتحدثون ، فقال : والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلاً ولبكيتم كثيراً ، ثم انصرف وقد أبكى القوم(3)
.
وفي معرض وجوب اتباع سنته والسير على
منهجه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهي عن التنطع في الدين ، لأنه يسر .
تروي عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ ! . .
فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية(4)
.
فقد أقسم رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أنه أعرف الناس بالله تعالى ، وخشيتـُه لله سبحانه إنما تأتي من معرفته
الحقةِ له ، ويعْرفـُه من بعده العلماء العاملون ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ
مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(5)
. ولا ينبغي لمؤمن بالله ، مسلمٍ متبعٍ للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن يكون
مثله في عبادته .
وحين يرى عاملـَه يأتي بالزكاة ويقتطع لنفسه شيئاً يزعم أنه أهدي إليه ، يوبخه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ثم يعلو المنبر موضحاً أن ما يأخذه العامل غير أجرِه إنما هو
رشوة يحاسب عليها يوم القيامة ، ويقسم على ذلك لتأكيد هول الموقف وخطورة أخذ الرشوة
.
يروي أبو حميد الساعدي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : . . . . . والذي
نفسي بيده ، لا يأتي بشيءٍ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً
له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر(6)
. . . .
وعن
أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
خرج
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ـ رضي
الله عنهما ـ
فقال : ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟
قالا : الجوع يا رسول الله .
قال : والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما(7)
. . . ( والحديث طويل )
فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحبب إليهما ، وأنه خرج لِما خرجا له ، ويقسم على
ذلك .
وهكذا نرى أن القسم جاء تأكيداً للمعاناة التي يعانيها الصحابة من جوع وشظف عيش ،،
وتصويراً لاشتراك الجميع فيها ، دون أن يحتاج صاحبه للقسم عليه .
وكثيراً ما كان العرب يستعملون القسم لا لكبير حاجة ، إنما هو أسلوب من أساليبهم .
ومن بديع أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجامعة : الحديث الذي صدّره
بالقسم ليشد الانتباه إليه والتفكير فيه ، مع استحضار اليقين . ثم يصورُ أربعة
أنواع من الناس ، تجمع كل اثنين منهم النية ، لأنها مفتاح الجنة أو النار :
فعن أبي كبشة عمر بن سعد الأنماري ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ يقول : (( ثلاثة ( أقسم عليهن ) وأحدثكم حديثاً فاحفظوه :
ـ
ما نقص مال عبد من صدقة .
ـ
ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزاً .
ـ
ولا فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ، ( أو كلمة نحوها ) ، وأحدثكم
حديثاً فاحفظوه عني : " إنما الدنيا لأربعة نفرٍ :
1ـ
عبدٍ رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه
حقاً ، فهذا بأفضل المنازل .
2ـ
وعبدٍ رزقه الله علماً ، ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق النية ، يقول : لو أن لي مالاً
لعملت بعمل فلان ، فهو بنيّته ، فأجرهما سواء .
3ـ
وعبدٍ رزقه الله مالاً ، ولم يرزقه علماً ، فهو يخبط في ماله بغير علم ، ولا يتقي
فيه ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً ، فهو بأخبث المنازل .
4ـ
وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً ، فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل
فلان فهو نيّته ، فوزرُهما سواء(8)
.
(1)
لا يحل لمسلم أن يقسم إلا بالله .
(2)
رياض الصالحين ، باب فضل صلاة الجماعة ( متفق عليه ) .
(3)
الأدب المفرد الحديث / 254 / .
(4)
متفق عليه .
(5)
سورة فاطر : الآية 28 .
(6)
رواه الشيخان .
(7)
من رياض الصالحين الحديث / 495 / .
(8)
رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .