العنف المدرسي صراع مصالح أم حاجات

العنف المدرسي

صراع مصالح أم حاجات؟

مليكة غبار

مؤطرة تربوية وحقوقية

[email protected]

يمكن اعتبار العنف المدرسي نسقا أوبنية متعددة الأطراف:  التلاميذ، الأساتذة، الأسرة والإدارة، الشارع، أجهزة الأمن، وسائل الإعلام البرامج والمقررات إلخ.. هذا التعدد والطابع الاختلافي بين كل اطراف يجعل من الصعب انخراطها جميعا من أجل السير في اتجاه معين دون عنف.

ولو توقفنا على سبيل المثال عن طرفين بارزين متعايشين بشكل مباشر نجد أن هناك صراع بين حاجات كل منهما، فالأستاذ الحامل للمعرفة  الذي يحمل على عاتقه مهام نقلها أوالمدرب على مهارات وقدرات... يجد نفسه في حاجة إلى الشروط الضرورية الملائمة للقيام بمهامه على أفضل وجه، وأهم هذه الحاجات تتجسد غالبا في توفر الهدوء وانتباه التلاميذ وتركيزهم، (ومشاركتهم بشكل إيجابي).... يجد أمامه (في قسم مبني بشكل يفرض علاقة عمودية بين التلاميذ) تلاميذ لهم حاجات مختلفة، حاجات  تقف عائقا أمام الهدوء المفترض والانتباه...(فبعض التلاميذ له الحاجة إلى الحركة  و البعض الآخر للكلام أو اللعب والهروب والحلم ...إلى غير ذلك من الحاجات التي لا حدود لها والتي تتعايش في وقت واحد وفي مكان واحد(الفصل).  وهذا ما قد يجعل  العلاقة التربوية تتجلى كعلاقة صراع بين الحاجات !!  أي حاجات المعلم و حاجات المتعلمين!!

ومن أجل ردم الهوة التي يساهم في تعميقها تبديد صراع الحاجات المتفاوتة بين التلاميذ والأستاذ، غالبا ما لايتم ذلك في هدوء وإنما على العكس من ذلك،  من خلال  ووفق ما تقوم عليه البنية الدراسية من قواعد و يكون على حساب أحد الطرفين ، وحسب المظهر الغالب على نظامنا التعليمي، نجد أن  التوجه يسير ، نوعا ما، نحو تغليب وترجيح كفة تحقيق حاجات الأستاذ لأنها هي التي تحظى بالأولوية ، حيث يتطلب الأمر إنجاز المقررات مع ما يطرحه ذلك من إكراهات (طول البرامج، التقويم...). على أساس أن التلاميذ سيحققون حاجتهم في فضاء آخر و في وقت آخر عند ممارسة نشاط آخر!!.(هذا في الحالات التي يتم فيها الاعتراف للتلميذ بحقه في تحقيق حاجات من قبيل الترفيه، اللعب، أوقات الراحة،...إلخ

و التساؤل الذي يطرح (في هذه حالة  الاعتراف بحاجته)هو: متى يحقق التلميذ حاجاته ويمارس من خلالها حقوقه؟ و أين(في أي فضاء) وكيف(بأية وسائل) ؟ هل فعلا يتمكن تلاميذنا من التمتع بحاجاتهم للترفيه، الراحة بالحرية  وبالقدر المطلوب؟... ، الواقع يبين أن وقتهم موزع بين الساعات الرسمية والساعات الخصوصية؟ مرورا بالبيت الذي هو الآخر قد تصطدم حاجاتهم أيضا  بأخرى متعلقة ببنية الأسرة، (قد تتعلق مثلا بغياب فضاء خاص بالتلميذ، غياب التوجيه الصحيح  ..)...

هكذا وعندما لا يكون هناك  متنفس فعلي للتعبير عن حاجاتهم وتحقيقها فقد يدعو  ذلك التلاميذ  إلى فرضها، في الفصل الدراسي- دون مبالاة بالمكان ولا الزمان ولاواقع التمدرس-  مما يدعو الأستاذ في بعض الحالات إلى مواجهة الموقف عن طريق العقاب(المبني على العنف) بوصفه رد فعل ضد سلوك منظور إليه على أنه خطأ متعمد أومخالفة، تقتضي بالضرورة (من وجهة نظر معينة) أسلوبا لتصحيح السلوك وفي نفس الوقت إعطاء العبرة للآخرين مما يجعل  التربية تنبني على السلطة والرغبة في الإخضاع ، بدل أن تتوخى تحفيز التلميذ على تنمية قدراته العلائقية والتواصلية عبر الانفتاح على الغيروالتعبير عن الذات..إلخ

وإذا كانت مظاهر العنف تختلف وتتراوح بين ما هو ظاهر، مثل العنف الجسدي (الضرب مثلا..)أو العنف الشفوي الذي يشمل النعوت والأحكام السلبية والتهكم والترهيب والتهديد... وبين عنف غير ظاهر، مثل العنف الضمني مثل التهميش أو الإهمال والنظرات المهينة...فإنه في غالب الأحيان لا يبدي الآباء أو المحيط مثل إدارة المدرسة ، أوجمعية الآباء، جمعيات حقوقية أو وسائل الإعلام...أي رد فعل  مباشر أمام العنف الشفوي والمعنوي عموما ولا حتى أمام العنف الجسدي، اللهم إذا كان هذا الأخير  ذا حمولة انفعالية عالية كالضرب المبرح و كسر أحد الأعضاء... في مثل هذه الحالة يكون رد الفعل بمثابة عنف ضد العنف فيتحول  العنف مثلا من أستاذ- تلميذ إلى أستاذ - أب ، إلى   أستاذ - رجال الإعلام ، جمعيات المجتمع المدني ... تلميذ – أستاذ..إلخ.

ولعل تنامي ظاهرة العنف بمختلف تجلياتها، وبلوغها في الكثير من الأحيان حدودا تضر بالعلاقة التربوية وتمس بمصداقية المؤسسة التعليمية، يجعل الأطراف المعنية بالتربية تتقادف في بعض ألحيات التهم  وترامي المسؤوليات وإلقاء مسؤولية حول بعض الظواهر السلبية إلى الآخر، وهذا ما يدعونا إلى طرح تساؤلات من قبيل:

-   أليس العنف انعكاسا للتفاوت بين الدور الذي تقوم به المدرسة في الواقع  وبين الدور الذي ينبغي أن تلعبه لتساهم في تكوين شخصيات متكاملة، تعي مسؤولياتها إلخ.

-   ألا يكون عجز المدرسة عن أداء مهامها الفعلية هو ما يجعلها مجالا لممارسة العنف؟ وكيف يمكن جعل الفضاء المدرسي مجالا محميا من كل أنواع العنف؟

-   ألا نمارس نوعا من العنف على التلميذ حين  نفرض عليه أن يظل متلقيا خلال الساعات الطوال؟ كيف يمكن تحرير المدرسة من عقالها الذي يفرض على التلميذ أن يكون متلقيا فقط وخاضعا ومتقبلا للمعرفة؟  

· كيف يمكن تجاوز النظام المبني على السؤال الجواب، و تعويضه بالدعوة إلى المشاركة والتقاسم و التبادل...؟ أليس في هذا تقوية للتواصل العلائقي الذي يعتبر هو أساس المشاركة الحرة و الفعلية بالنسبة لكل أعضاء جماعة القسم.؟