كلاّ .. ليست السياسة هكذا
كلاّ .. ليست السياسة هكذا !
عبد الله القحطاني
1)
· بعضهم يَعدّ الكذب والغش والخداع والمكر والخبث .. فهلوة وذكاء ودهاء ..!
· وبعضهم يعدّها سياسة ..!
· وبعضهم يَعدّها لبّ السياسة ..!
· وبعضهم يَعدّها من الأركان الأساسية في العمل السياسي ..!
· وينطلق كل منهم في كل اتّجاه ، يحطب في كل حبل ، ويحلب في كل إناء ، ويسبح في كل ماء ، ويأكل من كل وعاء ، ويظهر للناس بألف وجه ، ويحدّثهم بألف لسان ..! ويحسب نفسه يخدع الجميع .. غافلاًعن أنه وضَع نفسه في موضع احتقار الجميع ، وسخرية الجميع ، وتندّر الجميع ، وحذَر الجميع !
2) وبعضهم يرى أن الأصل في السياسة ، حسن الخلق عامّة ، إلاّ ما اقتضت مصلحة الحكم تجاوزه ، من أخلاق حميدة .. واحتاجته مصلحة الحاكم أو الدولة ، من وسائل غيرحميدة ، لتحقيق غايات يرونها ، هم ، نبيلة .. أو تحقّق لهم مصلحة ، يرونها ضروية لهم ! وهذا مبدأ ماكيافيللي ، وتلاميذه في العصورالتي تلت عصره ! فهم يسوّغون كل وسيلة يرون فيها مصلحة لهم ، أو لحكمهم ، أو لدولتهم .. بصرف النظر عن طبيعة هذه المصلحة ، وما إذا كانت حقيقية أو متوهّمة ، فردية أو عامّة ، حسنة أو سيّئة ، قويّة أو ضعيفة ، راجحة أو مرجوحة !
3) وبعضهم يرى أن الأصل الراسخ في السياسة ، هو الخلق الكريم ، السامي النبيل ..! وأن هذا الأصل ، لايسوغ تجاوزه ، ألبتّة ، إلاّ في حالات خاصّة جداً ، ضرورية جداً ،
تقدّر بقدَرها ! وتزول الحالة ، بزوال الضرورة الملجئة إليها ! والأمثلة على ذلك كثيرة. منها ، على سبيل المثال : إباحة أكل الميتة ، للإنسان المشرف على الهلاك جوعاً ، بالقدر الذي يحفظ حياته من الفناء ! ومثلها : الضرورات التي تلجئ الحاكم إلى حفظ الدولة ، من الأخطار المتوقّعة ، المرجّحة الحصول .. وتبيح مخادعة العدوّ ، للتغلّب عليه ، أو اتّقاء خطره وشره ! وفي ذلك يقول الحديث النبوي : ( الحرب خدعة !) .
وإذا كانت حالات الضرورة الفردية ، يفتي فيها العلماء للأفراد ، في الأحوال التي هم فيها .. فإن حالات الضرورة العامّة ، يفتي فيها الفقهاء ، الثقات في دينهم وخلقهم وعلمهم .. بعد تداراس حالات الضرورة ، مع أصحاب القرار في الدولة ، الذين يفترَض فيهم الوعي والصلاح ، والإخلاص والورع ، والحرص على مصلحة الوطن وأبنائه ، وعلى إنسانية الإنسان ، حيثما كان ! واضعين في حسابهم ، أن الضرورة لاتخرِج صاحبَها عن حدودها ، في التعامل مع الأحداث والأشخاص ، ملتزمين بالقاعدة الأصولية الشرعية : ( الضرورات تبيح المحظورات).
وهذا هو ، عامّةً ، منهج الأنبياء ، وأتباعهم الصادقين الخلّص !
4) الموازنة بين مبدأ مكيافيللي : (الغاية تبرّر الوسيلة ) وبين المبدأ الإسلامي : (الضرورات تبيح المحظورات ) تظهِر ، بوضوح ، الفرق الكبير، بين ضوابط الشرع الإسلامي الحنيف .. وبين الأهواء التي تَحكم أصحاب القرارات والمصالح ، غير المقيّدين بقيود الشرع الربّاني ، الذي يحدّد الضرورة ، ويقيد التعامل معها ، ويشترط أنواعاً معيّنة من أخلاق البشر، للإفتاء بها ! فهي تقدّر بقدَرها: زماناً ومكاناً وأشخاصاً !
5) مايجري اليوم ، في عالم السياسة ، منفلتاً من كل قيد ، ومن كل خلق .. هو كالذي يجري في الكثير من مناحي الحياة الأخرى ! وهو الذي أشرنا إليه ، وإلى أصحابه ، في البند الأول من هذه السطور! فهل يعَدّ هذا من السياسة ، في أيّ باب من أبوابها ، وضمن أيّ مقياس من مقاييس التعامل الإنساني: العقلية ،أو الخلقية ،أو الإنسانية عامّة !؟
الجواب ، بكل بساطة : لا.. ليست هذه هي السياسة ، وليست من السياسة ! وإلاّ لكان الشعار الأبرز للسياسة ، أو المعنى الأول والأصلي لها ، هو: السقوط ، أو الدناءة ، أو الانحطاط ، أو أيّ معنى من معاني الهبوط الإنساني ! وما نحسب أحداً يقول بهذا ، حتى الهابطون أنفسهم !