المثقفون

المثقفون

والالتزام بقضايا البشر

وإشكالية السياسة

م. الطيب بيتي

مغربي مقيم بفرنسا

باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس

[email protected]

 .." ان الثقافة  ليست مجرد ترف فكري، أو متعة جمالية خالصة ننتشي بها...بل مجموع حلول يوجدهاالانسان لمشكلاته التى تطرحها بيئته" ... روجى غادرودى

هل من حق المثقفين ورجال الفكر والفنانين والمبدعين في الغرب وفي اسرائيل ،أن ينطلقوا بأفكارهم الى حيث تنتهي بهم، دون قيد ولا شرط ولا محاسبة ،و مراقبة ، وأن يتحللوا من الالتزام بقواعد الأخلاق الوضعية الأرضية والسماوية المتفق عليها انسانيا، ودوليا؟

،ولماذا لايهمهم البحث عن القواسم المشتركة التي تجمعهم مع سائرالبشر وباقي الحضارات الكونية خارج المنظور الغربي؟

أولا يكون المثقفون والفنانون والمفكرون-في الغرب- وفي اسرائيل، أناس وبشر،مثل بقية خلق الله ، يصيبون ويخطئون ويحبون ويكرهون،و ينتمون –كبشرأيضا- الى المجتمع الانساني الكبير'الماكروكوزم" والى مجتمعاتهم الصغرى(الميكروكوزم)؟وبالتالي ،فهم مسئولون –مثل سائرالبشر-أخلاقيا وانسانيا ، ثم مسئولون أكثر من غيرهم من البشر كنخب، عما يجري سواء داخل "الماكروكوزم"(العالم الانساني الكبير) أو داخل" الميكركوزم" (المجتمعات الأممية الصغيرة) بحكم أنهم اختاروا تحمل عبء التنويروالتغييروالاصلاح ، ومكافحة الفساد الخلقي بكل أشكاله-  ومواجهةالعبث بتلويث "ثقافات " الآخرين، ما استطاعوا الى ذلك سبيلا، كل وما أوتي من قدرة وموهبة، وقدر المستطاع (فالفساد والافساد هما الأصل في كل أنواع التعفنات المستشرية على المستوى البشري والكوني –  والباقي كله كلام "أدباتي تلفيقي" لا جدوى من ورائه-،

وهل يتحمل المبدعون خصوصا ،والمثقفون عموما في الغرب وفي اسرائيل، تبعة عدم المشاركة السياسية في بلدانهم، وما يتمخض عن سياساتها من ويلات تهدد الكوكب الأرضي برمته بالانفجار الى شظايا؟أم هل يبتعدون عنها ، ولا يكونون مسئولين الا عما يكتبون ، مكتفين " باللذات الأبيقورية" الفردية "الأنانوية" (من الأنانة) تلبية "لفانتازماتهم" المستجيبة لعوالمهم الخاصة وعلى الدنيا العفاء ؟

 ..أين هو موقع "الجنوبيين" وكل مستضعفي اليابسة من الثالثيين، والرابعيين وهلم جرا، الذين يشكلون تسعين بالمائة من المعمورة" في مشروعاتكم الثقافية التي تخططون لها بمراكز بحوثكم؟، وما محلهم من الاعراب على الخريطة الثقافية الكونية "الجديدة"؟؟التي بدأ الغرب يعيد تفصيلها من جديد تلبية لندائه السرمدي للعالم الفسيح الذي لا ينقطع ، والذي يتقن دوماتلفيق مسوغات اعادتها بلا انقطاع.،لانه  يبدوأن "العقل المكار" -حسب تعبيرهيغل- قد استغل مكره معكوسا على يد حفنة من البشر: كما نلمسه في تصريحات "فلاسفتكم الجدد" وساسا تكم بدون استثناء من مدريد الى سيدني

أوليس " الغرب بلاد المساء؟"،   وفق تعبير "هايدغر"نفسه؟

أو ليس الغرب هو تلك" البلاد الأسطورية التي تولد فيها الفلسفات مع حلول كل مساء،.عندما تظهر بومة "منيرفا"، وتكون الشمس قد قطعت لتوها مشوارها الطويل؟... وفق تفسير الأنثروبولوجي والمفكر الكبير سريج لا توش Serge Latouche

أوليس الغرب لقادرعلى تغيير رؤاه، ومراجعة تصوراته الثبوتية (بالمنظور الحصري المركزي الغربي )عن  هذا الشرق الذي لا يتوجه اليه الاعبر "فانتازماته"الي حفلت بها ذاكرته "الكولونيالية" وما تزال تنتجها عقول "مستشرقيه" ذوي التأثير السلبي في اتخاذ القرارات السياسية بالعواصم الغربية؟

أو لا تكمن قدرة الغرب في كونه "ولاد فلسفات متناقضة" منذ اليونان الى ظهور مناهج "الانتقائيات"التي وضع أسسها خطيب روما المفوه "شيشرون" وقعد لها الفرنسي "فيكتور كوزان"

بهدف سد النواقص ودرء لمفاسد في كل المدارس الفكرية الغربية حتى القرن التاسع عشر حسب تعريفات القواميس المتخصصة "اللكسيكية"في الغرب نفسه؟

ما هو هذا التوجه "الاستسرائي" و"الخفائي الغنوصي" الذي يجعل الغرب  يحقر عقله 'الدياليكتيكي القاهر"  بتعبير "هيغل" والسقوط فى أحابيل "العقل التبريري الماكر" وفق سارتر وكامو،مسايرة "للعقل العاهر"وفق تعبير" ماركيوز" منذ أن داست قاطرته الكولونيالية كل "الأفكار الجميلة والشفافة والسامية، والمبادئ الرومانسية الحالمة" التي روجت لها فلسفاته بكل تنوعها وشمولها واتساعها وثرائها بعد عصر التنوير، لكي تنحاز لاحقا بشكل علني وصريح الى "احياء الثقافة المافوق-قبرية " المثملةفي أكثر التنظيرات بهرجة ،وبؤسا،  وخواء انسانيا، وتلفيقا في تاريخ الفكر البشري  مثل "الفلسفة الصهيونية" والترويج لها والاعلاء من شأنها في كل وسائل الاعلام المختلفة الرسمية والحرة؟ والتغاضي عن المجازر التي تمارس على الشعب الفلسطيني منذ 1948 بممارسة أنواع من التدليس والتحايل على المتلقي الاوروبي ، وعلى البشرية، بلوي الحقائق  "بمنطق أرسطي" بارد 

ولم هذا التوجه "الخفائي"الى قراءة القضايا البشرية ،وخاصة قضايا شعوب" الشرق الأوسط  "على أسس تلمودية خرافية، بالرغم أن الغرب" يدعي علمانية عقلانية صارمة" تبعد الدين عن كل مناحي الحياة

حيث أنه ما من تصريح سياسي، سواء أصدر من أولمرت ، أو بوش، ،أو رايس، ،أو بلير ،أو ميركل ،أو ممثلي المجموعة الأوروبية، الا ويتبين ،من خلالها روح ومقاصد وأبعاد،التلمودية المعاصرة ،و"الخفائيات القبالية الاستسرارية؟" (بمنظورالانثروبولجيا الثقافية والسياسية ) ونكهة "المالتوسية الجديدة المدبرة  للشعب الفلسطيني  (كما  أثبته البحث الاكاديمي –من حولي  500صفحة  صدر هذا العام للباحث الفرنسي المعروف "ايلان بابIlan Papeو المنشور في احدى كبريات دور النشر العالمية Edition Fayardالمتخصصة في دراسات الاثنيات وحضارات الشعوب – والذي ينتظر الترجمة-"حيث يحتوي على حقائق مذهلة ومرعبة عن  مشروع "الأبارتايد " المعقلن " والتصفية الاثنية "لابادة  للفلسطينيين تحت عنوان "التصفية العرقية لفلسطين" L e nettoyge  Ethnique de la PALSTINE"

ولم هذا الاجماع "الصهيو- غربي" على السعي الحثيث الى"صهينة" الأجيال القادمة للفلسطينيين، ؟ بالتهجير القسري، وبالتهجير"الظريف واللطيف" بالوعد والوعيد،,وطرق "الاغواء والاغراء"  بالعيش الأفضل في مناطق أخرى خارج فلسطين، مثل الأردن ودول الخليج  و"العالم الغربي الوردي " بالتنسيق مع منظمات حكومية وغير حكومية اقليمية ودولية، بتيسير الهجرات الى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا ، بعد ترسيخ أمراض الوهن النفسية ، وحالاته المستعصية ،التي يعاني منها الأطفال والنساء والشيوخ والشباب ،نتيجة العيش تحت وابل القصف اليومي ، والتهديد المستمر بالعشي والابكار بالقصف،و بالاجتثاث،و الاضطهاد المعيشي، وزرع نزوعات وبواعث الاحباط في النفوس، بترداد مقولات استحالة السلم ،أو التعايش، لتنافر الثقافتين ،وتصارعهما منذ 48(وانما البقاء للأقوى علىهدي "الداروينية الاجتماعية و" والتطورية" الثقافية الجديدة  الآتية بعد انجاح مشاريع "الفوضى الخلاقة في المنطقة)، وذاك هو المشروع الحداثي الأوحد الذي في جعبة اسرائيل والمجموعة الأوربية وأمريكا و"العرب الجدد" وأتحدى من يطرح نقيض هذا الطرح

ان مصممي الثقافات في الشرق والغرب يعلمون جيدا،  بان احتواء كل اشكال المقاومات  داخل فلسطين سيتم اولا(بالامتصاص، والتذويب والتمثيل والتفكيك بكل الوسائل الماكيفيلية الممكنة)، ثم يعقبها مشروع" أمركة" المنطقة كلها من مسقط الى نواكشوط لكي تحاط فلسطين والفلسطينيين احاطة السوار بالمعصم،

وفي هذا السياق، فان اسرائيل مكرهة –ايديولوجيا واستراتيجيا ،لاتمام وانجاح مشروع "المحرقة "(كما أسفرت عنه زيارة "شيمون بيريز "المظفرة" الى باريس )الممارسة حاليا في غزة ككعب أخيل، و"المشروع الرائد"Projet Pilote لسائر التصفية الأكيدة القادمة، وخاصة وأنها تحظى بتأييد دولي، (سياسي وثقافي منقطع النظير غير مسبوق(مشاريع الاحتفالات الرسمية الثقافية في جل أكبر مدن أوروبا لعام 2006 تضامنا مع اسرائيل في ذكرى تأسيسها) بمعية بعض"الأشقاء" العرب المجاورين ، أو ليس الأقارب عقارب

و كما يعلم جيدا "مصممي الثقافات " شرقا وغربا ،بأن أهم خطوة لأنجاز "مشروع التصفية"،(كل  بلد على حدة) هوتمويل وتدعيم كل مشروعات " الحفريات  الثقفانية" و "الثقافات- المضادة " التي رصدت لها ميزانيات مغرية من طرف منظمات دولية مزودة المنطقة بمستشاريها، لإحياء نادر وشوارد الفولكلورات القديمة، ،ومفاخر "التراث الشفوي موفرة له أحدث التقنيات عتادا، ونصبت لهذه الحفريات، كراسي جامعية لتلقين الأجيال المقبلة خصوصيات طوائفه، وترسيخ "شوفينياته" التليدة ،مما أرست معالمه ، تنقيبات رجالات "الانسيات "  والاثنولوجيا وحفرياتها،من أشورية وكلدانية وبابلية ،وسومرية وفرعونية وفنيقية ونوبية وزنجية وأمازريغية، و"سلفيات "   هي اقري منها  الجاهلية الأولى منها الىا السلف الصالح و"غنوصيات شيعية باطنية" للمزيد من التطاحن الطائفي بعد بذر "اللوثة العرقية" والطائفية  بين شعوب المنطقة كلها، لتنفرد اسرائيل بحق بلقب" شعب الله المختار"  للتوج  "كأمبراطورية توراتية"  على الشعوب الضالة "الهمجية"  المتناحرة حولها

انه بحق سيناريو  جهنمي قاتم للمنطقة ، كما يعلم ذلك جيدا "مصممو الثقافات في الغرب" سعيا وراء تحقيق "الاحسن" لاسرائيل " الذي لابد ان ان يستند الى ازاحة كا ماهو "حسن" في المنطقة

 وختاما أجدد النداء الى المخلصين في هذه الأمة-ان بقيت منهم بقية)  من الذين أنعم الله عليهم من فضله وأغدق عليهم من نعمه، في التفكير الجدي، في تأسيس معاهد يتم توظيفها على المدى البعيد  لتنشأة أجيال واعية ومدركة لدورها ومسؤولياتها عن علم  وموضوعية ، عقلانية،تتخصص في "علوم الاستغراب "، تدرس وتنقب وتبحث وتفكك كل ما فى الغرب من حضارة وفنون و آداب وفلسفة وأديان، وعرقيات ونظم سياسية واجتماعية واقتصادية، وطرائق بحثه ن ومناهجه المتبعة في علوم الاناسة وغيرها ، حيث يؤسس له كعلم قائم بذاته له كيانه ومناهجه ومدارسه وأهدافه وفلسفته ،بهدف تخريج رجال ونساء، يبلون كما أبلت الكنيسة والمستعربون والمستشرقون منذ القرن الثامن الميلادى فى فهم كل خبايا ديننا وحضارتنا وفنونا  وثقافتنا ونظم عيشنا ، والا فلن تقوم لنا قيامة الي يوم الدين....